سام برس
لا تعلقوا كثيرا من الآمال على زيارة العاهل السعودي لواشنطن.. امريكا تغيرت.. والسعودية ايضا.. وقلب سلم الاولويات في سورية مستبعد.. واليمن هو الملف الاصعب والاكثر تعقيدا والحرب تعطي نتائج عكسية

زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التي تبدأ رسميا (الجمعة) على رأس وفد كبير ستكون مختلفة عن الزيارات السابقة المماثلة، ليس لانها الاولى له، وانما لان امريكا تغيرت، والمملكة العربية السعودية تغيرت، والمنطقة العربية كلها تغيرت ايضا.

امريكا التي كانت حتى اقل من عام الحليف الاوثق للمملكة العربية السعودية لم تعد كذلك، صحيح انها ما زالت حليفة للسعودية، ولكن ليس كما كان عليه الحال طوال السبعين عاما الماضية من عمر العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين، فقد وقعت اتفاقا نوويا مع ايران، الخصم والعدو الاول للمملكة، واعترفت من خلاله بها، اي ايران، دولة نووية، وقوة اقليمية عظمى، وباتت تنسق معها في قضايا المنطقة، او تحسب حسابها على الاقل.
السعودية تغيرت ايضا، فلم تعد المتحكم الرئيسي في اسعار النفط، وانتاج منظمة الدول المصدرة للنفط “اوبك”، وتلبي، اي السعودية، ما يعادل عشرة في المئة من الاحتياجات النفطية الامريكية، فالانتاج النفطي الامريكي فاق نظيره السعودي، وباتت تقف على حافة ازمات مالية متفاقمة، قد تدفعها الى اجراءات تقشفية تلحق اذى بالمواطن، وتتورط في الوقت نفسه في حرب استنزاف في اليمن، واخرى في سورية، علاوة على حرب داخلية شرسة ضد الجماعات الاسلامية المتشددة، وعلى رأسها “الدولة الاسلامية” التي تريد ان تجعل من مكة المكرمة عاصمة خلافتها.

الرئيس باراك اوباما يستقبل ضيفه السعودي وقد امّن الاغلبية التي يريدها في الكونغرس لتمرير الاتفاق النووي الايراني، الامر الذي سيشكل صدمة لهذا الضيف الذي كان يراهن على اعاقة تمرير هذا الاتفاق من قبل حلفائه الجمهوريين، وسيكون في موقف اقوى لان هذا التمرير سيعزز سياساته الشرق اوسطية.

ومن هنا فان الاتفاق النووي الايراني لن يتصدر جدول الاعمال رغم ان هذه الزيارة المؤجلة، والتي كان من المفترض ان تتم في اطار اللقاء الذي دعا اليه الرئيس الامريكي مع زعماء الخليج في كامب ديفيد قبل بضعة اشهر لطمأنتهم، وتبديد مخاوفهم، بعد توقيع هذا الاتفاق، فدول الخليج لم تشعر بالاطمئنان، ولم تأخذ التطمينات الامريكية بالجدية المطلوبة، وبدأت تتعايش مكرهة مع هذا الاتفاق، واعراضه الجانبية التي بدأت تظهر بقوة في اليمن وسورية ولبنان والبحرين، والداخل الخليجي ايضا، والكويت احد الامثلة.

الملفان اليمني والسوري سيتصدران المباحثات حتما بين العاهل السعودي والرئيس اوباما، او بالاحرى بين الاخير والامير محمد بن سلمان نجل العاهل السعودي، والرجل الذي يمسك بكل خيوط الحكم ويتحكم بدائرة صنع القرار في المملكة، ووزير الدفاع الذي يقف على رأس كل حروب بلاده في المنطقة.

اليمن قطعا سيحظى بالاولوية القصوى لان السعودية باتت متورطة في حرب استنزاف دموية مكلفة ماديا وبشريا، وبعد ستة اشهر من التدخل العسكري المباشر لم تحقق اي من اهدافها، فالرئيس الشرعي منصور هادي ما زال في منفاه الآمن في الرياض ومعه نائبه السيد خالد بحاح، والتحالف “الحوثي الصالحي” ما زال يسيطر على صنعاء، بينما يسيطر تنظيم “القاعدة” على معظم مدينة عدن “المحررة”، وبالامس اعلنت دولة الامارات العربية المتحدة عن مقتل 22 جنديا من جنودها في حرب الجنوب اليمني، مما قد يعني ان المعارك على الارض لا تسير في الاتجاه الصحيح، بينما تقتل طائرات “عاصفة الحزم” المزيد من المدنيين يوميا، وهو امر بات يقلق الحليف الامريكي والغربي عموما، وان العاصمة اليمنية الثانية لم تعد آمنة، حتى تعود اليها الوزارات، مثلما اعلن السيد بحاح اكثر من مرة.

نحن هنا لا نقلل من اهمية الملف السوري بالنسبة الى السعودية، ولكن التورط السعودي في اليمن اكثر مباشرة، واليمن تعتبر الفناء الخارجي الاقرب، والحرب التي يشنها الحوثيون على المدن والقرى السعودية الجنوبية تزداد شراسة، مضافا الى ذلك ان الملف الاخير، اي السوري، شائك ومعقد وتتداخل فيه قوى اقليمية مثل السعودية وايران وتركيا والعراق (بشكل غير مباشر) وحزب الله، وعالمية مثل روسيا الاتحادية وامريكا، اي ان السعودية هي احد اللاعبين فيه، بينما هي اللاعب الرئيسي في اليمن.

العاهل السعودي سيحاول ان يقنع مضيفه الامريكي بقلب اولويات حكومته، واعطاء الاولوية لاطاحة الرئيس بشار الاسد من الحكم، وجعل محاربة “الدولة الاسلامية” في المرتبة الثانية او الرابعة، ولكن مثل هذا الطلب يواجه صعوبات كبيرة، لان الرئيس يضع مصالح بلاده قبل رغبات وتمنيات العاهل السعودي، ويدرك ان تغيير الاولويات ربما يؤدي الى الصدام مع روسيا التي يتفق معها على محاربة “الدولة الاسلامية”، خاصة انه يعلم جيدا ان موسكو وطهران تتمسكان ببقاء الرئيس الاسد، ويعتبرانه خطا احمر وعاملا فاعلا واساسيا في الحرب على “الدولة الاسلامية” والارهاب بشكل عام في سورية والمنطقة بأسرها.

الرئيس اوباما وجه رسالة واضحة الى السعودية ودول الخليج الاخرى مفادها انه مستعد لبيعها اسلحة حديثة لا تتعارض مع التفوق العسكري الاسرائيلي لحماية نفسها في المنطقة، ولكنه غير مستعد لخوض حروبها الاقليمية ضد ايران، مثلما فعلت بلاده سابقا ضد الرئيس العراقي صدام حسين، وهي الحرب الامريكية التي تدفع ثمنها غاليا هذه الدول من امنها واستقرارها وخزائنها المالية، فامريكا لن تعد “كلب الصيد” مهمتها طمأنة هذا الحليف الخليجي او ذاك، والدفاع عنه، وعلى هذا الحليف ان يساعد نفسه ويحميها اولا.

الشق الآخر من الرسالة، وهو الاكثر اهمية في نظرنا، يتعلق بالسياسات الداخلية السعودية، عندما قال الرئيس الامريكي في مقابلته المهمة مع الكاتب الامريكي توماس فريدمان ان الخطر الاكبر على السعودية ليس ايران، وانما يأتي من الداخل، اي من الشباب الساخط العاطل عن العمل، وغياب حريات التعبير والقضاء العادل، حتى بات هذا الشباب معزولا عن دائرة القرار في بلاده التي تحدد مصيره، ولا يجد اي بدائل غير الانضمام الى “الدولة الاسلامية”، ومن المفارقة ان فريدمان الذي كان يحسب في عداد الاصدقاء للسعودية، وتنشر الصحف السعودية مقالاته، بات الآن يتهمها بأنها مصدر الارهاب في العالم، مثلما قال في مقاله الاحدث في “نيويورك تايمز″.
لا نستبعد ان يسأل الرئيس اوباما ضيفه السعودي عما فعل من اجل استيعاب اللاجئين السوريين الفارين من الحرب، فالمسوؤلون الامريكان لا يجاملون ضيوفهم ويتجرأون على قول ما لا يريدون سماعه، على عكس نظرائهم العرب والاوروبيين، ولا نعرف كيف سيجيبه العاهل السعودي.

البوصلة السعودية تحتاج الى تصويب، وكذلك العديد من السياسات الاخرى المتبعة في المنطقة، لان هذه السياسات بدأت تعطي نتائج عكسية، وتفرض اعباءا كبيرة، مادية وبشرية واستراتيجية، على كاهل صانع القرار والشعب السعودي نفسه، فهل سيعود الملك سلمان الى الرياض على قناعة بحتمية تغيير هذه السياسات على ضوء ما سمعه من الرئيس الامريكي من مواقف ليست على مستوى ما هو مأمول من هذه الزيارة؟
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس