بقلم / جميل مفرح
من يتتبع التاريخ الإنساني وأحداثه وأحواله ويدقق في أهم منعطفاته التغييرية والتحولية يلحظ أن كل جبروت مكلل بالقوة والغطرسة والتكبر مآله الهزيمة والانكسار مهما كانت آلاته وكبرت سطوته, ومهما كانت وسائله وسبله في مغالطة التاريخ لا بد له ولو بعد حين من انكشاف واندحار ولا بد للحقيقة من أن تحول ما اعتقد أنه انتصار إلى هزيمة أبدية لا يبرأ منها.

كذلك يثبت التاريخ على امتداده أن الشعوب ذات الإرادة الصلبة والانتماء الحقيقي لهويتها ولأرضها وثقافتها مهما اعتقد بضعفها وقلة حيلتها لا يمكن للهزيمة أن تكون من أشيائها وصفاتها, ولا يمكن للزيف أن يكون من متاعها ومتروكها, كما لا يمكن أن يكون الذل والانكسار من علامات وجودها ولا من تراثها حتى وإن شاء لها ذلك أكبر الممالك والامبراطوريات على الأرض.. الحقيقة دائما هي الأجدر بالانتصار ومثلها تلك الشعوب القوية بانتمائها وأحقية قضاياها والمؤمنة أبدا بأحقيتها للانتصار والظفر أيا كانت قوة الظلم والبطش التي تواجهها أو تستهدفها.

ومن تلك الشعوب الأبية المنتصرة دوما والتي سيظل التاريخ يفخر بانتصارها شعبنا اليمني الأبي الذي تلوح علامات انتصاره سطورا مشرقة سيحتفظ بها التاريخ مثالا ناصعا في كتبه وتديناته وذكرياته إلى الأبد.. هذا الشعب الذي تنكسر عزيمته لم تنثنى إراداته أو تزوغ عن مساراتها المثالية الناصعة وهو يواجه آلة حرب ودمار لها من القوة والعتاد والمال والدعم والنفاق مالا يقبل احتماله والتصدي له.. شعب آلى إلا أن يحفظ ماء وجه الشعوب وينفي عنها وصمات الذل والعار والاستسلام والخنوع للظلم وإن كان ذلك الظلم في ذاته وصفته آلة موت أو عواصف فناء.. شعب يموت واقفا ولا يرضى أن يعيش منحنيا ومنكسرا وذلك ما أثبته وتثبته الأحداث وتجسده مقاومة عدوان باغ قصد كل معنى الحياة في سبيل إخضاع هذا الشعب الذي وما يزال رده على خطاب الموت والفناء الذي يتبناه هذا العدوان خطاب حياة دائمة ومتجدة وصبر وأنفة نعم كان وما يزال رد هذا الشعب تمسكاً بالحياة وتعود وتكيفاً لا يجيدهما سواه من الشعوب على واقع هذه الحرب الظالمة والظالم أهلها.

وحين ندقق في المتابعة ولو قليلا فيما يشهده الواقع الاجتماعي خلال الآونة الراهنة سنلحظ ذلك التكيف والتعود يبدو في صورة تحد وقوة وشموخ ففي حين تحلق طائرات العدوان في سماء اليمن موذنة بالموت والدمار ينعكس على الأرض إباء الإنسان اليمني وبأسه متمثلا في زغاريد ومصابيح الأعراس والمناسبات الفرائحية والابتهاجية إعلانا عن أن هذا الشعب أكبر من أن تتلبسه أزياء الهزيمة أو الخنوع!!

شعب متمسك بالحياة، لذلك هو جدير بها كما هو إعلان عن عقيدة ترى أن الموت شيء نستطيع أن نعتاد عليه ولكن دون السماح له بأن يغتال فينا معاني الحياة.

نعم نقول ذلك ونؤمن به عن قناعة مطلقة خصوصا ونحن ننقله عن واقع معايشتنا لظروف العدوان الذي يحاول أن يغتالنا من يوم لآخر فلا يجد منا غير هذه الانتصارات التي لا يحققها إلا ذوو البأس والتي ستغدو يوما قناديل فخر واعتزاز فيما ستمثل آلة الحرب التي يديرها هذا التحالف المؤزر بالشر مبعث ذل وعار وخزي لكل من شارك في هذا العدوان ولكل من أباحه وأتاحه وأيده وناصره بل وكل من شهده ولم يد.

حول الموقع

سام برس