بقلم / احمد الشاوش
تراود المواطن اليمني العديد من التساؤلات، ويدور في ذهن وأعماق المواطن العربي جدلاً كبيراً حول العقيدة العسكرية للجيوش العربية الأكثر عدداً وعدة، وانفاقاً وتسليحاً وموازنة على حساب معدلات التنمية الأخرى، كالبحث العلمي والتربية والتعليم والصحة والاهتمام بمعيشة المواطن وغيرها.

ورغم الحاجة الماسة والهدف النبيل لتكوين وإنشاء الجيوش العربية كـ " صمام " أمان للدفاع عن كل قطر عربي والحفاظ على سيادته واستقراره وترابه الوطني من الغزاة والمستعمرين الذين تم طردهم بعد كفاح ونضال كبير، قدمت خلالها الشعوب العربية الملايين من الشرفاء في ميادين الكرامة والتضحية والصمود كما في الجزائر ومصر واليمن وتونس وليبيا و.. في سبيل تحرير الوطن العربي من قوى الشر والهيمنة .

إلا أن المواطن العربي وفي الطليعة اليمني صُدم من التصرفات المشينة للقادة والرؤساء والملوك والأمراء الذين أدمنوا السلطة والتسلط والتباهي بالنسب المزيفة للأصوات والاقنعة الديمقراطية أو الحكم العضوض بعد ان أحكموا سيطرتهم على الجيوش الوطنية وفرغوها عن مهامها وأهدافها المثالية وروضوها من خلال التأثير عليها بمسخ عقيدتها العسكرية وولائها الوطني واستبدالها بالولاء للحكام ، نتيجة لأساليب الترهيب والترغيب وقمع القادة الوطنيين البارزين والأكثر اتزاناً وقدرةً وتشويه سمعتهم وبث الشائعات حولهم وإلصاق تهم باطلة للتخلص منهم وتعيين قادة أقل خبرة وأكثر ولاء وتبعية لتثبيت الأنظمة الديكتاتورية والمرتبطة بعلاقات مشبوهة مع دول الغرب والشرق، مما أدى الى انحراف المؤسسة العسكرية عن مسارها الصحيح واقحامها في صراعات لا ناقة لها فيها ولاجمل .

تساؤلات مشروعة تختزل فترة زمنية من التأثير على المؤسسة العسكرية عن عقيدتها السامية وشرفها والقسم العسكري، وافراطها في تبعية قادة ورطوا الجيوش العربية في حروب عبثية داخلية ومع دول مجاورة أو خوض حروب بالوكالة عن الدول الإقليمية والدولية وتصفية حسابات شخصية لأتفه الأسباب وتباينات سياسية أحياناً لنزوة السيطرة والاستعلاء والغرور الذي جر المنطقة العربية الى الجحيم.

ولذلك فان المواطن اليمني يلمس تبعية المؤسسة العسكرية وخضوعها لمراكز القوى الفاسدة قبل وأثناء وبعد أحداث الربيع العربي الذي كان يأمل منها تحرير المؤسسة العسكرية من عبودية الحكام وإعادتها الى الوضع الطبيعي الذي أنشئت من اجله ، لا بالانتقام منها وشرفائها الوطنيين وتدميرها تحت مسمى الهيكلة وتحويلها الى هيكل عظمي ونهب أسلحتها ومقدراتها واستبدالها بالمليشيات المسلحة بصورة مأساوية في مشهد درامي يندى له الجبين القى بضلاله على تدمير ما تبقى من الامن والاستقرار وقيم التعايش .

ورغم تلك التبعية والاسترخاء إلا أن الجيش " المصري " حافظ على عقيدته العسكرية وولائه الوطني وافشل رهانات الخارج بحفاظه على سيادة وامن مصر وشارك في تنميتها عبر انجاز العديد من المشاريع التنموية العملاقة وفي طليعتها قناة السويس ، والمنشآت العظيمة والبنى التحتية الكبيرة من جسور وطرقات ومدن وصناعات تكنولوجية عسكرية ومدنية ، ولذلك لم نلحظ أن الجيش المصري العظيم في يوم ما أصبح عبئاً على مصر الكنانة كبقية الجيوش العربية ، بل كان ومازال وسيظل حامياً ومنتجاً ومحرراً، رغم بعض الضغوطات التي تعرض لها في فترات السادات ومبارك ومرسي والمؤامرات التي حاولت وما تزال ان تفكك وتهيكل عقيدته العسكرية المجبولة على حب الوطن .

في حين ظلت المؤسسة العسكرية اليمنية مع الأسف الشديد أسيرة بكل ما تعنيه الكلمة لمراكز القوى بين رئيس وقائد ومشايخ قبليين ورجال دين وقوى إقليمية ودولية تحركه حيناً من خلف الاسوار وتسوقه الى معارك تستنزفه ومقدرات الوطن تحت إيقاع العروبة والإسلام ومحاربة الشيوعية وغيرها كما في حروب المناطق الوسطى والصراعات السياسية على السلطة وارسال لواء العروبة الى العراق للمشاركة في حرب الخليج الأولى والتسهيل لبعض العسكريين المحسوبين على أحزاب عقائدية للجهاد في أفغانستان وما رافق ذلك من توحيد اليمن والحروب العبثية الست ضد الحوثيين في محاولة لاستهلاك بعض وحدات الجيش نتيجة صراع مراكز القوى وابتزاز بعض دول الإقليم التي تخاف من التمدد الشيعي مما شغل المؤسستين العسكرية والأمنية عن المساهمة في التنمية بما تملكه من خبرات وكفاءات واصول أدى الى قتل روح الابداع فيها وأصبحت عالة ورغم التجربة الفريدة في محاولة تأسيس وحدات عسكرية على قدر كبير من الكفاءة والانضباط تمثلت في الحرس الجمهوري لحماية امن اليمن وان كانت تحت سلطة الحاكم ، الا ان ذلك لم يرق دول الجوار وأصيب نظام الرياض بالذعر وسارع حكام قطر الى ضرب البيت اليمني من الداخل في ازمة الربيع العربي ، عبر تيار حزب الإصلاح الشريك الرئيس في السلطة والتسلط والأحزاب التقدمية وجماعة الحوثي التي ارادت ان تصفي حسابها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح عبر تجييش الساحات والانتقام من القوات المسلحة والامن والمطالبة بالهيكلة التي دمرت ماتبقى من هيبة الجيش اليمني ونهب أسلحته وتدمير بعضها من قبل العدوان السعودي الأمريكي ، حتى اصبح الجيش بين كماشتي المليشيات والخونة وآل سلول.

فهل آن الأوان بعد كل هذا الجنون والسفة والتبعية أن يساهم الجميع في بناء مؤسسة عسكرية عقيدته وولاءها للوطن .. أملنا كبير
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس