سام برس
لا تزال السلطات المغربية تتجاهل متعمدة قضية تلقّي ثلاثين شاباً يهوديا مغربياً تدريبات عسكرية لمدة شهر في إسرائيل.

في الجهة الأخرى، اشتعل جدل بين «الوكالة اليهودية» و»وزارة الدفاع» الإسرائيلية حول القضية، ويدور هذا الجدل حول «سلامة المشاركين في الرحلة»، حسب قول الوكالة التي انتقدت إصدار الوزارة بياناً صحافياً إلى وسائل الإعلام عن تلك الدورة العسكرية، وطالبت «الجمعيات المنظمة لمثل هذه الرحلات»! بتحويل اهتمامهم نحو أهدافهم الرئيسية، وبأن «يفهموا متى يكون إعلان أنشطتهم قد يتسبب في أذية المشاركين فيها».
الصمت الرسميّ المغربي هو صمت غريب ويثير الأسئلة، ولا يستقيم لا منطقاً ولا شرعاً، بل إنه يعطي القضية دلالات فضائحية أكثر مما يخفف من مفعولها لأنه يوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها.

السكوت الرسمي المغربي قد يفسّر تفسيرين لا يسرّان صديقاً:
الأول هو أن وراء القضية «جهات سيادية» أعلى من إرادة الحكومة المغربية، وهذا يرفع سقف المسألة من فرضيات استغلال إسرائيل لوسطية واعتدال المغرب، وتعامله بأريحية مع يهوده، إلى فرضيات أخرى تصبّ في صالح تل أبيب ولا تفيد الرباط بالتأكيد.

والتفسير الثاني هو أن الحكومة المغربية تورّطت في الموافقة على سفر الشبان المغاربة على أمل أن يبقى الأمر في إطار ضيّق أقرب للموافقة على رحلة سياحية منها إلى المصادقة على إعلان استقالة من سيادة المغرب على مواطنيه، وقد جاءت التصريحات الإسرائيلية حول «خطر يهدد سلامة الطائفة اليهودية» لتوقع هذه الحكومة في ورطة حقيقية.

منظمات حقوق الإنسان المغربية انتبهت إلى المفارقات الكبيرة التي يحملها الخبر وطالبت رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران بفتح تحقيق في الحادثة، كما طلبت منه التعامل مع هؤلاء الشبان مثل «المقاتلين العائدين من داعش»، وهو أمر صحيح بالقياس المنطقيّ، ولكن، على ما يظهر، لا يعود القانون ولا المنطق قابلين للقياس طالما يتعلّق بإسرائيل واليهود حتى لو كانوا مواطنين مغاربة.

من المعروف جيدا وجود شعور شعبي مغربي عارم بالتعاطف مع الفلسطينيين وبالعداء لإسرائيل، وقد تعايش هذا الشعور دائماً مع احترام شعبي ورسمي حقيقي لمواطنية اليهود المغاربة ولدورهم التاريخي في البلاد، بل إن هذا الاحترام والعقلية الوسطية والتسامحية المغربية امتدت لتحتوي يهود العالم الراغبين في السياحة في المغرب وزيارة مدنها ذات الصلة بأسلاف لهم هاجر مئات الآلاف منهم، جنباً إلى جنب مع المسلمين، هرباً من قرون الاضطهاد في اسبانيا بعد سقوط الأندلس، وقد وظّف المغرب هذه المشاعر وهذه الصلات توظيفا إيجابياً يعود بالنفع على المغرب والمغاربة ومن دون التصادم مع المواقف الشعبية والرسمية المناصرة لفلسطين والفلسطينيين.
لا يبدو مفهوماً أبداً أن يقوم ثلاثون شاباً مغربياً بالتدريب العسكريّ في إسرائيل، فأين سيستخدم هؤلاء الشبان خبراتهم العسكرية تلك، وهل ستوظّف لصالح المغرب أم أنها ستكون هامشاً احتياطياً في «جيش الدفاع الإسرائيلي» يتم استخدامه في الوقت المناسب وفي المكان المناسب؟
للأسباب الآنفة الذكر كلّها نجد أن كشف الحكومة المغربية لحقائق هذا الحدث ووقفها هذه الرحلات الغامضة ضروري وواجب مغربي قبل أن يكون عربياً أو دعماً لفلسطين.

رأي القدس

حول الموقع

سام برس