بقلم/ محمد آل الشيخ
ليس بالضرورة أن (الأفكار لا تموت) كما يردد بعض المثقفين، خاصة إذا كانت هذه الأفكار أو الأيدلوجيات منبعها ظروف وقتية، اقتضتها أحداث أو تطورات أدت إلى تكونها، فهذه الأفكار عادة إذا اختبرها الناس على الواقع وفشلت فإنهم يلفظونها، وتنتقل من الجغرافيا إلى مدونات التاريخ. وكُتب المذاهب والفرق التي يكتظ بها التاريخ القريب والبعيد، ولم يعد لها وجود على وجه الأرض، دليل علمي قاطع على ما أقول؛ فأين -مثلاً- فرقة الحشاشين التي كانت في بلاد فارس، وأين فرقة القرامطة التي كانت في الأحساء في بلادنا، وغيرها كثير.

ربما أن (شرط الضرورة) لغياب هذه الأفكار الأيديولوجية هو التطبيق على أرض الواقع، فبمجرد أن تتمكن هذه الأيديولوجيا من أن تتكون كواقع على وجه الأرض، ويكتشفها الناس، ثم تفشل فينبذونها، فإنها عملياً (تموت)، حتى وإن قال أنصارها والمنضوين تحت لوائها أنها ستعود من جديد.

حركة جماعة الإخوان، وما تفرع عنها من حركات الإسلام السياسي المعاصر بما فيها الحركات الشيعية المتأسلمة حكمت في مصر، وحكمت في إيران، وحكمت في السودان، ويمكن القول وبعلمية أن فلسفتها ومنطلقاتها حكمت أيضاً في أفغانستان من خلال طالبان، وجميعها لم تحقق للإنسان خلاصًا يجعلها مؤهلة للبقاء، فلو أخذت مصر على سبيل المثال لوجدت أن حركة جماعة الإخوان كانت بمنزلة الرحم الذي أنجب كل حركات الإسلام السياسي، فكل الحركات المتأسلمة وإن اختلف بعضها عن البعض الآخر هي من الناحية الهيكلية والأهداف تتفق مع جماعة الإخوان المصرية.

هذه الحركة الأم حكمت في عقر دارها بعد أن مهد لها الغرب بأن تحكم، لكنها فشلت فشلاً مروعاً، وكادت أن تؤدي بمصر إلى المصير المجهول لولا أن الجيش المصري تدخل، وأنقذ مصر في الوقت المناسب، وقد كانت على شفير الهاوية.

الحكومة المتأسلمة التي حكمت وما تزال، هي الحركة الشيعية المتأسلمة في إيران. والتي تسمى (فرقة ولاية الفقيه)، هذه الفرقة استمرت حتى الآن ما يزيد عن أربعين سنة، لكنها لم تستطع البقاء والاستمرار إلا بالحديد والنار، وبالمشانق التي تملأ ساحاتها، مما يعني أنها لا يمكن أن تستمر، فمصيرها الحتمي إلى الإندثار، ربما تستمر عقداً أو حتى عقدين، لكن فشلها في أسس التنمية الاقتصادية، وعدم اكتراثها بتنمية الداخل، وتلك الجموع المتظاهرة الغفيرة التي تملأ ساحاتها وشوارعها، وتتزايد مع مرور الوقت، كفيلة بإسقاطها في النهاية، أو أنها (تتخلى) عن أسسها وأهدافها، وتواكب متطلبات العصر، الذي يعتمد على رفاهية الإنسان، وتنحي متطلبات الأيديولوجية قليلاً، فليس بالضرورة أن ما يكون صالحاً للتأسيس يكون صالحاً للاستمرار، خاصة وأن شرط الضرورة التي تتكئ عليه كل الدول المتفوقة في العالم هو (الإنسان) وتلمس طرق وأساليب أمنه واستقراره ورفاهيته.

كل ما أريد أن أقوله هنا أن مقولة (الأفكار لا تموت) لا يمكن قبولها على علاتها، فالأفكار الأيديولوجية إذا فشلت على أرض الواقع فإن مصيرها الحتمي والأكيد الموت.

نقلا عن الجزيرة

حول الموقع

سام برس