جمال الظاهري
متى نصنف هذا صديقاً وذاك عدواً وأين ينتهي المشروع القانوني, وأين يبدأ غير المشروع ؟ من مع الشعب ومن ضده? هل هذا الإجراء لصالحه أم لا ؟ هل هناك أفضل مما كان ؟ أم أن الموجود أفضل الممكن ؟ وأخيراً من يحق له التحدث باسم الشعب وإرادته… وبأي معايير?
هذه هي النقاط المفصلية التي يدور حولها الفعل الجماهيري في اليمن, لن نتعرض لها نقطة نقطة لكني سأحاول توضيحها في سياق واقع اعتمالها.
يخرج اليمنيون إلى الشوارع مطالبين الرئيس هادي بإقالة الحكومة التي يتهمونها بالفساد والمحسوبية والفشل, وبإلغاء رفع أسعار المشتقات النفطية التي سموها بالجرعة القاتلة.
الحشود خرجت تلبية لدعوة وجهها لهم السيد عبدالملك الحوثي قائد جماعة “أنصار الله” التي خاضت ستة حروب مع الدولة اليمنية حين كانت تعتبرهم جماعة خارجة عن القانون ومتمردين على الشرعية حتى عام 2011
كانت الحركة الحوثية (أنصار الله) أحد مكونات الثورة الرئيسية 2011 المناهضة للنظام السابق, وحققت بعض المكاسب التي كان أهمها حصولها على اعتذار رسمي وإقرار أن “الحروب الستة” ضدهم في محافظة صعدة عبثية وغير مبررة.
ذهبت غالبية المكونات الأخرى إلى التسوية السياسية ورفضها” أنصار الله” واعتبروا رفاقهم في الساحات الذين قبلوا بها ووقعوا على المبادرة الخليجية خائنين ل¯ “ثورتهم” ولتطلعات أعضائهم ورفاقهم, وظلوا متمسكين “بمسارهم الثوري”. مع هذا فإن جماعة “أنصار الله” قبلوا لاحقاً ولبوا الدعوة للمشاركة في أحد بنود التسوية وكانوا أحد أهم المكونات النشطة والفاعلة التي أثرت مؤتمر الحوار بالأفكار والرؤى لما يجب أن تكون عليها الحال في مستقبل اليمن, ودفعوا ثمن ذلك غالياً من خيرة كوادرهم السياسية والقانونية.
اليوم الأحداث تتسارع من جديد, وتنذر بما لا تحمد عقباه, فهاهم أعضاء الجماعة يتمركزون على مشارف صنعاء العاصمة بأسلحتهم وعتادهم, وينتشرون داخلها بجماهيرهم والمتعاطفين معهم, والمتضررين من الجرعة الأخيرة ومن الفساد الذي ينخر أجهزة الحكومة, مطالبين الرئيس هادي بإلغاء الجرعة وإقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط تقود البلاد وتنجز بقية استحقاقات وصولاً الى الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية, بعيداً عن التقاسم والمحاصصة والتوافق.
حشود” أنصار الله”, المدعومة بسخط وتأييد شعبيين تظهر أنها عازمة على إسقاط الجرعة والحكومة, عبر الضغط الجماهيري السلمي كخيار رئيس, لكنها تتوعد في الوقت نفسه بخيارات أخرى لم تحددها في حال تعرض المشاركين في المسيرات, أو المعتصمين في أطراف العاصمة, لأي اعتداء أو تحرش أو مضايقات من سلطات النظام أوأحد أطرافه.
الجديد في الأمر والذي ينذر بإمكانية انزلاق البلاد إلى حالة المواجهة واستخدام القوة ودخول البلاد في دوامة القتل والترويع هو انتقال الطرفين (الحكومة ورئيس الجمهورية) كطرف و”أنصار الله” ومن يرفضون الجرعة كطرف مقابل إلى الخطاب التصعيدي الذي لم يخلُ من عبارات التهديد والوعيد, والاتهامات المتبادلة بأن كلاً منهما يعد لمواجهة عسكرية وشيكة.
الحكومة والرئيس وبقية الأطراف السياسية يتهمون “أنصار الله” بأنهم يسعون إلى خنق صنعاء بقوة السلاح والتهديد, ويعملون على فرض الأمر الواقع عليها, وتتهمهم بحفر الخنادق والاستعداد للقتال, أو كما جاء في بيان اللجنة الأمنية العليا “الاستعداد لأعمال حربية عدائية” فيما, تحدث مصدر في وزارة الدفاع اليمنية ل¯ “بي بي سي” عن خطة لمعركة محتملة مع الحوثيين.
“أنصار الله” من جانبها تنفي ذلك وتتهم الحكومة, ومن معها من الأحزاب بأنها تسعى الى إخراج العمل الجماهيري عن سلميته عبر التضييق على المشاركين فيه واستفزازهم وتجاهل مطالبهم, وتأليب الرأي العام المحلي والعالمي ضدهم حين تتهمهم بأنهم أدوات تنفذ مشروعا يخدم طرفا إقليميا خارجيا ذات نزعة مذهبية سلالية تسعى الى القضاء على النظام الجمهوري والعملية الديمقراطية ولا تهتم بمستقبل وحال اليمن, ولا بهموم وتطلعات الشعب اليمني, الذي تنفي عنها تمثيله.
وما بين بيانات الاتهامات المتبادلة جاء بيان الدول العشر الراعية لاتفاق التسوية داعياً “أنصار الله” إلى الالتزام بالنظام والقانون ومخرجات الحوار والمشاركة السلمية في العملية الانتقالية, ومندداً بخطابه المهين للحكومة, وفي المسار نفسه كان رئيس الجمهورية قد أوفد لجنة تفاوض الحوثي على إشراكه في الحكومة على أن يدعو أنصاره للعودة إلى ديارهم.
لكن الحوثي رد على ذلك وعلى بيان العشر بالرفض لعرض الرئاسة واتهم الرعاة بالانحياز إلى من سرق قوت الشعب, وان الأولى بهم أن “ينحازوا إلى أصحاب المطالب المشروعة باعتبارهم الطرف المتضرر”, معتبراً محاولة الفصل بين الشعب و”أنصار الله” من خلال توجيه رسالة إلى شخصه محاولة لا تخلو من مؤامرة باعتباره مواطنا يحمل هم شعبه, وهموم أمته, داعياً أنصاره لأن يكونوا جنبا إلى جنب مع الشعب لتحقيق ما يرنو إليه من العزة والكرامة والسيادة الوطنية.
احتد الخطاب وارتفعت وتيرة الاتهامات محدثة الكثير من القلق لدى الناس, عبر اتهام الرئيس هادي في اجتماعه مع كبار مسؤولي الدولة وشركاء العمل الحكومي للحوثي بمحاولة الانقلاب على مخرجات الحوار والنظام الجمهوري وباستغلال معاناة الناس معلناً إيفاد لجنة تفاوض أخرى مع الحوثي, رفع الجاهزية القتالية لدى الجيش والأمن, وتوجيهات للحكومة إجراءات وقائية تخفيف معاناة المواطنين الناتجة عن الجرعة والإصلاحات الاقتصادية التي تعتزم الحكومة القيام بها.
كاتب يمني
Aldahry1@hotmail.com

حول الموقع

سام برس