سام برس
ثلاثة خيارات امام امريكا وحلفائها العرب بعد الاعتراف بفشل برنامج تدريب “الصحوات السورية” والغائه كليا.. ما هي هذه الخيارات؟ وما هو الاكثر ترجيحا من بينها؟.. وما هي فرص النجاح والفشل؟


الغت الولايات المتحدة الامريكية برنامجها لتدريب قوات معارضة سورية “معتدلة” رصدت له 500 مليون دولار، ليكون نواة قوات “صحوات سورية” جديدة تعدادها 5000 مقاتل لمحاربة “الدولة الاسلامية”، بسبب النتائج الكارثية التي ترتبت عليه، وابرزها فرار هؤلاء دون اطلاقهم رصاصة واحدة، او الانضمام بمعداتهم الى جبهة النصرة او حتى “الدولة الاسلامية” نفسها التي تدربوا لمقاتلتها.

اشتون كارتر وزير الدفاع الامريكي قال في مؤتمر صحافي في لندن ان وزارته (البنتاغون) وضعت خيارات مستقبلية اكثر فعالية لانها تركز على تحسين فعالية برامج التدريب، وتركز على تدريب “القادة” دون ان يحدد ماذا يقصد بذلك، وترك الامر لخطاب متوقع للرئيس الامريكي باراك اوباما.
التدخل العسكري الروسي في سورية وقصف الطائرات الروسية الحديثة والمتقدمة لمواقع وتجمعات المعارضة السورية المسلحة، معتدلة كانت او متشددة، وتوفيرها الغطاء الجوي لقوات الجيش السوري، الذي يحاول حاليا استعادة مدن استراتيجية خسرها، مثل جسر الشغور وادلب، هذا التدخل قلب كل المعادلات والموازين، وجعل خطط الولايات المتحدة العسكرية والسياسية السابقة قديمة تجاوزها الزمن، ولم تعد صالحة.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة والحاح هو عن طبيعة الخطط الامريكية المستقبلية في الصراع السوري بعد هذا التدخل الروسي الكاسح؟
هناك ثلاثة احتمالات يمكن التكهن بها بناء على المعطيات المتوفرة في هذا المضمار:
الاحتمال الاول: ان تقبل الولايات المتحدة بالمطلب التركي في اقامة منطقة، او مناطق حظر جوي داخل الاراضي السورية، تكون جزرا آمنة للاجئين السوريين، ونقطة انطلاق للمعارضة المسلحة التي تشرف عليها، ولكن هذا الاحتمال محفوف بمخاطر الصدام مع الطائرات الروسية المتقدمة التي قد لا تسمح بأي حظر جوي، وتعمل على افشاله.
الاحتمال الثاني: ان تلجأ الادارة الامريكية الى تسليح المعارضة “المعتدلة” والجيش السوري الحر على وجه الخصوص بأسلحة نوعية حديثة من بينها صواريخ مضادة للطائرات، وهذا خط احمر روسي ثان، لان هذه الصواريخ قد تستهدف الطائرات الروسية، على غرار ما حدث في افغانستان بعد تزويد امريكا للمجاهدين بصواريخ “ستنغر”.
الاحتمال الثالث: ان تتحالف الولايات المتحدة مع الجماعات والفصائل الاسلامية المتشددة مثل “الدولة الاسلامية”، و”جبهة النصرة”، و”احرار الشام”، وتسقط صفة الارهاب عن هذه الفصائل والجماعات، وتحولها الى ميليشيات ارضية لمواجهة التدخل الروسي على غرار ما فعلت في افغانستان ايضا، ولكن هذا الاحتمال مستبعد، في الوقت الراهن على الاقل، من الجانب الامريكي، ومن “الدولة الاسلامية”.
جميع هذه الاحتمالات او الخيارات محفوفة بالمخاطر لانها قد تؤدي، او تعجل، بصدام عسكري مع روسيا والصين معا، ولا نعتقد ان ادارة الرئيس اوباما التي تتجنب المواجهة العسكرية كمبدأ اساسي في سياساتها الخارجية مستعدة لمثل هذه المخاطر بالغة التكاليف.
الاحتمال الاكثر ترجيحا ان توعز هذه الادارة لحلفائها في المنطقة، والمثلث التركي السعودي القطري، على وجه الخصوص، بتكثيف الدعم العسكري للمعارضة السورية، والجيش الحر تحديدا، بما في ذلك تزويده بالاسلحة المتقدمة التي طلبها.
اليوم كشف مسؤول سعودي كبير عالي المستوى لمحطة “بي بي سي” ان عددا من الاسلحة الحديثة، بما في ذلك صواريخ مضادة للدروع ستقدم للجيش الحر، وقال ان هذه الاسلحة لن تذهب الى “الدولة الاسلامية”، او “جبهة النصرة” اللتين تعدان منظمات “ارهابية”، وانما الى “جيش الفتح”، و”الجيش السوري الحر”، و”الجبهة الجنوبية”، ولم يستبعد المسؤول نفسه تقديم صواريخ مضادة للطيران للمعارضة السورية ايضا.

ولا نعرف من هو هذا المسؤول، ولكن من المؤكد انه عالي المستوى فعلا، ويظل السؤال هو عما اذا كان مدركا لخطورة الكلام الذي يقوله وما يمكن ان يترتب عليه من تبعات؟
اذا كان التدخل العسكري الروسي يعقّد الازمة السورية، ويعرقل فرص الحلول السلمية، وفق وجهة النظر الامريكية والسعودية والتركية معا، فان من يؤيدون هذا التدخل الذي سيمنع سقوط النظام السوري حتما، او يؤجله لسنوات عدة، سيجادلون بان تزويد هذه الاطراف السورية الثلاثة المعارضة بصواريخ قد يؤدي للشيء نفسه، اي تعقيدات الازمة، وعرقلة اي حلول سياسية ايضا.
فاذا كانت قوات المعارضة التي دربتها المخابرات المركزية الامريكية (سي اي ايه) لقتال “الدولة الاسلامية” قد انهارت مبكرا، وسلمت وحدات منها معداتها الى “جبهة النصرة” بعد الانضمام اليها، ولم تطلق طلقة واحدة على “الدولة الاسلامية”، فما الذي يمنع ان تنشق وحدات من الجيش الحر، او جيش الفتح، او الجبهة الجنوبية، وتنضم بصواريخها الى “الدولة الاسلامية”، او تهاجم قوات تابعة للدولة مخازن اسلحة هذه الفصائل الثلاثة، وتستولي على ما فيها من صواريخ تماما مثلما فعلت عندما هاجمت قواعد للجيش الحر في مدينة “اعزاز″ في الشمال الغربي قرب الحدود التركية قبل عامين؟

قلنا اكثر من مرة، وفي هذا المكان، ان سياسة الادارة الامريكية وحلفاءها العرب في سورية تتسم بالتردد والارتباك، ولهذا فشلت على مدى السنوات الخمس الماضية في تحقيق اي من اهدافها بما في ذلك اسقاط النظام، او القضاء على “الدولة الاسلامية”، ولا نبالغ اذا قلنا ان التدخل العسكري الروسي زاد من هذا الارتباك واحدث حالة من “الصدمة” شبه القاتلة، ونعتقد ان التحالف الامريكي العربي سيحتاج الى اشهر، وربما سنوات حتى يفوق منها، اي الصدمة، ويتجازو آثارها ونتائجها، هذا اذا فاق اصلا.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس