بقلم/ محمود كامل الكومى

على أرض بور سعيد مدخل قناة السويس الشمالي ,كان العدوان الثلاثي الأنجلو فرنسي الصهيوني , رداً على تأميم الزعيم جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس – فصارت حرب السويس التي قضت على الإمبراطورية البريطانية التي لاتغيب عنها الشمس , فغابت شمسها .

على أنقاضها حطت أوزارها الإمبراطورية الأمريكية في صراع مع الإتحاد السوفيتي ,فأدرك الزعماء جمال عبد الناصر ونهرو وتيتو يستغلون الصراع ,بابتداع قوة صار لها وزن بين القطبين من خلال دول عدم الانحياز التي اتخذت لها شعار الحياد الأيجابى والتعايش السلمي , وغدت المنطقة العربية بزعامة " ناصر" ذات تأثير دولي عالمي ,إلى أن غادر عبد الناصر الحياة إلى عالم الخلود.

رفعت الامبريالية الأمريكية شعار القضاء على الشيوعية ( الاتحاد السوفيتي) للتفرغ للقضاء على الإسلام والعروبة .

حقق السادات وحكام السعودية والرجعية العربية الهدف الأمريكي , حين جندوا تنظيم القاعدة الذي دُرِب أمريكياً ومُول خليجياً ونُظِم ساداتياً , فساهموا في القضاء على الإتحاد السوفيتي ,لتتفرد الأمبربالية الأمريكية بالعالم ,وتوجه جُل اهتمامها لهدفها الأستراتيجى وهو القضاء على العروبة والإسلام ,من خلال حكام العرب الذين وضعوا 99% من البيض في سلتها , ولو كان العروبة والإسلام غايتهم ,لاستغلوا التناقض بين القوتين العظمتين , في تحقيق هدف العروبة الوحدوي ولو على المستوى الأقتصادى وفتح الحدود بين الدول العربية للشعب العربي ,وتم التكامل على غرار الاتحاد الأوروبي – ولأنهم غير جديرين بذلك , غرست الإمبريالية الأمريكية والصهيونية أظافرها وأنيابها في قلب الوطن العربي ,تفكك جيوشه وتفتت بناه التحتية ,وتهز أركان أقطاره .

لتأتى حرب كورونا الجرثومية – التي أرادوها للقضاء على التنين الصيني ,كقوة صاعدة تبدد واقع التفرد الأمريكي ,وتزيل سيطرته الأحادية على العالم , ولكي يكون القضاء على الصين نذير أحالة البقية الباقية من عالمنا العربي إلى جثة هامدة , تغرس الصهيونية العالمية فيها أنيابها لتفترسها ولتحقق حلمها الكبير من النيل إلى الفرات وحديقة خلفية من الخليج إلى المحيط .

لكن عناية الله حلت على أمتنا العربية
فتعافت الصين وانتصرت في حرب كورونا وعلى من أحضر عفريتها حين لم تستطع أمريكا أن تصرف عفريت كورونا من معاملها ,أو حين صُدر إليها ممن صدرته لها , فأنتشر على أرضها يحصد الأرواح ويحولها إلى جثث ,وعلى ذيلها الأوروبي الغربي أنتشر أيضاً.

على المستوى الأقتصادى:أشترت الحكومة الصينية الشركات الغربية التي تستثمر على أرضها والتي طرحتها للبيع بثمن بخس خوفا من تبعات كورونا ,لتضاف إلى قاعدة الحكومة الأقتصادية تحقق حلم المارد الصيني نحو التفرد باقتصاد العالم .

وعلى المستوى الطبي : سارت القوافل الطبية والخبراءالصينين إلى أوروبا من أجل المساهمة في إنقاذ شعوبها من خطر كورونا القاتل بعد أن تفشى وحصد أعداد فاقت كل حد , بل أن الحكومة الصينية عرضت على أمريكا المساعدة ,فيما بدت الحكومة الأمريكية عاجزة أمام هذا الفيروس الذي خلقته , وبدا أن مصله الذي أستحضر لم يكن جديرا بالتعامل مع الفيروس الشيطاني – لذا صار كورونا جديراً بالقضاء على الإمبراطورية الأمريكية ,كما قضت حرب السويس على الإمبراطورية البريطانية.

والى أن يُقضى على الإمبراطورية الأمريكية في صراعها العلمي والأقتصادى مع المارد الصيني , بل والعسكري .
كيف يفكر عالمنا العربي ؟

خلال أيام الحرب مع كورونا , غاب عن عالمنا العربي العقل – فكل مختبرات العالم تُجرى تجاربها البحثية على قدم وساق – أما عندنا فالمراكز الطبية كالمستشفيات معظمها تم خصخصته وبِيع ,والقطاع الخاص لايبغى إلا الربح , والمعامل البحثية الطبية لم تجد الموارد والأجهزة لم تُحدث , والعلماء هربوا إلى خارج الوطن العربي , ولم يبق إلا الغوازي من الراقصين والإعلاميين وفضائيات الديماجوجية الفكرية وكرة القدم المتدنية .

ليثور التساؤل من جديد فيما بعد كورونا , هل سيستغل العرب التناقض بين المارد الصيني المنتصر علميا واقتصاديا وبين أمريكا الململمة أشلائها في محاولة أثبات الذات ؟

حين قُضى على الإمبراطورية البريطانية في السويس, أستغل الزعيم جمال عبد الناصر التناقض بين الإمبراطورية التي حاولت أن تأخذ مكانها وبين اتحاد الجمهوريات ألسوفيته كقوة تجابه أمريكا , ودشن مع دول العالم الثالث مجموعة عدم الانحياز , وقاد الأمة العربية إلى التقدم والتحرر من الاستعمار وحققت كلها الاستقلال , وصارت التنمية , وتكونت الدول والحكومات الثورية المستقلة من أجل الوحدة العربية وتحرير فلسطين .

بالتأكيد مابعد كورونا ليس كما قبلها – ستتغير موازين القوى.

ويبقى السؤال مطروح على أمتنا العربية شعوبا قبل الحكومات وعلى المجتمع المدني – هل سنبقى في سُبات إلى أن تأتى قوى أحادية جديدة تتفرد بنا مجدداً , تستقطبها الصهيونية العالمية التي لم تتخل عن شعارها من النيل إلى الفرات ؟

أم أننا سندرك درس الماضي الوسيط في خمسينات وستينات القرن الماضي ,ونطور التكتيك ونعيد الأمل ونحقق الهدف الذي سرنا نحوه خطوات وأجهضته المؤامرات ,وهو الوحدة العربية وتحرير فلسطين .

أم سنظل نجتر آلام الماضي القريب منذ كامب ديفيد مروراً باحتلال العراق , وأخيراً ثورات الربيع العربي التي تحولت إلى خريف , وتفتيت لدول محورية وتهجير لشعوب عربية .

كل الرجاء والابتهال إلى الله أن يستعيد العقل العربي والثورة العربية فعلها التقدمي الوحدوي لتحقق شعارها المطروح منذ أواسط القرن الماضي في الحرية والاشتراكية والوحدة .

*كاتب ومحامى - مصري

حول الموقع

سام برس