بقلم/ معن البياري
المرجّح أن المسلسل المصري "البرنس"، للسيناريست والمخرج محمد سامي، كان الأكثر مشاهدةً في موسم دراما رمضان الذي انتهى للتو. انشدّ إليه ملايين النّظارة العرب، ومن استنكفوا عن متابعته في حلقاته الأولى تداركوا أمرهم، فدخلوا في ملاحقة تفاصيله المثيرة تاليا.

والمفارقة هنا أن موضوعة هذا العمل تقليدية، ومستهلكة في قصص وأفلام ومسلسلات وخراريف بلا عدد، بل إن مشاهدين حسموا مساره ونهايته السعيدة منذ الحلقة الثالثة، لما تبيّنت الخصومة التي صارت صراعا بين الإخوة من ثلاث أمهات، أن الشاب الحكيم الشجاع، وصاحب المروءة والشمائل الطيبة، المظلوم المستهدف من إخوته الكبار (وبينهم أختٌ له)، سينتقم منهم، وسيلقون مصائرهم المحتومة (معهم شريكهم زوج أخته).

وقد قال المخرج إنه استوحى حدوتة ظلم أربعة إخوة خامسا لهم من قصة النبي يوسف، وإن حكاية الظلم ثم الانتقام معلومةً قبل مسلسله وبعدها. كان المشاهدون على ثقةٍ بانتصار الخيّرين على الأشرار، وهم يلاحقون وقائع التآمر المكشوف على الأخ الأصغر الذي كان الأقرب إلى والده، ووحده اتصف بحسن الأخلاق. خطط إخوته لقتله مع زوجته وابنه، ثم نجا مع فقدانهما، إلا أنهم تمكّنوا من تدبير سجنه خمس سنوات، ورموا ابنته الصغرى في الشارع، ثم توبعت وقائع ما أعْمله فيهم، وهم الإخوة الشياطين الذين يخونون بعضهم، ويتاجر اثنان منهم بالمخدّرات، فيما الأكبر خائف دائما ومتردّد، ويقترن براقصة، ويدير ملهى ليليا يمتلكه، بعد أن كانوا كلهم قد حازوا الميراث الذي أرادوه لهم.. إلخ.

ما الذي جعل هذا المسلسل ينجح جماهيريا، ويُحرز هذه المشاهدة الكاسحة، فيما قصته معروفة، بل فيما هو كارثةٌ حقيقيةٌ دراميا، في اعتماده كثيرا على المصادفات غير المقنعة، وبناء حكاياته المتتابعة على تنميط الناس أخيارا بالمطلق أو أشرارا بالمطلق (ربما باستثناء الأخ الأكبر الذي ينتهي منتحرا).

كما أنه كارثة في حوادث لا منطق فيها، وفي فجوات قانونية عديدة، وفي سذاجاتٍ كثيرة، إحداها بشأن الحارة الشعبية التي يدير تاجر مخدّرات صيدليةً فيها، ويعرف ساكنوها الصحيح من غير الصحيح في الذي يلحق برضوان البرنس (البطل الرئيسي للمسلسل، وأدّى دوره محمد رمضان)، ولا يصنعون شيئا، فضلا عن غياب الدولة وقانونها في كل التفاصيل، وبلاهة المحكمة التي يمشي عليها "الملعوب" على المظلوم، النحيل الذي ينجو من القتل في حادث سير متعمّد، ويحاول أخوه الإجهاز عليه في المستشفى، لكنه يستعيد عافيته، ثم تصل بطولاته البدنية إلى حد الخرافة، فضلا عن طريقه الميسّرة في توثيق جرائم شقيقه الأكثر تآمرا عليه (أحمد زاهر) مصوّرة.

هذه البلاهات، وكثير مثلها، تعرفها جماهير المشاهدين، وتعرف مقادير الاستغباء الفادح الذي مورس عليها، في أثناء تفرّجها الليلي على حلقات المسلسل، الطافحة بالقسوة المفرطة، والمأساويات المفتعلة، والأخطاء الظاهرة، غير أن ذلك كله لم يخدش الحرص العريض على المتابعة، بل وانتظار الموعد اليومي لبث المسلسل. ما الأسباب؟ هل هو الأداء العالي للممثلين أدوارهم، وغالبيتهم كانوا باهرين؟ أم هو الإيقاع العام للعمل في تتابع المشاهد، وربط الحكايات والخيوط المتفرعة عن الحكاية المركزية بإتقان؟ أم هو التشخيص الجيد لأجواء الفاسدين وتجّار المخدرات وشطارات النصابين، وقد برع المسلسل في الحوار بين هؤلاء ومفرداتهم من معجمهم الخاص؟ أم هي الشطارة التسويقية التي روّجت المسلسل في "السوشيال ميديا"؟ أم أن المزاج العام الذي يطبع مشاهدة مسلسلات الدراما غالبا ما ينشد إلى الحركية والحيوية والتوترات العالية والدموع السخية (للنساء خصوصا) والعواطف الحارّة؟

لقائلٍ أن يقول إن "البرنس" نجح أيما نجاح في هذا كله، ما جعله وجبةً طيبةً لتزجية الوقت أمام الشاشة الصغيرة في مساءاتٍ رمضانية، غير أن في الوسع أن يُقال إنها "سيكولوجيا الجماهير" أيضا، وهذه تستميلُها قصص الأشرار وشرورهم، وإنْ ينتصر الخير في الخواتيم. ومن طبائع العمل الدرامي أن مقادير التشويق فيه تتوفّر بمقادير الشر الذي لا تتحقق هزيمته إلا بعد أن يفعل أفاعيله. وربما يكون المسلسل التلفزيوني أكثر نجاحا إذا ما انهزم الخير أيضا، وظلّ الشر في مواقعه، وذلك ما لا تعدم حقائق الواقع شواهد عليه.

وإذا كان الأشرار في "البرنس" قتلوا أنفسهم، وسيق أكبرهم إلى الإعدام، واقتصّ منهم محمد رمضان، وتدخلت يدٌ إلهية لتُفجع الأخت الكريهة، المتآمرة على شقيقها، بموت طفلتها، وإذا كان البطل المظلوم يعبُر في مشهد الختام إلى زواج من أحبّها منذ زمن، فإن هذا كله لم يمنع نجاة "الرجل الكبير"، مورّد المخدرات، من أي قصاص.

نقلاً عن العربي الجديد

حول الموقع

سام برس