سام برس / متابعات
يُرجع الباحث المصري إسماعيل مظهر في كتابه الذي صدرت طبعته الأولى عام 1936، بدايات الفلسفة إلى المستعمرات الأيونية في آسيا الصغرى، لهذا نجد أنَّ الفلسفة اليونانية لم تخلص في كل أدوار نشوئها وتطورها من الصبغة الشرقيّة، التي تظهر في كثير من نواحيها سواءً في الشكل أو في الموضوع.
وسواءً أَبلغ هذا الأثر من الرجحان والوزن الدرجة التي يذهب إليها بعض المؤلفين أمثال غلاديش وروث، أم كان غير ذي أثر كبير كما يقول زلر، وغيره من الذين ألَّفوا في تاريخ المذاهب، فإنّ المحقَّق عن ترنر أنَّ الفلسفة اليونانية قد اختصَّت منذ البداية بروح كانت في طبيعتها هلينية، لهذا نجد أنَّ اليونان قد نظروا في الكون عند أوَّل تأمُّلهم في الكونيات بعين لم تغشَ عليها المجازات ولا الأساطير.
أمَّا الفرق بين فلسفة الشرق، والبدايات الفلسفية الأولى في بلاد اليونان كما وضعها فلاسفة الطبيعة في «إيونيا» فعظيم، كالفرقِ بين غابات الهند القديمة التي نشأت في ظلالها صور الفلسفة الشرقية القديمة، وبين شواطئ البحر المتوسط الزاهية العليلة الهواء، على أنَّ الدين عند اليونان لم يؤثِّر في الفلسفة إلا من طريق غير مباشر.
ذلك بأنَّ العقائد الدارجة كانت من البساطة بحيث تعجز تأملاتها وتصوراتها وأخيلتها عن أن تؤثِّر في عقل الفيلسوف تأثيراً يثبت فيه على الزمان، ومن هنا كان الأثر الذي خلفته العقائد في بلاد اليونان منابذًا في طبيعته للفلسفة.
على أنَّ الدين اليوناني استطاع من ناحية واحدة أن يغذّي الفلسفة اليونانيّة من طريق مباشر.
ويقسِّم المؤلِّف الفلسفة اليونانية على ثلاثة عصور، الأوَّل: الفلسفة قبل سقراط، والثاني: سقراط والمدارس السقراطية، الثالث: الفلسفة بعد أرسطوطاليس إلى أن يصل إلى أنَّ تحصيل اللذة الراهنة كما يقول أرسطبس هي القاعدة في الحياة على الضد، كما يقول كانط، على أنَّ الفارق بين الاثنين أنَّ فلسفة كانط تختط للإنسان خطة في حساب النفس، يرجع فيه إلى الضمير، والتساؤل عند مباشرة أي عمل أيجوز أن يكون هذا العمل قانون الإنسانية الأدبي؟.
وهل ينطبق هذا العمل على ما تجيز الفضائل. في حين أن فلسفة «أرسطبس» لا تتقيَّد إلا بالمشاعر التي تستولي على النفس في ساعةٍ بعينها، فتحصيل اللذَّة الراهنة سواء أكانت لذاتِها أم للتحرُّر من ألم عارض، هي عنده قاعدة الحياة وناموس السلوك.
ولو قرأنا أفلاطون في آخر كتابه «بروطاغوراس» لوجدنا أنَّه يرى أنَّ كل المخلوقات الحية إنّما تعمل جاهدة في سبيل هذه الأغراض مدفوعة إليها بانفعالاتها.

المعد في سطور

إسماعيل مظهر (1891-1962) أحد رواد النهضة العلمية المعاصرة في مصر والعالم العربي، ترجم «أصل الأنواع» لداروين ونشره 1918، رأس تحرير «المقتطف»، وله: وثبة الشرق، تاريخ الفكر العربي، مُعْضِلات المدنية الحديثة، المرأة في عصر الديمقراطية.

حول الموقع

سام برس