سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني

معارض عربية و أوروبية و بأمريكا .. و من عوالم البحر كان الفن و التلوين و الأغنيات
العالية .

أنت أيتها الألوان الطافحة بالنشيد و بما يسعد الكائنات و هي تقص بهاءها النادر على العناصر و التفاصيل..ثمة فسحة للحلم البليغ يجترح مداه مثلما تفعل مياه اذ تنحت مجاريها في الصخر..هكذا هي الفكرة الباذخة في علوها بين قلقين تنشد عناوينها تقصدا للاقامة بين الوردة و السكين..بين الأمل و الألم..سفر..و رحلة لا تضاهى .
أذكر الآن القصيدة التي أهداها الشاعر منصف الوهايبي لـلفنان العالمي بول "عند أبواب القيروان "و هي عنوان لوحة من لوحاته الفنية وردت ضمن ديوانه الشهير " من البحر تأتي الجبال "....نعم و من البحر تأتي الجبال و الأكوان و الجمال...
من هذا البحر لمعت فكرة الفن و التلوين عند صاحبنا الفنان الذي نعني الآن بالنظر لعراقة التجربة و ما حف بها من أحداث و دأب و حرص فولاذي ... انها عنوان آخر من عناوين الفن و الحياة و لللاهيام بالمغامرة و السفر و القول بجوهر الأشياء تقصدا و ذهابا و نزوعا ..

نلج الآن عوالم الفنان العميق كطفل سابح في سماء البراءة ..تربى في مدرسة البحر وفق قصة لذيذة خطها الوالد و الأهل..علاقة استثنائية مع البحر و التلوين حيث لم يقل " بس يا بحر "..واصل المغامرة بكثير من الامتلاء بالفن و الحياة.

نعم من البحر أتت مواجعه و البهجة العارمة..تشرب من عوالم الأزرق و مضى في أيام خطاه كائنا آخر يعرف الينابيع ..لم ينسها.
" كان البحر صديق
طفولة
نرسمه على المرايا
أودعناه أسرارنا و الحكايات..
هبت رياح
و امحت صور..
و طغت موسيقى الحنين...
هذا هو البحر يا أبي.".
من طفولة مبكرة عالج صاحبنا أحلامه بهواجس البحر بحثا عن أصواته و تلويناته فغدا غواصا يبحث عن الكنه و الجوهر و تلوينات أخرى للأشياء ..خبر لغة البحر و حاوره و حاوله قتلا للنسيان و الفجيعة..
هذا هو الفنان التشكيلي البحري الجنوبي ...الطاهر عويدة..فنان بطعم طفولة..كانت أيام المحرس الدولي (33) مجالا للسفر المحكي و الذكرى المحفوفة بالشجن..حكى تلوينات شتى من سيرته و أعماله ومعارضه..لدغه البحر لدغة صديق حميم..لم ينسه كل ذلك أن يستعيد جمال أيامه تلوينا و حياة أخرى ..عرض في تونس و أوروبا و أقام خلال مرضه بايطاليا التي تحول فيها المستشفى الصقلي الى واحة ملونة...الى معرض مفتوح للطاهر عويدة...جاء الفنانون و المهتمون و الناس ليروا هذا الذي باللون صار طفلا جديدا .

من تلك العلاقة الأولى مع البحر و الجنوب التونسي ..أنشأ فضاءه الفني ..بل فضاءاته..لأعماله و لأعمال غيره من الفنانين و الأصدقاء ..فنان و عالم بأسره بل علبة تلوين.في لوحاته الجنوب و جربة و المعمار و البحر و المشاهد و غير ذلك من الأحوال الفنية في هالة من السكينة..حالات تشهد على عظمة السؤال الفني عند عويدة و تجربته الجادة في التعاطي الفني و الجمالي مع ذاته و الآخرين و العالم.

في المحرس قدم مشهدية الخيل و الحرف في عنفوان من ذاكرة الأزرق باتجاه الآفاق..لوحة كبيرة بعمقها و بساطتها و توهجها كل ذلك على سبيل المحبة و الوفاء تجاه المحرس مدينة الفنانين...قبل ذلك قدم أعماله في معرض بسيدي أبي سعيد في تنوع جمالي عرف به في أعماله...هو عضو بالرابطة الدولية للفنانين التشكيليين ورابطة الفنانين التشكيليين التونسيين..من مؤسسي مهرجان الفنون التشكيلية بجرجيس في 2001 ..نسق لقاءات الفن المعاصر بفلوريدا الأمريكية سنة 2017، و صاحب رواق " art’riadh بجربة منذ سنة 2018. تعددت معارضه الدولية بأوروبا و أمريكا ..غادركرسيه المتحرك بمستشفى صقلية بايطاليا ليمضي مع نشاطه الفني و من ذلك معرضه تحت عنوان ” فن وحياة “ برواق سامية عاشور...نثر ألوانه و لوحاته و في قلبه شيء من الرغبة الجامحة في التحليق أكثر هنا و هناك.تعددت تقنيات فنه بين والرسم و الكولاج و الخط العربي...كون من الأشكال و الألوان حيث لا يغيب البحر و الجنوب الساحر ...بعد حادث سنة 2015 الذي أخذه الى شلل نصفي نتيجة عملية غوص في البحر تعودها. بدأ رحلة علاج عاد بعدها مفعما بالأمل الكبير

كان طفلا في ليالي المحرس و حالما بألق المكان في فسحة من السلام و الجمال و الأمان لترميم ما تداعى من كيان الأوطان ...كان ذلك في لوحة الحصان التائق للحرية في رمزية عالية ..فنان هاجسه الأمان و البيئة السليمة ..يعمل على ذلك من سنوات مبرزا و مشيرا الى دور الفن التحسيسي و التوعوي .تنوعت مشاركاته في تظاهرة " البحر يحتفل " ... عانق المتوسط غوصا ..و سافر بالحرف العربي في فضاءات تونس و سويسرا و فرنسا وايطاليا وبلجيكيا والولايات المتحدة الأمريكية ..

من البحر تأتي الجبال..و من البحر كانت ألوان و هواجس و شؤون و شجون الفنان العميق الطاهر عويدة.
هي رحلة الفن المفتوحة على الحلم و الأكوان بأحوال الأزرق..هذا البحر الناشر أمواجه القوية قوة الحصان المنطلق ..تجربة و حياة و مسيرة محترمة مع البحر و الاسفنج و التلوين و الاصرار..الفن حياة أخرى برغبة و اصرار و جموح.و موسيقى هادئة..وحده الفنان يتقن الانصات اليها و التوقف عند ألوان الأحوال و الأمكنة.

حول الموقع

سام برس