سام برس
ارتفاع اعداد القتلى في صفوف قوات التحالف السعودي في اليمن يشكل صدمة تكشف عن مدى خطورة الحرب اليمنية.. فما هو الجديد الذي فاجأ الجميع؟ وهل تشكل مبادرة المبعوث الدولي سلم النجاة لجميع الاطراف قبل فوات الاوان؟

منذ ان بدأت “عاصفة الحزم” بقيادة المملكة العربية السعودية غاراتها الجوية على اليمن في اواخر آذار (مارس) الماضي ضد مواقع التحالف “الحوثي الصالحي” كان واضحا ان الحرب في اليمن ستطول، وستكون مكلفة جدا، ماليا وبشريا، ولهذا لم يكن مفاجئا بالنسبة الى المراقبين السياسيين والعسكريين ان تحدث خسائر بشرية في صفوف اليمنيين من جراء هذه الغارات، ولكن لم يخطر في بالهم قطعا سقوط هذا العدد الكبير من العسكريين في يوم واحد.

يوم الجمعة والسبت اعترفت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية بمقتل 60 جنديا من بينهم 45 من دولة الامارات العربية المتحدة وعشرة سعوديين، وخمسة من البحرين، من جراء قصف موقعهم في محافظة مأرب بصاروخ باليستي من نوع “توشكا”، واعلن الحرس الجمهوري التابع للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح مسؤوليته عن هذه العملية، على صفحة له على موقع “الفيسبوك”.

الخسارة كبيرة ومؤلمة تكشف عن خطورة الدخول في هذه الحرب، ومن ثم الاستمرار فيها لما يقرب من الستة اشهر، وتنبىء بمستقبل قد يكون اكثر دموية للجانبين المشاركين فيها في الايام والاشهر المقبلة.

هذا الهجوم على معسكر تابع لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية يسلط الاضواء على عدة امور على درجة عالية من الاهمية:

اولا: وجود قوات اماراتية وبحرينية وسعودية خاصة على ارض اليمن وتشارك في المعارك فعليا، اي انه لم يتم الاكتفاء بالغارات وحدها، وهذا تطور كبير.

ثانيا: دخول قوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس السابق الى ميادين القتال بدروها، واستخدامها صواريخ باليستية للمرة الاولى، وعلى هذه الدرجة من الفعالية والدقة، فالانطباع الذي كان سائدا، وحسب تصريحات العميد احمد عسيري المتحدت باسم “عاصقة الحزم” ان هذه الصواريخ جرى تدميرها.

ثالثا:عودة التنسيق والتعاون الى صورتها السابقة بين الحوثيين والصالحيين في ميادين القتال بعد انفصام العلاقة بينهما بسبب الخلافات على التمثيل في مؤتمر جنيف، وذهاب الحوثيين وحدهم للتفاوض مع المبعوث الدولي السيد اسماعيل ولد الشيخ في مسقط.

رابعا: تأكد عدم صحة الانباء التي راجت في بعض الاوساط الاعلامية الخليجية، التي افادت بدعم الامارات للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، فارتفاع اعداد القتلى في صفوف القوات الاماراتية الخاصة في الضربة الاخيرة، علاوة على سقوط حوالي عشرة جنود اماراتيين قبلها، والتهديدات التي صدرت عن الحرس الجمهوري وتوعدت “الغزاة” الاماراتيين يعطي صورة مغايرة لهذه الانباء.

من المؤكد ان عدد الضحايا الكبير من الجنود الخليجيين، بالمقارنة الى عدد سكان هذه الدول (باستثناء السعودية) يشكل صدمة كبيرة سواء بالنسبة الى الحكومات او الشعوب معا، فقد كانت الجنائز لتشييع هؤلاء مؤثرة، كذلك اعلان حالة الحداد رسميا في الدول المعنية، وخاصة دولة الامارات (ثلاثة ايام)، ولكن تأكيدات المسؤولين باستمرار المشاركة بفاعلية في الحرب، والغارات الجوية المكثفة التي استهدفت مواقع الحوثيين والحرس الجمهوري، توحي جميعا بأن التحالف يسير في الاستراتيجية نفسها، حتى الآن على الاقل.

الايام والاسابيع المقبلة ستشهد تطورات تصعيدية في اليمن لعدة اسباب:

الاول: اعلان متحدث رسمي باسم الحوثيين قبل اسبوع بأن علينا ان نتوقع مفاجآت في هذه الحرب، وقال الشيء نفسه الرئيس السابق صالح، وهي المفاجآت التي كانت محط سخرية من قبل بعض انصار التحالف العربي، وها هو صاروخ الامس يؤكد ضرورة اخذ هذه التهديدات بجدية.

الثاني: اكدت تقارير اخبارية امريكية منسوبة الى مصادر عسكرية واستحبارية موثوقة ان الاستعدادات تجري على قدم وساق من قبل قيادة التحالف السعودي لشن هجوم كبير وموسع للاستيلاء على العاصمة صنعاء في غضون الاسابيع القليلة المقبلة، ولا نستبعد ان يسرع مقتل هذا العدد من العسكريين الخليجيين بمثل هذا الهجوم.

الثالث: توارد انباء عن تعهد الرئيس الامريكي باراك اوباما لضيفه السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بتكثيف المساعدات العسكرية والاستخبارية الامريكية لقوات التحالف السعودي في اليمن، دون اعطاء المزيد من التفاصيل.

الحرب في اليمن تتحول الى حرب اقليمية اكثر اتساعا وخطورة، مثلما تتحول الى حرب استنزاف لجميع الاطراف المتورطة فيها، فالمعارك الحدودية السعودية اليمنية تتفاقم وتوقع ضحايا، و”تحرير” عدن لم يعد الامن او الحكومة الشرعية لادارة شؤون البلاد منها باعتبارها العاصمة الثانية المؤقتة.

المخرج الوحيد هو الحل السياسي، وهو الحل الذي يتجسد في النقاط الثمانية التي عرضها المبعوث الدولي ولد الشيخ، وترتكز على قرار مجلس الامن الدولي رقم 2216، وتنص على انسحاب الحوثيين من العاصمة ومدن اخرى، وتسليم الاسلحة، وحكومة انتقالية مؤقتة، واذا صحت الانباء التي تتحدث عن قبول التحالف “الحوثي الصالحي” بهذه المبادرة مقابل وقف اطلاق النار فان الانفراج بات ممكنا، ان لم يكن وشيكا، ولكن لا شيء مضمونا في اليمن.

الحرب اليمنية مصيدة دموية لكل الاطراف المتورطة فيها، وهناك مثل انكليزي يقول “اذا وقعت في حفرة فان اول شيء يجب ان تفعله ان تتوقف عن الحفر” فعلى من ينطبق هذه المثل اكثر من غيره؟
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس