بقلم/ احمد الشاوش
أشرنا في المقال السابق الى الكثير من نجوم الصحافة والاعلام ، وعمالقة الحرف والكلمة والفنون الصحفية الذي كان لهم أثر طيب في توجيه الرسالة الاعلامية وفي طليعتهم عميد الصحافة اليمنية الاستاذ محمد ردمان الزرقة ، إلا ان المسؤولية الاخلاقية ومبادئ الامانة والانصاف والعدالة والتوثيق التاريخي تقتضي أن نُشير الى عملاق الصحافة اليمنية وفارس الكلمة والقلب الطيب الاستاذ على ناجي الرعوي ، الذي قاد ثورة في العمل الصحافي والفني والطباعي واحدث نقلة نوعية في صحيفة الثورة واصداراتها وملاحقها، وإدخال أحدث مطبعة في تاريخ اليمن الحديث وعشرات الكمبيوترات وآلات التصوير والناسخات الضوئية والملاحق وكتاب في جريدة واستقطب الكثير من الكتاب واعاد الروح للمؤسسة وضاعف من نشاطها ومطبوعاتها واعلاناتها وايراداتها وتحسين دخل الموظفين بشكل فاق كل التوقعات.

لذلك نتحدث في هذه المقالة عن فارسين وشخصيتين عظيمتين من باب الوفاء والانصاف الاولى تجسدت في شخصية الزرقة الذي وضع مداميك واسس وبناء وملامح واهدف حاضر ومستقبل مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر.

والثانية تتجلى في شخصية الاستاذ علي ناجي الرعوي الذي قاد مسيرة المؤسسة بنجاح من خلال التحديث والتجديد والتطوير والابداع بصورة مهنية وفنية ما دفع بعض اعداء النجاح الى الانفعال والتسليم بالأمر الواقع ، في حين كانت بصمات الرعوي خير شاهد على التألق ومعيار النجاح ومحل تقدير الجميع.

الزرقة :

لقد أثبت الزرقة جدارته خلال مسيرة الحياة ومهنية عالية وحس وطني كبيرفي ادارة وصناعة محتوى الرسالة الاعلامية وفنون العمل الصحفي بمعية الكوادر المؤهلة وكان للحرف والكلمة والعنوان والهدف السامي صدى لدى القارئ والباحث،،، وتميز بالشخصية القوية والثقافة والذكاء والفراسة والتفاني في العمل والتواضع واللطف والانسانية.

ومن المواقف الطريفة التي لاتزال عالقة في الذاكرة انه في أحد الايام رأى الزرقة علي الجمالي أحد حراس المؤسسة يرمي عقب سجارة الى الارض ، وقال له صباح الخير ياعلي ومسك بيده ولف به حول المؤسسة حتى وصل الى مكان عقب السجارة واخذها الزرقة من الارض ورفعها بيدية وقرأ نوعية السجارة وقال متهكماً ومازحاً ومؤدباً و" رثمان" ياعلي ، ووضعها في سلة المهملات فما كان من على الجمالي إلا ان قال يكفي يا استاذ عندالله وعندك وصلت الرسالة.

ومن المواقف الطريفة وبساطة وتواضع الزرقة انه كان يأخذ الربل " مطاط" وعقب سيجارة او رقة ويقذف بها في ستارة أحد الفراشات الطاعنة في السن لينتظر رد فعلها ثم يضحك ويطلب منها الصفح في محاولة للدردشة معها بكل تواضع واسعادها.

ومن مصادفات القدر ان الزرقة دخل من باب المؤسسة والحارس الجمالي ، يقول لمسؤول الفراشات بالمؤسسة يـ "استاذ" عبدالله المحويتي ولم ينتبه الجمالي ان الزرقة واقف بالقرب منه والمحويتي يغمز له منبهاً ، وما ان حس وألتفت الجمالي الى الزرقة حتى شعر بالحرج الكبير ونادى يا استاذ محمد ، فرد عليه الزرقة مباشرة بحجر الله ياعلي الجمالي لاناديتني من اليوم يا استاذ .. أدعي لي يا محمد .. يازرقة وكررها مرتين ، فرد عليه الجمالي يا استاذ والله زلت لسان المعذرة ، فرد عليه الزرقة ياعلي علينا ان نتبادل الاحترام ونحفظ المقامات ولانحول كل الاشياء الى مزاح وسخرية.

وعندما كنت مسؤولا للوحدة الادارية بالتوزيع والاعلانات رفعت ببعض المتغيبين وكان من ضمنهم أحد اقرباءه فقال لي امام فوزي القحم ومحمد حسين الشامي يا احمد الناس في شرق اسيا في أزمة وانت بتخصم على الموظفين ، فرديت عليه بحدة هيا مش انت علمتنا النظام والقانون .. فقال يافوزي علمه المرونة ، وبالتالي اليوم الثاني كأن شيئاً لم يكن وبادرني بصباح الخير كيف انت وكيف أخوك وقال لي انت على حق لكنك احرجتني أمام الاخرين خليك نبيه ومن يومها زاد احترامي له لأنه لم يحقد أو يتخذ أي قرار طائش بل كان سنداً للقانون وأكبر مما أتصور.

لقد نقش الزرقة والرعوي أسميهما في سماء الاعلام اليمني والاقليمي والدولي بحرفية عالية ومهنية كبيرة وطموح بلاحدود ، وكان الرعوي أكثر رؤساء التحرير تواضعاً وبساطة واتزاناً وابداعاً ومهنية وصبراً وتحملاً وتعاملاً مع الجميع ، وقدم الرعوي خلاصة عمرة في مرحلة حساسة وتاه الرعوي في دهاليز صاحبة الجلالة بكل اخلاص وحب وتفاني على حساب اسرته وأولاده وصحته ، وكان بمثابة عقرب الساعة الذي لا يتوقف عن العمل والحركة صباحاً لإنجاز الاعمال الادارية ومواصلة العمل الى ان يتم التأكد من طباعة صحيفة الثورة وأخذ نسخة عند الفجر أو قبله والاشراف على توزيعها ومغادرة المؤسسة بكل برود ودون ضجيج أو تذمر من حالة الارهاق وتجاوزات البعض.

اختلفت مع الاستاذ علي ناجي الرعوي أثناء ماكنت مديراً للوحدة المالية والادارية بصحيفة الثورة بسبب معاملة روتينية نتيجة لسؤ الفهم في أحد الايام وطلبني في اجتماع خاص ضم الشؤون القانونية فؤاد القبيلي والشؤون المالية المخلافي ،، وقال لي بالحرف الواحد .. يا احمد الشاوش كيف تكتب مقال عن الفساد في صحيفة الثورة وانت فاسد ، فتمالكت نفسي وقلت له أي فساد .. فقال تستلم مكافئة 12 ألف ريال بدل مناوبة خلافاً للقانون ، فرديت عليه وبصوت مرتفع جداً ان كنت انا فاسد فأنت الذي فسدتني وان كنت تحترم القانون فأمامك الشؤون القانونية .. هذا المبلغ اعتمدته لي اللجنة رسمياً مقابل الجهد والمتابعة ليلاً .. ولكن الرعوي كعادته ظل هادئاً ورزيناً وقال لدي الان اجتماع من باب تلطيف الجو ، ولكنني اخذت على خاطري منه وفي اليوم الثاني مريت بجوار البوفية الى العمل دون أن أسلم عليه فماكان منه إلا ان بادرني بطيبته وقلبه النظيف ياشاوش يا احمد الشاوش كيف حالك تعال يارجال فحرجت وسلمت عليه واخذني على جنب وقال لي يا أبني اعرف انك نظيف ولكن بعض السيئين نقلوا لي صورة سيئة عنك المعذرة..انا بمقام والدك وكان المفروض ان لايكون رد فعلك شديد .. حافظ على توازنك فكبر الروعي في نظري من ذلك اليوم لطبعة وانسانيته وذكاءه وحكمته.

ياسين المسعودي :

واما الاستاذ ياسين المسعودي ، فكان ولايزال وسيظل من أنبل وألطف الشخصيات المؤهلة التي عايشناها في مؤسسة الثورة للصحافة ، في التواضع والبساطة والانسانية والكفاءة والموقف والقلم الحر الذي جعله جدير بالاحترام .

بجاش :

وفي نفس الوقت اثبت الاستاذ عبدالرحمن بجاش مهنية كبيرة وجدارة عندما كان مسؤولا عن تحرير صفحة "بريد القراء" التي كانت من أهم الصفحات بصحيفة الثورة وكان أكبر حضوراً وقوة ومهنية وتواضعاً عندما كان مديراً لتحرير الصحيفة ، وعندما تم تعيينه رئيساً لمجلس الادارة - رئيساً لتحرير الثورة لم يحالفه الحظ ولم تشفع له خبرته في تحقيق النجاح المنشود واحداث ثورة ثالثة في تطوير المؤسسة رغم ثقافته العالية ومعرفته بكبار الاعلاميين والادباء والشعراء وعلاقاته المتميزة بالسياسيين ورجال الاعمال وقيادات الامن ، لا ادري هل ذلك الاخفاق يرجع الى فترة الربيع العربي الحساسة والصراع على السلطة التي تحول فيها الى كبش فداء، اما لاسباب لايدركها المتابع ،لكن الذي لم أفهمه حتى اللحظة ، هو الخلاف بين بجاش وياسين المسعودي والرعوي وغياب رياح السلام ، ولا أدري لماذا كان يطلق الاستاذ "الزرقة" على الاستاذ عبدالرحمن بجاش إسم "جورج حبش " هل من باب المداعبة السياسية أم تخوفاً من عواصف المستقبل ، بينما قال بجاش في فعالية بمرور ذكرى وفاة الزرقة بقصر الثقافة بصنعاء.. كان المرحوم الزرقة يقول لي أين مالقيني عَد أخوك في الاشتراكي ، وكان الزرقة يعمل لي مسامير مذحلة!!؟.

لازلت أتذكر أيضاً الموقف الذي حصل لي مع الاستاذ عبدالرحمن بجاش ، عندما كتبت تقريراً صحفياً عن الانتخابات الرئاسية الامريكية في عهد اوباما ونال اعجاب الاستاذ ابراهيم المعلمي ومحمد عبدالماجد وآخرين وتم اجازة المادة وتم وضع اسمي بالترويسة بالصفحة الاولى الشاوش يكتب عن الانتخابات الامريكية ، فبلغني تلفونياً ان بجاش وجه بإزالة اسمي وان هيئة التحرير تجاملني رغم ان مادتي في قمة المهنية ولم تغطي الادارة الدولية حدث الساعة ، ثم نشر التقرير بصحيفة الثورة وقد دفعني ذلك الموقف الصادم الى الاجتهاد والاطلاع والتأهيل لاثبت ذاتي وما أن صارحت بجاش بذلك الاسلوب حتى صرخ بصوت شديد وقال لا تصدق للكذابين واهداني اليوم الثاني كتاباً في الصحافة عبر مدير مكتبه رشاد الزريقي بقوله الأستاذ يسلم عليك ، وهذه اللفتة غيرت من مجرى حياتي.

مازلنا نتذكر الاشجار المثمرة التي زرعها الزرقة من العنب والفرسك والبلس العربي التي كان يجود بها حوش المؤسسة وتوزيعها على كل ادارة وقسم و موظف ، ولازلنا نتذكر اكرامية رمضان وراتب في عيد ثورة 26 سبتمبر وراتب في عيد الفطر وراتب في عيد الاضحى وتكريم الصحفيين والفنيين والموظفين والعمال.

لازلنا نتذكر قيم المحبة والاخوة والوفاء والتعاون والايثار وليالي مناوبة العيد واصدار الأعداد والملاحق والتهاني وكيف كانت تقرع طبول المناسبات في ادارة الاعلانات وعظمة تصاميم وخطوط القسم الفني وتحول الصحيفة الى خلية نحل وتقديم وجبات العشاء من كبدة ودقة وفاصوليا للمناوبين في صحيفة الثورة.

أخيراً .. بالامس كان لليمن فرسان وعقل مبدع وتاريخ عريق وحضارة راقية وسمعة طيبة وثقافة وادب وشعر وفنونٌ جذابة وصحافة وتنوع سياسي فريد انصهرت في بوتقة البيت اليمني الآمن رغم الاختلاف ، مشكلة لوحة وطنية بديعة في جميع مجالات الحياة التي لم ندركها إلا بعد خراب مالطا أو على حد المثل العربي .. جنت على نفسها براقش ، فهل تتحقق الاماني وتعود الايام الخوالي ويحل السلام والامن والاستقرار .. أملنا كبير وعذراً اساتذتي الكرام والله من وراء القصد.

حول الموقع

سام برس