سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني

اللاحق يعتراف بفضل السابق للحفاظ على المنجز حتى تعرف الأجيال الجديدة رموزها و أعلامها ..
المسؤولية تجاه الماضي والحاضر والمستقبل..وانتصار الثقافة والابداع الجادين على الذاكرة المثقوبة
ندوات و كتب حول نافلة ذهب وحسن نصر و منصف المزغني وعلي البلهوان وجلال الدين النقاش ومحمد الصالح المهيدي ومحمد صالح بن عمر وعروسية النالوتي..
شمس الدين العوني

للثقافة رموزها و أعلامها و الفاعلون في سياقاتها بشتى تلويناتها من الآداب الى الفنون الى الفكر و التراث و شتى مجالات الابداع و هنا اكتسبت الثقافة التونسية حيزا من متانتها بهذا الفعل المعبر عن منجزات لأصحاب الفكر و الثقافة عبر عقود من تاريخ تونس و الى الآن حيث نذكر حركة الشباب التونسي في منتصف القرن التاسع عشر و المصلح خير الدين و الثعالبي و عثمان الكعاك و غيرهم... و أثر كل ذلك في بناء الشخصية التونسية و هويتها و هذا فضلا عن دور أبي القاسم الشابي والحليوي و البشروش و منور صمادح و الشاذلي القليبي و علي بن عياد و الزمرلي و الطاهر شريعة و الجموسي و التريكي و القائمة تطول...
هذا الزخم الثقافي الضارب في الوجدان التونسي عميقا كان لا بد للأجيال الجديدة أن تطلع عليه و تدرك قيمته و هذا يتطلب نشر هذا المخزون و المنجز للتعرف على جواهر الثقافة التونسية و روح الشخصية الوطنية و خصوصا في عالم معولم و متغيرات عاصفة بالخصوصيات و الهويات قتلا لها و نزوعا نحو التنميط بما يجعل الانسان رقما في متحف مهجور...هنا يبرز دور الرموز و الرواد و منجزهم الباذخ.
في هذا الفراغ القاتم ثمة نقطة ضوء برزت مع " منتدى الفكر التنويري " التونسي باشراف الكاتب محمد المي و بدعم من المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات و التظاهرات الثقافية و الفنية بوزارة الشؤون الثقافية التي ادارها مع انطلاق هذا البرنامج الأستاذ محمد الهادي الجويني.

فعلا كان الأمر شبيها بحلم لدى النخبة التونسية و لكن بالدأب و الجدية و الحرص على ثقافتنا الوطنية و تثمين منجز رموزها و أعلامها كانت سلسلة الندوات المشفوعة بعدد من الكتب و هي توفي الشخصيات المحتفى بها ( من الأحياء و الأموات ) حقها من الدراسة و الاهتمام البحثي و تقريب منجزها من الدارسين و الشباب خاصة و هذا مهم كاضافة نوعية ضمن مشهدنا الثقافي الوطني.

و في هذا السياق انتظمت ندوات بين مدينة الثقافة و دار الثقافة المغاربية ابن خلدون شفعت بكتب حوت دراسات عن منجز و خصائص تجارب المحتفى بهم واكبها جمهور نوعي معني بهذا اللون من النشاط الثقافي و ساهم في المداخلات عدد مهم من الباحثين و النقاد و الأدباء و غيرهم و هذا النشاط النوعي كان له الأثر البين في هذه المرحلة الهامة من ثقافتنا الوطنية .
الكتب التي صدرت عن هذا المنتدى هي " نافلة ذهب ..سحر القص " و حسن نصر ..اشاؤة القص و دلالة الحكاية " و منصف المزغني ..سحرية اللغة و سقف الكلام " و " علي البلهوان ..نضال لتحرير البلاد و تنوير العقول " و " جلال الدين النقاش ..الشاعر الملهم " و " محمد الصالح المهيدي ..
الصحفي النابه " و " محمد صالح بن عمر ..الناقد الطلائعي " و " عروسية النالوتي ..المهاجرة الى اعماق الذات " و هي ضمن عنوان متخير دال و لافت و هو " أعلام الثقافة التونسية " و الحقيقة بينة و هي أن هذا المشروع وراءه الوزير السابق دعما و اختيارا يضاف ذلك الى فكرة شاغلة و مشروع و هاجس تعلقت جميعها برؤية ثقافية يحملها الباحث محمد المي من سنوات و هو المشتغل على التاريخ الثقافي الأدبي و المهتم بالتوثيق و ما الى ذلك من الذاكرة الثقافية التونسية و يقول باعتباره المنسق العام لمنتدى الفكر التنويري التونسي و في مقدمة الكتاب الأول حول الأديبة نافلة ذهب ملخصا الخط العام و فلسفة هذا البرنامج المتبع في الندوات و كتبها "..... كل هذا نقول ان الثقافة التونسية قامت على عطاء نساء و رجال بذلوا ما استطاعوا لانارة الفكر و رفع راية الثقافة التونسية. و عليه فان دور اللاحق الاعتراف بفضل السابق و الحفاظ على المنجز حتى تعرف الأجيال الجديدة رموزها و أعلامها لأن الثقافة تقوم على التراكم و التواصل....".

فعلا هذا عمل نبيل يدعم راهننا الثقافي الحضاري و على سبيل التواصل و العرفان تجاه جهود السابقين و كذلك انارة طريق الشباب و الباحثين ضمن ثقافتنا الوطنية بهذه الكتب المختلفة و الثرية ثراء مسيرات و تجارب أصحابها .

و من هذه الفعاليات للمنتدى نذكر مثلا و على أهمية كل اللقاءات الأخرى اللقاء الممتاز بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون و الذي هو الندوة الأدبية حول أعمال القاص والروائي حسن نصر حيث تابع جمهور و رواد المنتدى معرضا وثائقيا حول أعمال الأديب حسن نصر تبرز مسيرته الأدبية هذا الى جانب الجلسات العلمية التي شهدت مجموعة مداخلات نقدية لنقاد و باحثين منهم محمد صالح بن عمر أحمد حاذق العرف و الأسعد بن جسين و محمد آيت ميهوب و أحمد السالمي و محمد مومن و ريم العيساوي و عادل خضر و نزيهة الخليفي و مصطفى المدائني و سندس بكٌار .

هذه عينة من طبيعة اندوات الجادة الجامعة بين الناقد و الباحث و الجامعي و الشاعر و القاص و الروائي و الاعلامي... هكذا..و ما أروعها لحظات حين تبدو البهجة العارمة على وجه المحتفى به بل انه يقول كلاما يغني عن الكلام ..كلام العارف و المتواضع الذي يغني عن كلام الجاهل و المركب و المتكلف ..قال الكاتب الأنيق الذي لا نمل مجالسته و أعني حسن نصر الرائع " ... أنا بينكم مجرد قطرة من بحر هذه البلاد التي تزخر بالمواهب في كلّ الميادين .."..يا الله كلام الكبير العاقل و المتواضع ...نعم يحدث هذا زمن " المتطاوسين " و الكتبة و السذج..نعم حسن نصر كانت فرحته استثنائية و قد شكر سعي المنتدى و هي لعمري مناسبة للقول بأهمية تثمين التجارب الجادة و الاعلاء من شأن الرموز و الأعلام لدى الناشئة خاصة ...
نأمل الدعم لهذه التجربة الدالة في نواحيها الرمزية و التقديرية و المعرفية و الحضارية تجاه الرموز و الأعلام و كل ذلك حتى لا ننسى..في هذا الزمن الذي يدعو فيه كل شيء للنسيان..لا انها مسؤولية الثقافة تجاه الماضي و الحاضر و المستقبل..نحن نريد للثقافة و الابداع الجادين الانتصار على الذاكرة المثقوبة.

حول الموقع

سام برس