بقلم/ احمد الشاوش
مايجري في امريكا لم يكن ربيعاً أمريكياً أو خريفاَ للغضب أو انتفاضة سياسية مُسيرة مدفوعة الاجر في سبيل تركيع امبراطورية الشر الامريكية ، وانما " ثورة " بكل ما تعنية الكلمة اندلعت شرارتها من مدينة مينيابولس على خلفية مقتل "جون فلويد" من قبل شرطي ابيض مريض و" عنصرية " رأس المال المتوحش والثقافة الدموية لذلك الخنزير الذي تجرد من القيم الفاضلة وتمرد على الدستور والعدالة وتحول الى حيوان مفترس ظهرت ملاحمة الاجرامية منذ اليوم الاول لغزو القارة الامريكية تحت اكليشة اكتشاف جنة الله في أرضه وقتل أكثر من مليون شخص من الهنود الحمر ابناء الارض.

ولم يكتف طغاة اوروبا ولصوص بريطانيا وقتلت ولقطاء الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس بسرقة الارض وجرائم الابادة بالهنود الحمر ، بل واصلوا توحشهم ومارسوا هواياتهم في قتل وخطف الاطفال والشباب الافارقة وتحويل الجميع الى " عبيد" وسخرة في زراعة الاراضي الشاسعة والاعمال الوضيعة وفقاً لقانون وشريعة الغاب ، بينما نرى ان بعض حيوانات الغاب أرحم واقل شراسة من بعض البشر الذين تحولوا الى وحوش وكلاب مسعورة ضد الانسان الاخر لمجرد اللون أو اللغة والمعتقد.

مايجري اليوم هو " ثورة" شعب حقيقية ضد الطغيان والاستبداد والعنصرية وانتهاكات حقوق الانسان ، فالتظاهرات والاحتجاجات والانتفاضات هي" ثورة" شعب ضد قيم العدالة والمساواة والديمقراطية والحرية" الزائفة" التي خًدر بها الاعلام الامريكي مواطنية حيناً من الدهر ومارس فيهم فنون التعذيب والترويع والخطف والقتل والاعتقال دون رحمة مجسدا ً ثقافة فرز الالوان والاعراق والمذاهب ، بينما الاعراب لايزالون مهووسين بالجلاد الامريكي.

شاهدنا وقرأنا وتابعنا تصريحات وغرور وغطرسة الرئيس ترامب العنصرية ضد السود ، والتعصب الاعمى الى جانب الشرطي القاتل دون الضحية المقتول ، وتحريض الجيش على استخدام القوة المفرطة لإيقاف المتظاهرين والغاضبين واهانة وتحميل حكام الولايات المسؤولية ، والخلافات العاصفة بين الديمقراطيين والجمهوريين واليساريين والانتقادات الحادة للرئيس ترامب من قبل بايدن بعد فضيحة وفشل الساسة القتلة في احتواء الثورة.

لقد صدم العالم اليوم بضعف الولايات المتحدة من الداخل الذي سعت في الارض فساداً بنهب الثروات واستباحت الاراضي والبحار والاجواء ومصادرة قرارات الدول والشعوب وتحريك البوارج الحربية وسلاح الجو ودعم الانقلابيين وغزو البلدان تحت يافطة حماية المواطن الامريكي وقيم الحرية والديمقراطية ومحاربة الديكتاتورية كذباً ليكتشف العالم ان من يحكم امريكا هي " مافيا" تمتص دماء الشعب الامريكي وتتاجر بالشعوب الاخرى.

لذلك سقطت امريكا في أكثر من امتحان وسقط تمثال الحرية وسقطت الديمقراطية والحرية والعدالة والمساوة وكل التماثيل الزائفة التي حولت البيت الأبيض الى مسعى وحائط مبكى.

مايجري في الولايات المتحدة الامريكية اليوم من مشاهد مروعة وصور مرعبة واعمال عنف وقتل صادمة وقصص مأساوية وتحطيم سيارت شرطة واشعال الحرائق ونهب أفخم المحلات التجارية ومهاجمة مؤسسات عسكرية ومدنية هو " زلزال " شعبي لإرساء العدالة والمساواة ورد فعل طبيعي وانتقام لتراكمات تاريخية من الظلم والاستبداد والتوحش والاستغلال والفرز الطائفي ، لذلك أنهار الرئيس " المعتوه" وفر الرئيس " الجبان" للتخفي في بدروم البيت الابيض المدرع ، ووضع جيشة ومخابراته وترسانته واقتصاده وسمعته وجبروته وإمبراطورتيه تحت أحذية " الضعفاء" ليكتشف العالم ان امبراطورية العم سام أضعف من خيوط العنكبوت وان أمن واستقرار ووحدة الولايات المتحدة قابلة للتجزئة والبيع والشراء بثمن بخس كما يُجزئ سفراء امريكا الوطن العربي والعالم بالقوة والدولارات .

والتاريخ السياسي يذكرنا بسجل الشرطة الامريكية الحافل بالأجرام والعنصرية والجرائم المروعة ضد آلاف الابرياء" من السود" والانتفاضات التي حولت غطرسة ورفاهية امريكا الى جحيم ، من بينها استهداف 1099 في مختلف الولايات ، وان 99 في المئة من حالات القتل بين عامي 2013 و2019، لم تسفر عن إدانة أي عنصر بارتكاب جريمة.

ومازال شريط الذكريات يستعرض انتفاضة السود في لوس أنجلس عام 1992، التي عرفت أيضا بأحداث شغب رودني كينغ ، مدة ستة أيام دامية احرقت الدنيا بعد تبرئة 4 من ضباط شرطة لوس أنجلس لدواعي عنصرية.

ويستمر مسلسل العنصرية ففي عام 1965 لوس أنجلوس تم توقيف ماركيت فراي " الاسود" في مشاجرة أدت الى ثورة في حي "واتس" الشعبي ، مدة سته أيام تحوّل الحي الفقير خلال ستة أيام قتل فيها 34 قتيلا وتوقيف 4000 شخص، وسجلت أضرار بعشرات الملايين من الدولارات ، وفي عام 1967- نيوآرك أفضت مشادة بين شرطيين أبيضين وسائق سيارة أجرة أسود إلى أعمال شغب في نيوآرك بولاية نيوجيرسي لخمسة أيام قتل خلال الأحداث 26 شخصا وجرح 1500 آخرون.

وفي ديترويت 1967 اندلعت أعمال عنف في الشارع 12 الذي تقطنه غالبية من السودقتل فيها 43 شخصا وجرح نحو 2000 آخرين ، امتدت أعمال العنف إلى إيلينوي وكارولاينا الشمالية وتينيسي وميريلاند.

وفي عام 1968 تم اغتيال مارتن لوثر كينغ في ممفيس بولاية تينيسي وانفجر اعمال العنف في 125 مدينة، مما أدى إلى سقوط 46 قتيلا على الأقل و2600 جريح.

في واشنطن، حيث كان السود يشكّلون ثلثي سكان المدينة، أضرمت حرائق ووقعت أعمال نهب. في اليوم التالي، امتدت الاضطرابات إلى الأحياء التجارية في وسط المدينة وصولا إلى منطقة تبعد نحو 500 متر فقط عن البيت الأبيض.

واستدعى الرئيس ليندون جونسون الجيش الذي تدخل في شيكاغو وبوسطن ونيوآرك وسينسيناتي ، وفي ميامي 1980 قتل نحو 18 شخصا وجرح أكثر من 400 جراء أعمال عنف في حي السود ليبرتي سيتي بعد تبرئة 4 من رجال الشرطة البيض لقتلهم سائق دراجة نارية أسود تجاوز إشارة المرور.

وفي سنة 2001 قتل شرطي أبيض شاب الأسود تيموثي توماس 19 عاما في سينسيناتي اصيب نحو 70 شخصا في انتفاضة تم وقفها بالقوة وفرض حالة الطوارئ .. وفي 2014- أدى مقتل الشاب الأسود مايكل براون 18 عاماً على يدي شرطي ابيض في فرغوسن بولاية ميسوري، إلى انتفاضة استمر عشرة ولم يُعاقب الشرطي.. وفي عام 2015 توفي فريدي غراي شاب أسود بعد إصابته بكسور في فقرات العنق في بالتيمور بولاية ميريلاند بسبب نظرته التي لم تعجب الشرطة، إلى انتفاضة وأعمال شغب ونهب في المدينة.

هذه لمحة تاريخية عن حالة السُعار والتوحش الامريكي لكلاب ومافيا السلطة الضالة التي أدمت كل بيت وابكت كل امرأة ونهشت كل شاب وعظة كل رجل وآخرهم اسرة "جون فلويد".

وإذ اكان هذا الاجرام والتوحش والفرز الطائفي والعنصري مع المواطن الامريكي فكيف كان وسيكون مع العرب والمسلمين وكيف ينظر السياسيون والقادة والمثقفون والاعلاميون والمخبرون العرب واصحاب الربيع العربي قيم الحرية والتضليل الديمقراطي الامريكي ، أليس من الاجدى العودة الى قيمكم وعاداتكم واصالتكم ودينكم وتأخيكم والترفع عن الصغائر بإيقاف الحروب والسعي نحو السلام لبناء بلدانكم بدلاً من تدميرها ونهبها واسالة الدماء.

أخيراً.. أثبتت الايام ان امبراطورية امريكا أضعف من خيوط العنكبوت وان الحرب الاهلية وتقسيم الولايات المتحدة تلوح في الافق في غياب العدالة والمساواة ، وان سمعة الرجل الابيض العنصري سقطت وانتهت على أيدي مواطنين عُزل وان دول ورؤساء وملوك وامراء وقادة وشعوب العالم وفي مقدمتهم العرب سُعداء بـ " ثورة" السود التي ستُغير مجرى تاريخ التوحش الامريكي أو تضع حداً له بوضع قواعد جديدة ليس على مستوى الداخل الامريكي وانما على مستوى العالم ، لاسيما في ظل خسائر كورونا المرعبة وتعثر الاقتصاد الامريكي وارتفاع البطالة الى نحو 40 مليون ومأزق الشرق الاوسط وصراع الجمهوريين والديمقراطيين ، ووجود الدب الروسي واحلام الامبراطورية الصينية القادمة والنمور الاسيوية وموت القارة العجوز .. ولنا في الامبراطوريات السابقة الف عبرة.

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.

shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس