أحمد عبدالله الشاوش
هذا المخلوق العظيم الرقيق الذي كرمه الله تعالى بالأمومة وجعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الجنة تحت أقدام الأمهات، إنها مصنع الرجال والنصف الآخر المكمّل للمجتمع، نفتخر بها أماً وأختاً وزوجة. لقد ظُلمَت عبر التاريخ الإنساني ، فقلَّلُوا من شأنها، وانتهكوا حقوقها الإنسانية وصادروا حريتها وعانت من اضطهاد اجتماعي من الدرجة الأولى ناتج عن جهل المجتمعات القديمة. ففي شرائع اليونان القديمة سلبت حريتها، وعند البوذيين مصيدة، والفرنسيين عبدة، والأمريكان قاصرة .. حتى لو بلغت سن الرشد فهي مملوكة للأب أو وليها، وعند الهنود أشبه بالحيوان، والإغريق شجرة مسمومة وفي جاهلية العرب محتقرة والبعض الآخر وأدها كونها خزياً في نظره .. إنه الجهل وعدوانية الرجل الذكوري. وجاء الإسلام فكرّم المرأة وأعطاها حقوقاً، وألزمها بواجبات، وحررها من عبودية الرجل والمجتمعات القديمة، وحرّم التعسف والظلم لها، وأقر لها بالميراث بعد أن كانت تُوْرَث من ضمن المتاع، وأمرها بالتعلم في أمور دينها ودنياها، فتعلمت وحافظت على أسرتها ومجتمعها وقيمها وشريعتها، وعاشت المرأة أفضل لحظاتها فبرعت وأصبح لها شأن عظيم بين الأمم. وفي العصور الوسطى خيّم الجهل على الأمة العربية والإسلامية وقاد إلى التعصب والتفكك فاهتزت القيم وظهرت فتاوى تحرم هذا وذاك ما أنزل الله بها من سلطان أضعفت الأمة نتيجة الأطماع وقمعت حرية المرأة حتى صار صوتها عورة ومطالبتها بحقوقها جريمة وتحت مسمى الدين للأسف الشديد. وجاءت الحضارة الغربية بزخارفها وديكوراتها الزائفة المتمثلة في ثقافتها الهابطة وسمومها القاتلة للقيم والعادات النبيلة المتمثلة في التسويق للتفسخ والانحلال عبر القنوات الفضائية كالاحتفال بعيد الحب والأغاني والأفلام الهابطة وإلباس المرأة ثوباً غير ثوب الوقار والعفة تحت مسمى الحضارة والفنون الزائفة ومنتديات ومنظمات وهيئات ظاهرها تحرير المرأة وباطنها تخريبها. وبالرغم مما عانت منه المرأة عبر تاريخها الإنساني الذي مثلت فتراته أكثر من علامة تعجب إلا أن الحقيقة التاريخية تؤكد وجود نجوم لامعة في سماء الإنسانية في العصر القديم والحديث في شتى المجالات السياسية والأدبية والتاريخية والطبية، ومن ذلك الملكة بلقيس وزنوبيا ملكة تدمر وأروى وخديجة بنت خويلد وأسماء ذات النطاقين وخولة والخنساء وسكينة بنت الحسين وزرقاء اليمامة ومي زيادة وبنت الشاطئ، وأمة العليم السوسوة والدكتورة رؤوفة حسن وأخريات .. وبالرغم من هذا الإبداع والتألق إلا أنه للأسف الشديد فقد رسمت للمرأة صورة ظالمة وضبابية قديماً بأنها ناقصة، كما ورد في كليلة ودمنة وألف ليلة وليلة، وفي الروايات الهندية الفارسية التي لا تستند إلى شريعة سماوية تأبى الظلم وتجعل الجميع محل احترام، وكون الإنسان خليفة الله في أرضه. وفي العصر الحديث ما يزال البعض ينظر للمرأة نظرة ضبابية والبعض الآخر يحاول استغفالها واستغلالها محاولاً دغدغة عواطفها وجعلها بوقاً للارتزاق وديكوراً أمام وسائل الإعلام الخارجية دون احترام لمشاعرها ولتمرير أجندته القاصرة ولخدمة مصالحه الشخصية. فهل آن الأوان للمرأة أن تحافظ على المكانة العظيمة التي وصلت إليها بعد كفاح مرير عبر التاريخ الإنساني وأن تعبد طريقها إلى قمة هرم السلطة بعد تألقها في كافة الميادين عبر صاروخ العلم ومجموعة القيم النبيلة وأن لا تلتفت إلى ديكورات الإحباط والمزايدين باسمها الذين يعتبرونها ناخبة وليست مرشحة؟ Shawish22@Gmail.com 

حول الموقع

سام برس