بقلم/ عبدالحليم سيف

يبدو أن أحدا ما، قد أصيب بالضجر الكبير، جراء الإنتخابات الأمريكية 2020م، وعلى وجه الخصوص ، بسبب ضجيج وسائل الإعلام الأمريكية المدوي صباح مساء في سماء الولايات المتحدة، وينتقل صداه عبر الفضاء الإعلامي إلى أرجاء المعمورة ، حاملا كل ما يتصل بأخبار السابق المثير نحو البيت الأبيض، وهو المارثون الذي ينتهي قبل اربعة أيام ، وتحديدا في الثالث من نوفمبر القادم، وهو اليوم الحاسم ، الذي يقرر من هو رئيس الولايات المتحدة لأربع سنوات قادمة!!

هل يكون الجمهوري رولند ترامب المثير للجدل طوال ولايته الأولى ، الطامح بالبقاء في البيت الأبيض لولاية ثالثة وليس ثانية كما قال بعد خروجه بسرعة.من المشفى بصحة، بعد إصابته بكوفيد 19..، وهو يؤكد في خطاباته يوميا ثقته بالفوز بالرئاسة ، ولن يقبل بأي إنتخابات غير نزيهة ،أم أن." الثلاثاء العظيم" سيفاجىء الأمريكيين بفوز المرشح الديمقراطي جون بيدن، وهو الآخر يسعى ليكون الرئيس القادم، و يبدو واثقا من ذلك، متسلحا بما تبشر به استطلاعات الرأي - وهي بالطبع خادعة ولا يعتد بها - خلال التصويت المبكر، حيث أدلى نحو 84 مليون وهذا الرقم يمثل نسبة 61 في المئة من المنتخبين عام 2016 م، وفقا لما أوردته التقارير الصحفية حتى الساعة الثامنة من مساء أمس..وسط انقسام حاد على كافة المستويات ،لم يعهده الأمريكيون من قبل.!!

المعروف تاريخيا أن الأمريكيين ، كانوا يختزلون الصراع الجمهوري- الديمقراطي، باعتباره صراعا بين" البيبسي كولا" و "الكوكا كولا" ..، فالأولى جمهورية، والثانية ديمقراطية..، ومن فاته "البيبسي" ، يحصل من" الكوكا "..وفي الحالتين كانت سخونة المعركة الانتخابية الرئاسية بين مرشح "الحمار "وممثل" الفيل"، تزيد من إرتفاع عدد "المدمنين" ..فيما كانت "الكوربوريشن" هي آخر من يتذمر..وأول من يشكو، لأن" الكولا" إسم مشترك بين العائلتين ، ومثلهما "أيديولوجية الهمبرجر"، التي لطالما وحدت المجتمع الأمريكي تجاه القضايا المحلية من الإقتصاد والضرائب والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي لكبار السن..والمتقاعدين والعاطلين عن العمل إلى الأسرة والدين .


وواضح ان مخاوفا جدية، باتت هاجسا للمجتمع الأمريكي، نتيجة لبروز شروخ ضخمة في مفاصل المجتمع من الادني وحتى الأعلى ، وهي مخاوف لم تعد تمثيلة ، أو تسلية انتخابية، اعتادت عليها وسائل الإعلام الأمريكية - خاضعة لسيطرة الاحتكارات الكبرى المتحالفة مع الرأسمالية المتوحشة ، حيث تركز على المشاهد الدارمية للمنافسة الإنتخابية، والجوانب الشخصية للمرشحين ، دون مناقشة القضايا الأساسية الملحة ، التي تقلق المواطنين ، وتجعلهم يتخذون قراراتهم باختيار من يستطيع أن يقدم لهم حلولا عملية للمشكلات التي تؤرق الشعب الأمريكي، مثل معاناة المواطنين من إغلاق محلات ومصانع الأعمال، وخسارة الملايين لوظائفهم، وفقدان المتقاعدين لمعاشاتهم، و كبار السن للإعانات الحكومية بينهم البيض، الذين صوتوا لترامب عام 2016م، إلى اتساع دائرة الفقر، وانتشار المخدارت وارتفاع معدل الانتحارات ، فكانت على الدوام تشغلهم بقضايا ثانوية، وأقل أهمية، يتعلق بعضها بتحميل الصين مسؤولية فيروس كورونا، أو باغلاق الحدود مع المكسيك، أو بفرض عقوبات ظالمة وانقلابات عسكرية على دول ..لا تسير على نهج البيت !!

ماجاء في الفقرة ةلسابقة ، يفسر إلى حد كبير حماس الأمريكيين في التصويت المبكر لأول مرة ، بمعنى أن المواطنين، سأموا ما تطرحه وسائل الإعلام، التي تحاول استغلال عواطفهم الشخصية للتصويت لمرشح معين ، أو محاولة تسويق وعود المرشحين في الساعات الأخيرة الحاسمة، لتغيير قرار الولايات المتأرجة والمستقلين.

في ضوء ذلك يبدو للمراقب.. أن إنتخابات 2020م، ليس كغيرها، فلم يحدث في تاريخ الحملات الإعلامية الدعائية، أن وصلت إلى الحرب الكلامية القاسية، وتبادل اتهامات التخوين والكذب والعمالة والتزوير، كما في انتخابات اليوم التي شوهت الوجه الديمقراطي لأمريكا، وكشفت إنها انتخابات لاتعبر في واقع الأمر عن إرادة الشعب ، وإنما- كسابقتها- تجسد مصالح النخبة الحاكمة ،والشركات العملاقة المسيطرة على الاقتصاد وغيره ، بما في ذلك الإعلام وكبار الرأسماليين.
.
المتابع لما تنشره الميديا الأمريكية ، وتنقله عنها الصحافة العربية ، يستخلص بكل سهولة حجم الانقسام الراهن ، والمخاطر التي احتلت مساحة كبيرة من خطابات المرشحين دولندترامب وجون بيدن في كل الولايات سواء المحسوبة على الديمقراطيين أو الجمهوريين أو المتأرجحة، فقد أستخدم المرشحان كل الأسلحة التقليدية وغير المشروعة ..فالحملة الإعلامية تصاعدت في أسبوع الحسم، إلى مستوى أخطر ، وربما كارثي، فتوسعت وتعددت قائمة الاتهامات المتبادلة بين المعسكريين الديمقراطي والجمهوري..وبدت قبل أربع أيام من الانتخابات، مشحونة بالكراهية والدسائس والتشويه والسخرية والخيانة والتامر .. ووصلت حد إتهام الاخر في حالة فوزه بدفع أمريكا إلى الهاوية!

ففي حين يواصل ترامب، قصف خصمه بيدن بوابل من القذائف الحارقة، بأنه ضعيف الشخصية، واسواء مرشح في تأريخ الرئاسة الأمريكية..شخص لا يمتلك أي كارزمة.. ولادراية بالرغم من أنه سياسي تقليدي صعد داخل الحزب الديمقراطي، ولم يكتسب أي خبرة في مجلس الشيوخ، قبل أن يصعد بجوار الرئيس السابق بارك ابوما نائبا له.

ومن اتهامات ترامب للديمقراطيين بأنهم مجانين وشيوعيين ومغامرين ورديكاليين ..لكونهم رشحوا شخصية ضعيفة مثل جون ..الذي لو فاز بالبيت الأبيض ، فسوف يسلم أمريكا الدولة العظمى ومكتسباتها التاريخية والحضارية للصين وروسيا..ويرجع ترامب اخفاقه في بعض القضايا إلى أنه ورث من رئاسة ابوما تركة ثقيلة في كل المجالات التي تهم المجتمع الأمريكي..إقتصاد منهار ..تعليم ضعيف ..خدمات صحية رديئة..جيوش من العاطلين عن العمل...والأخطر من ذلك أن ترامب حمل الحكام الديمقراطيين في الولايات التي يديرونها مسؤولية تفاقم وفيات جائحة كوفيد 19..ولدوافع انتخابية انتهازية أيضا يقول ان المعسكر الديمقراطي يقف خلف تنامي الصراعات العرقية والعنصرية ، التي تفجرت قبل ثلاثة أشهر...واليوم ذهب ترامب أبعد من ذلك حينما خوف الامريكيين بأن ماحدث في فرنسا من هجمات" إرهابية" منذ ذبح المدرس الفرنسي وحتى أمس الخميس ، سوف يتكرر في الولايات المتحدة..وذلك في حالة عدم فوزه ! في إشارة مبطنة إلى أن حزب بيدن له صلة ما بمنظمات متطرفة تضم مواطنين من السود ومسلمين !!.

وعلى الجانب الآخر، يرد المعسكر الديمقراطي على لسان جون بيدن، بقذائف حمراء، منها أن التهديد الداخلي لأمريكا مازال موجودا في البيت الأبيض، وترامب بإعلانه المسبق رفضه لنتائج الإنتخابات المعبرة عن كراهية الناس لسياساته الرعناء.. ينسف جسر الديمقراطية، ويقود حملة كارثية ليس ضد الديمقراطيين، بل ضد الولايات المتحدة ..وإن إعادة انتخابه لولاية ثانية ، سينقل المجتمع الامريكي إلى منعطف مرعب، ستتفاقم معيشة الشعب وسيزداد المجتع انقساما ..وقال بيدن ان ترامب الذي فشل في تطبيق "شعاره أمريكا عظيمة" فشل..فلا إقتصاد متطور تحقق، ولا رفاهية للشعب أنجزت.. فمنجزاته وفاة 170الف امريكي بكورونا ..وأزمة اقتصادية حادة.. وموجة تظاهرات احتجاجا على العنصرية وعنف الشرطة ضد مواطنيين من أصحاب البشرة السوداء ..وجعل الصين تهيمن على الإقتصاد العالمي..وسمح لرئيس كوريا الشمالية أن يطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات تهدد الأمن القومي الأمريكي.!!

وعلى صلة بما سبق ، تقف الصحافة الأمريكية ، إلى جانب الديمقراطيين، فتصف ترامب بالبهلوان، الذي يعمل كتاجر عقارات، وهو.مزيف ومقرف ومقزز وكذاب..!!.وهموم الطبقات الفقيرة ليست من أولوياته..في حين ان بيدن يهتم بقضايا شعبه مثل المناخ وحياة المهمشين وتوفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة ...وعلى ذات المنوال تقدم كبريات الصحف الأمريكية الأكثر تاثيرا جون بيدن، كرجل مسؤول يمثل الاعتدال والعقل والحفاظ على بقاء أمريكا قوة عالمية فاعلة في محيطها الخارجي ..على خلاف ترامب، فقد سمم علاقات أمريكا مع الاتحاد الاوروبي والناتو ودول الشرق الاوسط.

وفي خضم هذا المناخ المكفهر، خرج بالأمس بعض كبار الساسة في واشنطن، لتوجيه دعوة لعقلاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري لحوار سريع، لنزع فتيل الانقسام المدمر قبل انتخابات الثلاثاء القادم ، والخروج برؤية موحدة ، لانقاذ البلاد من الخطر الداخلي وليس الخارجي.

في المجمل ان ترامب وبيدن.. كلاهما مرا للناخب الأمريكي ويحملان صواعق انفجار داخلي يعصف بدولة كبرى، أصبحت انتخاباتها شانا دوليا، لارتباطها بالحروب والنزاعات في ارجاء المعمورة.
عبدالحليم سيف

حول الموقع

سام برس