سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني

*الصورة مجال قول لا محدود..الصورة هي حياتي الأخرى و سفري تجاه الآخر و العالم . * الصورة تتطلب أن نعاملها باحساس و ليس بالنظر فحسب ...هي تاليف بالرؤية و التقنية و الابتكار.
*واكبت جلسات " مدرسة تونس " و شاركت في معارض دولية بمدن أوروبية و نلت جوائز هامة.
*بعد هذه المسيرة أحلم بتأسيس اقامة للمبدعين في دار الوالد بقصور الساف .. فالمنطقة جميلة.
*خلال أحداث ثورة 1968 فتنت بالصورة التي حولتها بعد ذلك الى عمل تشكيلي.
شمس الدين العوني

أنت أيتها الكلمات الضاجة بالصور و بالمعاني..كيف للكائن أن ينحت هبوبه بغير حالاتك العاتية..ثمة هيام و بهاء و نشيد ...و طفولات أولى تبتكر حكاياتها في شغف ...و الشغف هنا هو من صميم العين و هي تلهو غي واحة النظر و بستان المشهدية .

صاحبنا و في هكذا سيرة منذ طفولة أولى سافر في عوالم النظر و مشتقاته بحيز من العشق الدفين...عشق الصورة بما هي كونه و سلواه و حلمه و أغنياته العالية ..الصورة لديه مجال بهاء و احساس و حوار...و ثقافة شاسعة بالتجربة و الأسئلة ...كان له ذلك في سيرة تجاوز عمرها خمسة عقود ..انطلق بالحلم و الشغف في سنوات قلت فيها الامكانيات و صعبت سبلها و لكنه مضى في هذه الدروب الوعرة ناظرا باتجاه النجمة...و صار بعد وصوله الباذخ نجما مؤتلقا..

محمد العايب بعد هذه العقود من المعترك الفني الفوتوغرافي الذي كان على ايقاع تحولات تونسية و دولية منها بالخصوص أحداث سنة 1968 التي شهدتها باريس ...يعمل كعادته في صمته البليغ و بعزلته الخاصة يقتنص ما خفي عن العادي و المألوف و اليومي من الأحوال في اتجاه تشكيلي حيث الصورة فسحة فوتوغرافية في الفضاء التشكيلي شأنها جمالي وجداني انساني...و حضاري عميق.

هو فنان تشكيلي تونسي يدير من سنوات رواق عين بصلامبو جعل منهملاذا فنيا للمفتونين بالفوتوغرافيا و ممكناتها الفنية التشكيلية في ضرب من الانتصار لمسارات الفن الفوتوغرافي كحالة تشكيلية تقنية و ابداعا و حفرا عميقا في أرض الفنون. شارك في معارض وطنية و دولية و حاز وسام الاستحقاق الثقافي و الجائزة الوطنية للآداب و الفنون و هو عضو مؤسس لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين و اتحاد الفنانين الفوتوغرافيين التونسيين كما شارك في معرض الصورة المتوسطية بأثينا و في معارض بروما و مرسيليا في مائوية الفنان العالمي سيزان ضمن ورشات و معارض و في أنشطة و معارض باشراف اليونسكو و في بيانال الاسكندرية بمصر و في بلجيكا من خلال معرض و ورشة ...و غيرها من المشاركات و هو من المشاركين باستمرار في معارض اتحاد الفنانين التشكيليين السنوية بقصر خير الدين و بفضاءات أخرى.

هو فنان بطعم الرغبات في دنيا الفنون و بلون الحلم ...يحلم بحي فني لفناني الصورة في دار الوالد بسلقطة مسقط رأسه و مشهدية طفولته الأولى...
في هذا البورتريه فتحنا العايب على سردية الفن و التجربة و الحياة...هي سرديته التي خطها باصرار و عناد و شجاعة...و ما يزال .
يقول مثلا "... من ربوع المهدية بسلقطة و قد امتلأت بظلالها و أجوائها و بحكم عمل الوالد كنت انطلاقتنا الى العاصمة و تحديدا جهة الكرم ...و منذ الطفولة بدأت العلاقة بالرسم في محاولات ثم جاءت الفكرة في الشباب عند سنوات 1968 مع حضور الصورة في العالم خاصة خلال أحداث ثورة 1968 فقد كانت للصورة مكانة لدي و رغبت في تعلم فنون الفوتوغرافيا حيث لم تكن لدينا مؤسسات لتعلم هذا الفن .
انطلقت بصفة شخصية عبر مخبر " فوتوماتن " حيث الأخوة " كوسكاس " وهم من اليهود التونسيين و قد بعثوا دار فوتوماتن بتونس و فهموا غاية مشروعي في الفن التشكيلي ففرحوا بي و ظللت معهم حوالي عامين و كانت هناك مجموعة طيبة بين يهود و ايطالين و بعض التونسين (و هم 5 أفراد ) و قد تمكنت آنذاك من أبجديات التصوير الفوتوغرافي و تقنياته ...بعد ذلك تعاملت مع الفوتوغرافيا كمحترف ومع معهد الأثار و الفنون بدار حسين و كان هناك تربص عمل لثلاث سنوات في مادة الاثار و كانت العلاقة بين الرسم و الصورة في مخاض و صراع و ضمن تحرك ميدان الفنون التشكيلية و خاصة في تلك السنوات دخلت الفنون التشكيلية عبر الفوتوغرافيا و كان هناك فنان مع جماعة الدادائية وهو" مالري " الذي أدخل في الستينات عملية النحت في تجربته الفوتوغرافية ..و مارسال دوشون و حكاية البصرية و الاجتهاد مهما كان الشكل و المادة . و " مالري " انذاك أدخل أشياء أخرى على المادة من جملة اكتشافاته حركة سماها وsolarisation " التشميس يعني ما يرى الضوء وفق بحث وجمالية وهذا ماشدني و أعطاني دفعا و بدأت من هناك العملية الفنية عندي بعد أن تعلمت الجانب التقني في المخبر...و في ذلك اضاف بخصوص القرب من المادة الفوتوغرافية لتشكيل عملية التشميس و هي حادثة وقعت له في المخبر اثناء عملية تحميض الصورة حيث وقع خلال عمليتي " ريفيلاسيون و فيكساسيون " في الغرفة المظلمة فتح الباب لسبب و دخل بصيص ضوء فمسح الصورة و عندما رجع تفطن للخطأ و لكنه و بصفة الجانب الابداعي لديه لم يلق بالصورة في المهملات بل ان ذلك كان عنده بمثابة الحظ الجميل و هو أن بصيص الضوء و ما أحدثه على الصورة مثل اضافة و حركة بالضوء و ضبطت المشهد في الصورة عن غير قصد و كانت الصورة جمالا اخر و شكلت بحثا في الضوء و كيميائيته في الصورة .تلك العملية صارت مدروسة و متحكم فيها و كانت تجربة تشكيلية أفضت الى الواقعية في الصورة من خلال اضفاء جانب تشكيلي عليها .و أدخل أيضا في الصورة (ظهر المراة عليه صورة فتحة الكمنجة ) شكلا آخر وصارت هنا سوريالية عبر هذا الكولاج في الصورة ...ومالري هذا شدني و أخذني أبعد من ذلك و حلمت أنني أستطيع أن ابدع في المخبر .
هذه البدايات و أشجانها في وقت لم تكن لدينا كتب و مجلات مختصة غير مجلة " فوتو " و " الأستوديو ".
في حراك 1968 كانت مدرسة تونس و قد واكبتها و تأثرت بها و كنت واقعيا عبر المشاهد من خلال الحياة اليومية و التراث و غيرها.و عن طريق المطالعة و الأخبار و المجلات و الكتب و المواكبات في المراكز الثقافية الألمانية و الأمريكية اكتشفت الفنان"ايدي وارول" الفوتوغرافي التشكيلي و الرسام الأمريكي و قد أبدع عن طريق الصورة في السيريغرافيا ( وهي طبع الصور على القمصان) في تلك الفترة و انتشار" الهيبي " و " السروال الشارلي" و الانفتاح على العالم و" ايدي وارول " هذا أدخل تعاملا جديدا بأسلوبه انطلاقا من مادة الفوتوغرافيا الى مرحلة ابداعية بتفاعل شدني حيث كانت علاقته بالحياة اليومية و الناس و تأثرت به و تكونت تجربتي في غياب مؤسسات وهي اكتشافات شخصية في التكوين...الجانب التشكيلي هذا كان بشكل خاص اضافة الى تجربتي بمعهد الاثار حيث شاركت في ترميمات ترسم الجانب التزويقي التشكيلي ووثقت ذلك بمعالم كجامع الزيتونة و محراب جامع عقبة و عملت مع أصحاب تجارب و مختصين في هذه المجالات وهي من بين الأشياء الهامة ضمن تجربتي في معهد التراث و هذا ما شدني في الاثار و التراث و الجانب التاريخي .و خرجت للاكتشاف و الاطلاع و ذلك الى كل من سويسرا و فرنسا و بلجيكا و خاصة في متاحف باريس و تعرفت على تاريخ الفن عن قرب و خاصة في اللوفر و كنت في نفس الوقت انمي تجربتي في فن الصورة ...عدت سنة 1975 و انطلقت في مرحلتي التونسية عبر الروبورتاجات التوثيقية في عالم الحياة الثقافية و الفنية و حرصت على هذا الجانب التوثيقي و خاصة للفنانين مثل زبير التركي و قد عشت معهم و اشتغلت عليهم في روبورتاجات الحياة الثقافية و ذلك ضمن عملي كفوتوغرافي و عايشت الحياة المسرحية و المهرجانات و تعاملت معها كمستقل و نشرت في الصحف في الجانب الثقافي و خاصة مع لابراس في فترة كنت عن قرب مع صديقي بديع بالناصر ثم انفتحت على تجارب اخرى مثل محمد مومن و محمد محفوظ و صلاح الدين معاوية و انضممت الى جلسات و لقاءات عناصر مدرسة تونس و كنت صديقهم وغطيت بالصورة لقاءاتهم و معارضهم و كذلك مجموعة70 و منهم قمش و التونسي و بن عمر و السعيدي و عبد المجيد البكري و بعدهم مجموعة الزنايدي و لمين ساسي و بن مسعود و العزابي وصولا الى الثمانينات و كان هناك حضور في صفحات الجرائد لنقاشات هذه المجموعات التشكيلية و لم تكن هناك اروقة غير رواق يحيى و صالون الفنون لمدام نحوم و هي يهودية تونسية اسمها جوليات نحوم و قاعة الاخبار و داري الثقافة ابن خلدون و ابن رشيق ثم جاء رواق التصوير و كان في نهج سان جون قرب كلار فونتان لصاحبه عبد الرزاق الفهري و كان من رواده جيل الثمانينات مثل لمين ساسي و حبيب بيدة و بوعبانة ثم بعد ذلك جاء رواق شيم للفخفاخ و الهاني و رواده محمود السهيلي و رفيق الكامل و رضا بن عبد الله و الطاهر ميميتة وقد بعثوه كمشروع انفتح على جيل الشباب .

هذه الفترة واكبتها ووثقتها و خاصة تجربة شيم مع رشيد الفخفاخ و نور الدين الهاني و مجموعة مثل لمين ساسي و سامي بن عامر و بن مفتاح و بيدة و خاصة الدكاترة.

وفي هذا الخضم من الحراك التشكيلي كان لدي اهتمام بالفنان و العمل الفني من لوحة و نحت و غيرهما و كانت تغطيتي كذلك صدرت ببعض الكتب ككتاب عن منصف بن عمر و نشر الكتاب عن دار تبر الزمان لعبد الرحمان أيوب و كانت المادة ثرية سعدت فيها بالبحث و الدراسة عن طريق شغلي و عملي و هذا ضمن التكوين جيث درستهم و بحثت في أعمالهم...بعد ذلك جاءت مرحلة الابداع و دخولي كفنان تشكيلي و صرت أحد فناني الساحة و بعد سنة 1978 قدمت أول معرض شخصي في مسرح قرطاج خلال مهرجان قرطاج الدولي و كان حول التعبير الجسماني بالحركة انطلاقا من الصورة الركحية ومن خلال تغطيتي للمهرجان صار الركح بالنسبة لي ورشة و استوديو ونقلت ذلك آلة التصوير و تعاملت معها و استمددت منها صورا في قراءات اخرى بجانب فني تشكيلي منفرد و بعيدا عن الصورة التوثيقية العادية و هناك كانت ذكريات الفن مع مالري استعدت ذلك في عملي الفني مع الصورة و أعني كيمياء الصورة و كيف أتصرف فيها وهي مرتبطة بالدرجة الحرارية و القيمة الضوئية و التركيبة من الجانب التشكيلي و التعامل الابداعي التشكيلي ككل .

وقدمت صورا ابداعية و صرت أبحث عن انطلاقة تشكيلية و بذلك أضفت مادة تشكيلية عن طريق الصورة بالتخلص من الطريقة الكلاسيكية التي عمل بها اخرون .هذا الجانب تجاوزته بما فيه من مضامين مثل ( امراة بالسفساري و الباب و الخوخة... ) و ما يوجد عامة في البطاقات البريدية " الكارت بوستال" .أول جائزة تحصلت عليها في المركز الثقافي الأمريكي و أذكر هنا الفوتوغرافي السيد غراهام و كانت الجائزة الثانية.

حضرت معارض و كانت هناك مجموعة تنجز معرضا على الأقل مرة في السنة خلال التسعينات في اطار التعاون الثقافي الدولي بالتعاون مع سفارات السويد و ألمانيا و النمسا ضمن الانفتاح على الآخر و منها رضا الزيلي الذي كان أصغرهم و انطلاقا من هذا التمشي و البحث التشكيلي سلكت طريقي الى الكتابة بالضوء و صار انطلاقا من صورة عادية هناك ابداع بالعين و يهمني الجانب الخطي الذي رأيته لدى مالري أكثر من الجانب التوثيقي و حرصت على تجاوز الصورة الى ماهو تشكيلي ..

ومن المعارض التي أذكرها معرض قرطاج بعنوان" الصمت يقول "وقد محوت التدرجات التلويتية بين الأبيض و الأسود و هذا كشعور تعبيري لموقفين و حالتين و ليس منزلة بين المنزلتين يعني" يا أبيض يا أسود " و عبرت بهذا الأسلوب من خلال تمش تشكيلي و عرضت مع علي بلاغة و محمود السهيلي و عبد العزيز القرجي و لم يكن هناك فارق بين عملهم التشكيلي و الصورة التي أقدمها و التي صارت فيها تعبيرية واضحة وفق حركة متقدمة في الوعي الفني و أهمية الجانب الاستيطيقي في تكامل المعرض عبر الأعمال المختلفة و هذا كان مهما في تجربتي و كانت هناك اضافة و بوعي ثم التجأت للقماشة و أصبح عملي على" التوال " فوتوغرافيا للتناسق مع أعمال الفنانين في المعارض و أدخلت القماشة في لعبتي الفنية و تعاملت معها كأي لوحة أخرى تشكيلية و صرت أرسم بالصورة وفق بحث تشكيلي في مخبري .و أمام قلة الامكانيات فرضت طريقي و أسلوبي فالاحتياج للشئ يجعلك تفعل و تنجز و تصل و تنجح فكانت التشجيعات الداعمة لتجربتي من قبل الفنان الهادي التركي وهو من أساتذتي الأوائل مع علي بلاغة و غيرهما و قد أحبوا هذا النهج و الأسلوب في فني .مع التغبير الجسماني انطلقت الى الحياة اليومية و طوعت الجانب الصحفي الى ماهو ثقافي تشكيلي متجاوزا الجانب الخبري و الصحفي في الصورة فالصورة ابداع آخر عملت عليه فنيا .و مع الألوان بقي هناك الجانب الخصوصي للتضاد اللوني و قد شدني الجانب السوسيوثقافي في الصورة بما هي فن و بحث ناظم للعملية الابداعية في تجربتي ...".

و يضيف الفنان الكبير محمد العايب بخصوص الصورة و نظرته تجاهها " ...الصورة مهيمنة ونحن مرتبطون بها و هي تغني عن الأخبار المسموعة و المكتوبة و هي تعبيرة تبرز الحقيقة المفتش عنها وهي أيضا مجال قول لا محدود..الصورة هي حياتي الأخرى و سفري في داخلي و تجاه الآخر و العالم . في الصورة لدي تخميرة و كنت أعمل منزويا و لا أقلق غيري ... الصورة هي حميمية و عنوان علاقة ود و أنا اعيش مع الصورة في أي مكان من الصحراء الى البحر الى البر و عندي احساس عميق ..فالصورة تتطلب أن نعاملها باحساس و ليس بالنظر فحسب ...عملية الاحساس بالشئ مهمة في الصورة فأنا أحس بالوجوه التي اصورها وفق حوار مخصوص ... الصورة تاليف من خلال الرؤية و التقنية و الابتكار لتكوين المشهد ..." .

مسيرة و تحولات و شغل وفق دأب يقول عنه سي محمد الفنان الخجول الصموت المتواضع تواضع الفنانين الكبار "... بعد هذه المسيرة أحلم بتأسيس اقامة للمبدعين في دار الوالد بقصور الساف فالمنطقة جميلة و تستجيب لاكتشافات المبدعين الذين يجدون فيها مادة خام متروكة فسلقطة مكان مهم ومحيط للحركة في الحياة الاجتماعية والثقافية و التاريخية .

لقد نلت عديد الجوائز الدولية و بدول أوروبية و عواصم كاليونان و مرسيليا و روما و كانت لي مشاركات في لقاءات في بلجيكا وكان لي معرض بقاعة يحيىا سنة 1984 بعنوان " تونس بين الأمس و اليوم " و معرض بدار الثقافة ابن رشيق في عمل لبريشت من اخراج المرحوم حسن النكاع وهو بمثابة التكريم .....".

هذا هو العازف النازف صورا في هذه التجربة الثرية التي اختزلها في فكرة الجمال المبثوث في بقاع الصورة ليكون اللقاء و البحث و الحوار و التواصل في الفضاء الجميل الأنيق الباذخ الذي اسمه رواق عين...فعلا عي العين تخط كلماتها صورا تشكيلية في بستان جمالي اسمه حدائق صلامبو..العين حمالة فن و جمال و فق علاقة مخصوصة بالزمان..الصرة حكايات أزمنة..هذا ما خبره الطفل الكبير الطاعن في الصورة و ممكناتها الجمالية..الأستاذ محمد العايب.


حول الموقع

سام برس