سام برس / متابعات
رد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بغضب على المفوضية الأوروبية رافضا إملاءتها وتدخلها فيما ينبغي لفرنسا أن تفعله فيما يخص الإصلاحات في بلاده.فالتوصيات الاوروبية اعتبرها هولاند مؤلمة وتدخلا في الشأن والخصوصية الفرنسية حيث طُلب من فرنساجعل نظام التقاعد أكثر استدامة وتحسين بيئة العمل فيها.
وعلى هولندا أن تصلح من سوق الإسكان فيها عن طريق القيام بخطوات سريعة لتخفيض المزايا الضريبية التي تمنحها على فوائد القروض العقارية. وعلى سلوفينيا أن تعمل على جعل الإدارة رشيدة وإدارة المخاطر في بنوكها.
هذه التوصيات وكثير غيرها خرجت بها المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، ووجهتها هذا الأسبوع إلى الحكومات الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. على الورق، هذه توصيات معقولة، لكنها أوراق تضاف إلى مواد أخرى تراكمت منذ سنين على مكاتب الاتحاد في بروكسل.
لكن هذه التوصيات ضربت على عصب حساس في فرنسا. فقد رد على ذلك الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بلهجة لاذعة بأن المفوضية "لا تستطيع أن تملي علينا ما يجب عمله (...) بخصوص الإصلاحات الهيكلية، خاصة إصلاح نظام التقاعد. نحن، ونحن فقط، الذين يحق لنا أن نقرر ما الطريقة الصحيحة التي يتعين علينا اتباعها للوصول إلى هذا الهدف".
ويبدو رد هولاند منطويا على نكران للجميل، عند الأخذ في الحسبان أن المفوضية أضافت العسل إلى الدواء المقترح، من خلال إعطاء فرنسا سنتين إضافيتين للوفاء بمتطلبات هدف تقليص العجز في الميزانية. لكن هذا الرد يبين أيضاَ كيف يجد بعض السياسيين صعوبة في التكيف مع البرامج الجديدة للانضباط المالي والإدراة الاقتصادية الرشيدة التي نشأت أثناء الأزمة المالية المستحكمة في السنوات الخمس الماضية.
وبصورة عامة تقوم الحكومات الوطنية والبرلمانات بصياغة أشكال الإنقاذ المالي اللازم للدول المعتلة مالياً. لكن يعود الأمر للمفوضية التي لديها صلاحية مراقبة السياسات الاقتصادية والميزانيات الوطنية، وفي حالات متطرفة معاقبة الحكومات المخطئة إذا تجاوزت حدودها في هذا المجال.
ويمثل هذا التطور محاولة لإصلاح خلل في بناء منطقة اليورو، وهو عيب عرفه النقاد قبل فترة طويلة من نشوء أزمة البنوك والديون السيادية. ولشرح ذلك بكلمات قليلة : أنشأ الاتحاد الأوروبي عملة مشتركة عام 1999 لكنه حذف السياسة المالية العامة المشتركة، أو السياسة الاقتصادية المشتركة. والآن يقع على عاتق المفوضية الدفاع عن الإطار الناشئ لهذا البعد الأساسي الثاني للاتحاد النقدي الأوروبي.
وستعتمد صدقية الترتيبات الجديدة على ما إذا كانت هذه الحكومات تعطي أذناً صاغية للمفوضية، أو ما إذا كانت المفوضية غير خائفة من الانتقال من التهديد والوعيد إلى تنفيذ عقوبات ضد هذه الحكومات. وتمتلك أوروبا سجلاً متنافراً في هذا المجال. فتحت إصرار ألمانيا في التسعينيات، وضع كتاب يبين قواعد المالية العامة ومعاهدة للاستقرار والنمو الاقتصادي. وكان القصد من هذا الاتفاق هو الحفاظ على سقف للعجز في الميزانيات، لكنه انتهى دون عمل أي شيء من هذا القبيل، ومن ثم تم التخلي عنه نهائياً في عام 2003 من قبل الديمقراطيين الاشتراكيين الذين يسيطرون على الحكومة الألمانية، بالتعاون مع فرنسا وإيطاليا.
والخطر اليوم هو أن تثبت هذه الحكومات أنها ضعيفة وغير شعبية وأنها أصبحت منقسمة على نفسها على نحو يحول دون احترام جانبها من الصفقة مع المفوضية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة مقابل تأجيل تنفيذ حد العجز في الميزانية. وفي ظروف الكساد والبطالة وصعود شعبية المنافسين السياسيين، لن يكون من المستغرب رؤية الحكومات وهي تخفق في تحقيق كل ما هو مطلوب منها.
وبالقدر نفسه، سيكون من غير المستغرب كذلك إذا قررت المفوضية أن حرية التصرف والتقدير هي الشجاعة بعينها، وتوقفت عن فرض عقوبات بهذا الصدد. لكن في هذه الحالة ستبدو البنية الجديدة للاتحاد النقدي الأوروبي شبيهة جداً بما سبقها، بمعنى الظهور بآلية تسود فوق البلدان، لكنها من الناحية العملية تكون غطاء للحكومات كي تنجو بفعلتها في أي عمل ترغب القيام به.
وهناك خطر ثان يكمن في الانطباع بأن تجنب أزمات المستقبل هو "نزع التأميم" أو "نزع التسييس" عن السياسة الاقتصادية بتحويلها إلى تمرين فني تديره كل من المفوضية وعواصم البلدان الأعضاء. لكن بالنسبة لبعض الدول، خاصة الواقعة منها في جنوب أوروبا، اللعب بمثل هذه الأفكار هو مثل اللعب بالنار.
أما بالنسبة للكساد، فسوف يؤدي اقتران البطالة بالديون مع ضعف دور الحكومات، إلى إضعاف الحس بالكرامة الوطنية والتقليل من إحساس المواطنين بالسيطرة على مصيرهم. ومع مرور الوقت لن يكون هذا متوافقاً مع الحفاظ على الديمقراطية.
وبالنسبة لمنطقة اليورو، مفارقة أحداث الأسبوع الماضي هي أن عرض المفوضية تخفيف أهداف العجز مقابل الإصلاح الاقتصادي كان أفضل خطة منطقية ينبغي اتباعها وأكثرها ترجيحاً لأن تبذر بذور المتاعب.

حول الموقع

سام برس