د.عادل الشجاع
كنت أشعر دائماً بتحفظ إزاء كلمة “اليمن الجديد” خاصة حينما تبدأ بكلمة “بناء” فعندما أسمع هذه الكلمة أشعر أن القشعريرة تضرب بدني كله ،السبب في ذلك أننا لا نعرف إلا القديم ستسمع عن صنعاء القديمة وعدن القديمة وتعز القديمة وهكذا، لكنك لن تسمع عن صنعاء الجديدة أبداً، أما مسألة “البناء ،فاليمنيون لا يعرفون إلا الخراب والدمار لذلك لن تجد بقايا آثار الحضارة اليمنية، يعود السبب في ذلك إلى ذلك الصراع المستمر والمنتصر في الحرب يدمر كل شيء، فلا يبقى ولا يذر، ومن ثم فقد البناء قيمته اللغوية والمادية، والأخطر أن من قالوا به كثيراً هم في الحقيقة من قادوا جولات تدميرية كان الناس يطرحون فكرة التغيير في 2011م.
وأنا كنت أنظر في الوجوه وفي السلوك والأفعال فكنت أدرك أن أصحاب هذه الوجوه بعيدين كل البعد عن البناء والتغيير فكنت أدرك أننا نعود إلى الخلف، لقد قلت في بداية 2011 بأن الشارع لا ينتج حواراً وقلت إن أيديولوجية الحوثي لن تتفق مع أيديولوجية الإخوان.
قلت أيضاً أن القبيلي الذي رضع ثقافة الثأر منذ نعومة أظافرة لا يمكنه أن يتخلى عن هذه الثقافة لمجرد أنه دخل الخيمة ،كنت أعرف قواعد اللعبة ،صحيح أننا تغيرنا ولكن للأسوأ ،دمرنا روابط الوحدة الوطنية ودمرنا كذلك شبه المؤسسات التي كانت حصيلة ثورة سبتمبر وأكتوبر ودمرنا كذلك المؤسسة العسكرية ،كانوا يقولون أنهم سيمضون باليمن إلى الأمام، فاتضح أنهم عادوا بها إلى الخلف، كانوا يقولون بأن هناك حراكاً شعبياً فاتضح أنهم جماعة الإصلاح ومعهم الحوثي.
لذلك لم نعد نرى أحداً في الشارع بالرغم من انعدام الخدمات الرئيسية، لقد اختفت الحركات المطلبية كما أن الإعلام اختفى سواء المحلي أو الدولي ولم يعد يركز على حياة هذا الشعب الذي أصبح يعيش حياة منزوعة الكرامة والعدالة ومليئة بالإذلال والمهانة ،شعب يعيش حالة اغتراب داخل وطنه وعد بالبناء فلم ير سوى الهدم والخراب ووعد بالأمن والاستقرار فلم ير سوى القتل والخوف واتساع قاعدة الجماعات المتحاربة هنا وهناك.
أنصار الشريعة في المحافظات الجنوبية والحوثيون في المحافظات الشمالية ولا دخل للشريعة بما يفعله هؤلاء الأنصار اليوم نسمع عن بعض قيادات حزب الإصلاح دعواتهم المتكررة للمصالحة مع حزب المؤتمر، لكن هذه المصالحة تبقى خطيرة لأنها تريد مصالحة لمواجهة طرف آخر وليست مصالحة وطنية شاملة، الوطن يريد مصالحة وطنية شاملة مصالحة تقوم على التعايش والسلم الاجتماعي وليست مصالحة تقوم على تصفية خصوم آخرين مثلما حصل في المصالحة بين حزب الإصلاح وبقية أحزاب اللقاء المشترك أو بين أحزاب اللقاء المشترك وبين الحوثيين ضد المؤتمر التي انتهت إلى حرب دامية امتدت من كتاف إلى عمران واليوم في الجوف وغداً ربما تكون في مأرب.
وإذا أراد حزب الإصلاح أو أي حزب آخر مصالحة فلتكن مصالحة وطنية شاملة، لأن توحيد القلوب يأتي قبل توحيد السياسة، ولابد من روح تسري في المكان قبل أن تسري في البنيان، الشعب اليمني يستحق الحياة الكريمة لا الموت المجاني الذي يداهمه على المستوى الفردي والمستوى الجماعي.
ولابد للحكومة أن تنفق على هذا الشعب كل ما لديها لأنه يمكن لك أن تكذب على الشعب سنة أو سنتين ،فالشعب لن يستمر في تصديقك، الشعب يريد الحكومة تقدم خدمات صحية، وتعليمية، وسكنية، وقضائية، وأمنية ،الشعب يريد تنمية اقتصادية حقيقية ،إن أهداف أية حكومة في العالم هو تحقيق السعادة لشعبها فمتى ستجعل حكومتنا السعادة هدفها؟!.
تحدث مسئولونا عن بناء اليمن الجديد والبناء لا يتحقق بشعارات.
البناء ثقافة راسخة وأنظمة متكاملة لا يمكننا أن نبني مالم نضع المواطن اليمني في قلب التنمية، نحن لسنا أقل من أي شعب في العالم، وقدرات أبنائنا ليست أقل من قدرات أبنائهم، وحبنا لبلدنا ليس أقل من حبهم لبلادهم، ومواردنا التي بأيدينا تكفينا لنحقق طموحاتنا لليمن.
لابد أن نبحث عن التغيير الحقيقي وهو تغيير قادم لا محالة، ولن يكون كالتغيير الذي قادته قوى التخلف والتطرف الديني والمذهبي عام 2011م، سيكون ربيعاً حقيقياً وليس خريفاً.
سيكون تغييراً مضرجاً بالوعي والمعرفة وليس مضرجاً بالدم.
هل تتوقع أن يتجمع الحكماء ويرفعوا شعار السلم الاجتماعي ليجنبوا اليمن ويلات الحروب والاستنزاف؟!

حول الموقع

سام برس