جميل مفرح
الإخفاق الذي تواجهه حكومة الوفاق في الوقت الراهن قد يكون له أسبابه ومبرراته كما يطرح البعض من المحللين والمعنيين بالأمر، وقد يكون السبب البيئة السياسية الراهنة والناتجة عن اضطرابات سياسية قوية حملتها محاولة فعل ثوري كان طافحا وطامعا في إيجاد وتحقيق فعل تغييري أهدافه أسمى مما صار ويصير إليه الأمر حالياً، وقد نطرح الكثير من المعوقات والمشكلات التي ربما تكون سببا مؤثرا وقويا في أداء هذا الجهاز أو ذاك أو ربما أداء الحكومة إجمالاً، ولكن من المعيب فعلا الاعتماد على هذه المبررات أو تلك بشكل قطعي نهائي وعدم التعامل مع هذه المعوقات أو تلك ومواجهتها ومحاولة بل ومحاولات التغلب عليها من قبل القوى السياسية التي اعتلت المشهد وتولت قيادة البلاد بغرض الخروج من دائرة التشاكل والتأزم اللذين شهدهما وما يزال يشهدهما الوطن..
* إن الإيمان بالمشكلة أمر فرضي ولكنه ليس كافيا بالمرة للتخلص من أية مشكلة وإن كانت صغيرة أو بسيطة بل يحتم الأمر المواجهة الحقيقية للمشكلة أو المشكلات ومحاولة منازلتها والتغلب عليها بشتى الحلول والفرضيات الممكنة، أو محاولة تركيع غير الممكن أو الصعب منها لكن ما يجري في واقع ما نعيشه اليوم خصوصا فيما يتعلق بالحكومة وأجهزتها وأدواتها والأدوار المناطة بها أمر يتنافى أو يتعارض مع ذلك المفترض المطروح والخيارات المناسبة لتجاوز ما تواجهه البلاد من أزمة محدقة ، كل ما استطعنا أن نفعله إزاءها تشظيتها إلى أزمات مصغرة، لا تستطيع أن تنفذ بالوطن والمواطنين مما تواجههم به الحياة من صعوبات وعثرات أوقفت -ومازالت توقف- آلية حياتهم الطبيعية أو المفترضة وليس المثالية.
* لقد تعاملت القوى السياسية المختلفة المتواجدة في المشهد السياسي الحاضر، وبالذات الفاعلة منها والتي تنطوي على رغبات ومطامح بل مطامع سياسية بحتة، بشكل منافٍ لما كان يفترض منها ومخالف لما كان متوقعاً من قبل المجتمع الدولي والرعاة ، ومخيب لما كان يطمح إليه أبناء الوطن.. لقد تعاملت مع المشهد أو الحالة السياسية الراهنة وكأنها مباراة حاسمة أو معركة نزالية يجب التركيز فيها فقط على ما يمكن أن يحققه كل طرف من مكاسب وانتصارات ومن إصابات وهزائم يلحقها بخصومه، الذين في الحقيقة لم يعودوا خصوماً كما كانوا في السالف، وإنما أصبحوا شركاء وأعوانا يجب التعاضد بهم والتعاون معهم ما أمكن لتحقيق التجاوز السليم بالوطن من هذه الحفرة الأزماتية المخيفة، وترك الخصومات أو على الأقل إيقافها بشكل مؤقت حتى تثبت هذه القوى مجتمعة أنها بالفعل حريصة على الوطن وعلى مصلحة أكثر من أي شيء سوى ذلك..
* لقد تسابقت هذه القوى بشكل مؤسف على إثبات ما سوى ذلك بتصرفاتها تلك، ما أدى إلى فشل ذريع في إدارة البلاد ما يزال يفرض شخصيته بقوة بالغة لأن تلك القوى ما تزال سائرة في ذلك الغي البالغ.. وكان من نتائج ذلك بل على رأس تبعاته ونتائجه أن أدرك الفشل كل مفاصل الدولة تقريباً وكامل تفاصيل المشهد السياسي والإداري والقيادي والتنموي معاً.. وهو ما يفرض فكرة إيقاض هذه القوى من ذلك السبات الاقتتالي المريع، الذي من الممكن أن يغدو وبالاً ونكالاً على الوطن بأكمله، وليس على مصالح سياسية ومكاسب انتصاراتية زائفة لن يحقق منها أي طرف مكسباً أو عائداً حقيقياً، قد يخدمه أو يخدم توجهه، علماً أن ضياع وانهيار الدولة ومؤسساتها هو في نفس الوقت انهيار لكل القوى السياسية القائمة، وأنه من المستحيل أن يخرج طرف من الأطراف منتصراً وآخر مهزوماً، فالمعركة الآن يفترض ألا تكون بين طرف سياسي وآخر وإنما بين كامل الأطراف من جانب وأزمة أحدقت بالبلاد والعباد من جانب آخر، ثم بعد ذلك وبعد الانفكاك من مخالب وشرور هذه الأزمة، لا شك ستكون هناك المساحات المناسبة والأجواء الموائمة لنشوء تنافس سياسي طبيعي وليس لقيام معارك سياسية تعيد الوطن إلى مربع التأزم والتحارب الشرس على حساب وطن بأكمله وشعب كامل ينتظر منهم الوفير من الخير لا الكثير من الشر!!

حول الموقع

سام برس