بقلم/د. خير الدين حسيب
تشهد أسعار النفط في الوقت الراهن انخفاضاً ملحوظاً ومستمراً، فما هي الأسباب ومن هو المستفيد و/أو الخاسر عربياً؟!

1ـ من الملاحظ، وفق الأسعار المنشورة عالمياً والتي لا يمكن دحضها، أن أسعار البرميل من النفط الخام قد ارتفعت عالمياً من اقل من دولار واحد للبرميل عام 1970 إلى ما يزيد على مئة دولار للبرميل الواحد قبل بضعة سنوات، وإننا نعيش الآن فترة انخفاض في أسعار النفط الخام بدأً قبل نشوء ظاهرة وباء “الكورونا” وإنها متزايدة الآن مع ظهور هذا الوباء، فما هي حقيقة ما يحصل وهل للشعوب، ومنها الشعب العربي وحكوماته الغير ديمقراطية بدرجات مختلفة، من المستفيد أو الخاسر من هذا الارتفاع أو الانخفاض؟

2ـ لقد بدأ ارتفاع النفط الخام منذ عام 1970 من أقل من دولار للبرميل الواحد إلى ما يزيد على مئة دولار قبل بضع سنوات، وقد بدأ بالانخفاض إلى أقل من خمسين دولاراً مؤخراً وتزايد هذا الانخفاض بعد ظهور وباء الكوليرا وهو الآن في العشرينات من الدولارات للبرميل الواحد، وأن هذا الانخفاض مرشح للإستمرار. فما هي الأسباب ومن هو المستفيد عربيا ( الشعوب أو الأنظمة) ما هي أفاق المستقبل؟

3ــ إن استعمال أرقام معدل الدخل القومي (أو الناتج المحلي) الصافية والاجمالي، وغالباً ما تستعمل الأرقام الإجمالية لأن الأرقام الصافية تعتمد على كيفية احتساب الاندثار في أرقام الناتج القومي ولذلك فالغالب أن تستعمل أرقام الناتج القومي الاجمالي كأساس في المقارنة، والتي سنعتمد عليها في هذا المقال.

4ـ إن استعمال معدل الناتج أو الدخل القومي الإجباري للفرد الواحد لأي بلد في العالم هي أرقام مضللة، لأن ذلك يفترض أن مجموع الناتج القومي موزع على جميع أفراد البلد المعني بالتساوي، وهذا افتراض غير صحيح، لأن هناك قلة من السكان لأي بلد معين تحصل على حصة كبيرة من الدخل القومي وأن غالبية سكان أي بلد تحصل ، وبدرجات مختلفة، على حصة أقت لمعدل دخل الفرد .

5ــ ولذلك فإن تأثيرات انخفاض أو زيادة أسعار النفط الخام دولياً وعربيا” لها تأثيرات مختلفة طبقاً لعوامل عديدة ومنها مدى عدالة توزيع الدخل القومي في كل بلد وعلى مدى وطبيعة وديمقراطية النظام في أي بلد منتج للنفط وبخاصة الأنظمة العربية النفطية.

6ـ ولذلك فإذا ما تتبعنا مدى استفادة البلدان العربية المنتجة والمصدرة للنفط الخام، ومدى استفادة كل من الأنظمة وشعب تلك الأقطار العربية المنتجة والمصدرة للنفط الخام (والغاز إلى حد ما)، فإننا نجد، وباستثناءات أقل من القليل، إن الشعوب العربية كانت أقل إستفادة بكثير من أنظمتها وحكامها غير الديمقراطية وبدرجات مختلفة، من شعوبها، وإن استفادة أنظمتها غير الديمقراطية وحكام تلك البلدان هي أكثر بكثير وبأضعاف من مدى إستفادة شعوبها من ذلك. ولذلك فإن انخفاض أسعار النفط الخام العالمية والعربية بشكل خاص مفيدة في الغالب للشعوب حيث يعكس هذا الانخفاض نفسه إيجابيا وإلى حد كبير على الشعوب، ورغم تأثيره السلبي وانخفاض إيرادات أنظمة تلك البلدان غير الديمقراطية.

أي أن هناك حالة تباين واضح في هذا المجال بين مصلحة الأنظمة ومصلحة شعوب هذه البلدان العربية وغير العربية المنتجة والمصدرة للنفظ الخام غير الديمقراطية بدرجات مختلفة. وأما القول بأن زيادة أسعار النفط تساعد البلدان العربية المنتجة والمصدرة للنفط على تكوين “ريوع” تستعمل في الاستثمار في إنشاء مشاريع عديدة، فأمر يستحق المناقشة، ونحن نرى أمامنا كيف تُستعمل هذه الفوائض في التدخل في شؤون أنظمة عربية أخرى وتزويد معارضاتها بالمال والسلاح والمتطوعين وكيف يتم التصرف بــ “الصناديق السيادية”، وأين تذهب أموالها.

7ـ والذي نريد استنتاجه مما تقدم هو أن على شعوب الأقطار العربية المنتجة والمصدرة للنفط أن لا تخشى من انخفاض أسعار النفط الخام لأنها في النهاية هي (هذه الشعوب) المستفيدة منه وإن الخاسر الأكبر هو (صناديق السيادة) لمعظم الأنظمة العربية المنتجة والمصدرة للنفط والتي كانت تتراكم هذه العائدات فيها وليس شعوب هذه البلدان، نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام.

8ــ إنني أطرح وجهة نظر هذه للمناقشة، وأتمنى أن لا أكون مخطئا في ذلك، وأود طرح هذا الموضوع للمناقشة عربياً، ولإزالة الغشاوة من على أعيننا.
اللهم أشهد فقد بلغت

مفكر اقتصادي عربي

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس