بقلم/ عبدالباري عطوان
لماذا بدأت العُقوبات الأمريكيّة تَفقِد قيمتها وتُعطي نتائج عكسيّةً وتتحوّل إلى موضع سُخرية في مُعظم الحالات؟ هل اختفت كوبا من الوجود بسببها؟ وما هو الضّرر الذي ألحقته بالسيّد خامنئي مثَلًا؟ وهل أدّى انهِيار العُملة الأفغانيّة إلى انهِيار المُقاومة الطالبانيّة أمْ تأجيجها؟

بعد فرض وزارة الخزانة الامريكية عقوبات قبل يومين على بحارى الناقلات الإيرانية الخمس التي نقلت حوالي مليون ونصف المليون برميل من البنزين ومشتقات النفط الاخرى الى فنزويلا، وها هي الوزارة نفسها تفرض اليوم موجة جديدة من العقوبات على ثماني شركات للحديد والصلب والمعادن الأخرى في ايران.
لا جديد على الاطلاق في فرض هذه العقوبات التي باتت موضع سخرية معظم المراقبين، ان لم يكن كلهم، فلم تبق شركة او شخصية في ايران الا ما ندر لم يتم وضعها على لائحتها، ابتداء من السيد علي خامنئي المرشد الأعلى، وانتهاء بالسيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية، ومع ذلك استطاعت السلطات الإيرانية ان توظف هذه العقوبات لمصلحتها، من حيث تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات الصناعة والأغذية والتسليح، وتقليص الاستيراد الى حدودها الدنيا.

فاذا كان البعض يحاجج بأن هذه العقوبات خلقت أزمات معيشية في ايران، وخفضت من قيمة العملة الايرانية الى حدود دنيا، وهذا صحيح ولا جدال فيه، فان معظم خصوم ايران يعيشون ازمات أيضا ربما تتفاقم وتتطور في المستقبل المنظور الى أزمات اكثر خطورة، في ظل تدهور اسعار النفط والغاز، وتورطهم في حروب لم يتعودوا على خوضها، وشعوب لم يطلق بعضها رصاصة احدة، وباتت خزائنهم وودائعهم تستنزف، ولن تكون قادرة على الاستمرار في تمويلها، مثلما هو الحال في سورية وليبيا واليمن، علاوة على الحرب على الارهاب التي باتت على وشك الانفجار مجددا في ظل المؤامرات واتساع دوائر الفوضى والدول الفاشلة.

عندما شددنا الرحال الى أفغانستان أواخر عام 1996 للقاء زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، كانت البلاد تعيش حالة من الفوضى في بداية حكم حركة طالبان، وتخضع لحصار امريكي أوروبي خانق أدى الى انهيار العملة المحلية وفقدانها لقيمتها، وكنت تحتاج الى عربة من الليرات مقابل الدولار حتى انه جرى وقف التعامل بها، واللجوء الى نظام المبادلة والمقايضة، أي دجاجة مقابل كيلو من السكر على سبيل المثال في الأسواق والبقالات، وها هي حركة طالبان تتعافى من آثار الغزو الأمريكي، وتسيطر على ثلثي الأراضي الافغانية، وترفض الاستجداءات الامريكية للانسحاب الآمن من البلاد، وتقديم بعض التنازلات الشكلية في المقابل، بعد ان زادت الخسائر الامريكية عن ترليوني دولار، واكثر من أربعة آلاف قتيل والحسابة تحسب.

ما هو الضرر الذي يمكن ان تلحقه العقوبات الامريكية بالسيد خامنئي الذي لم يغادر طهران منذ ثلاثين عاما؟ ولا يوجد له دولارا واحدا في أي حساب الي داخل ايران او خارجها؟ وما هي الخسائر التي يمكن ان يتكبدها السيد محمد جواد ظريف الذي زادت العقوبات من ابتسامته اتساعا؟ والم تزداد قوة “حزب الله” وتتضاعف وباتت قوة ترعب دولة الاحتلال؟
العقوبات الامريكية جعلت من ايران قوى عسكرية اقليمية عظمى، تملك ترسانة من الاسلحة ذاتية الصنع تزدحم بالصواريخ الدقيقة، والغواصات الحديثة، وارادة الردع الانتقامي، الامر الذي جعل من الإدارة الامريكية “تجُبن” عن اعتراض سفنها التي حملت البنزين الى فنزويلا، ولعل ما كشفته دراسة منسوبة الى مركز بيغن للسلام في تل ابيب تؤكد ان الرد الانتقامي الإيراني لاغتيال اللواء قاسم سليماني على قاعدة عين الأسد غرب العراق فاجأ الأمريكيين لدقته، وتدمير مركز عصب القاعدة الالكتروني مما اجعل طائرات مسيرة تحلق لساعات في الأجواء العراقية دون هدى لعدم قدرتها على التحكم فيها، ثم ما هو حال الشعوب والحكومات العربية التي سارت في الركب الامريكي والإسرائيلي تجنبا للحصار والعقوبات؟

ولماذا نذهب بعيدا، فها هو قطاع غزة المحاصر منذ اكثر من 10 سنوات تبدع عقوله في تطوير ترسانة من الصواريخ جعلت من دولة الاحتلال تتردد الف مرة قبل شن أي عدوان عليه لانها تدرك جيدا ان معظم مستوطناتها ومستوطنيها سيعيشون في الملاجئ تحت الأرض لعد أيام وربما أسابيع.

العقوبات الامريكية باتت تفقد قيمتها ومفعولها، وتتحول الى نقمة على أصحابها، وتعطي نتائج عكسية تماما، ولا نستبعد ان يأتي اليوم الذي يتمناها الكثيرون بل ويسعون اليها، اذا كانت ستحولهم الى قوة عظمى تطلق اقمارا صناعية، وعلى وشك امتلاك القدرة على انتاج أسلحة نووية، ويترحمون في المستقبل على ايامها، بعد ان تصبح تاريخا بعد انهيار امبراطورية الشر الامريكية، وهي ستنهار حتما وقريبا باذن الله.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس