سام برس
تعيش العلاقات الإيرانية السعودية حقبة ربما تكون الأشد حلكة منذ عقود، وتنذر الأوضاع الإقليمية والدولية بخروج الأمور عن إطارها السابق بإشعال حروب بالوكالة للفوز بالزعامة الإقليمية.

وخرج الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم أمس عن الأعراف الدبلوماسية، وشن هجوما فيما يبدو على وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قائلا: "إن شبانا بلا خبرة في أحد بلدان المنطقة لن يصلوا إلى أي مكان بمخاطبتهم الكبار بفظاظة"، وأضاف روحاني أنه "إذا اقتربت رؤية السعودية حول المسائل الإقليمية الكبرى من الواقع وأوقفت تدخلاتها، فسنتمكن من تسوية كثير من المشكلات ولا سيما في العلاقات الثنائية".

وفي حدث نادر اجتمع ممثلو طهران والرياض على طاولة واحدة، نهاية الأسبوع الماضي، من أجل البحث عن حلول للأزمة السورية المتفاقمة منذ مارس/ آذار 2011، لكن تصريحات الطرفين توضح أنهما مازالا على طرفي النقيض في هذا الملف.

وفي اليمن تخوض السعودية حربا منذ أشهر ضد جماعة الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتثير هذه الحملة امتعاض الجمهورية الإسلامية وتسعى إلى إفشالها بشتى السبل، فيما يتواصل الصراع الخفي في البحرين، والعراق، ولبنان، ومناطق أخرى بأشكال شتى.

وفي سورية دفعت إيران بمستشارين عسكريين لدعم الرئيس بشار الأسد منذ الأشهر الأولى للحراك، وسهلت انتقال حزب الله للقتال إلى جوار النظام، وأرسلت عناصر من الحرس الثوري، ومولت انتقال ميليشيات طائفية عراقية وأفغانية بحجة حماية المراقد الدينية، وواصلت دعم دمشق بالأسلحة والعتاد، والأموال.

وأججت حادثة تدافع الحجاج في منى ومقتل عدد كبير من الإيرانيين مشاعر الغضب، ووصلت إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية في شكل مباشر من قبل القيادات الدينية والمدنية في طهران.

تنافس محموم على قيادة الإقليم

وواضح أن الخلافات بين البلدين قديمة ومحورها التنافس على الدور الإقليمي الأول في المنطقة الذي ينقطع بين طهران والرياض منذ نجاح الثورة الإسلامية في العام 1979.

ولعبت عوامل وظروف إقليمية ودولية دورا في ترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك، وسعى كل منهما إلى نسج علاقات مع دول المنطقة لترجيح كفته. فتارة تحالفت السعودية مع العراق وأخرى مع مصر من أجل كبح صعود الدور الإيراني، فيما فتحت طهران علاقات مع سورية وحزب الله والمقاومة الفلسطينية زادت من الأوراق الإقليمية التي توظفها في صراعها مع الغرب من جهة، وفي معركة تثبيت نفسها كقوة إقليمية رائدة في الإقليم.

وفي مقابل دعم السعودية الكبير ماديا ومعنويا للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في حربه مع إيران ما بين عامي 1980 و1988. استطاعت إيران بناء علاقة قوية مع سورية منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، وصلت إلى شراكة استراتيجية في تسعينات القرن الماضي أثناء حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد وتواصلت في عهد وريثه الأسد الابن.

وعبر هذا التحالف استطاعت طهران الدخول إلى معادلة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال دعم حركة حزب الله في لبنان، واختراق المقاومة السنية ببناء تحالف مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.

واضطرت السعودية إلى تقديم تنازلات واضحة في اتفاق الطائف 1989 عندما وافقت في الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان بالسماح لحزب الله بمواصلة حمل السلاح واعتباره سلاحا لمقاومة إسرائيل، وحينها بدا واضحا أن السعودية وافقت على تفويض سوري في لبنان أكبر بكثير من السابق، وصب هذا التفويض في مصلحة إيران بدرجة كبيرة.

واستغلت إيران غضب المحافظين الجدد ولوبي "إسرائيل" في واشنطن على السعودية عقب تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2011 التي تبين أن أغلب منفذيها من السعوديين، وانشغال جورج بوش الابن في حروبه "الكونية" على الإرهاب، وقطعت مراحل مهمة في برنامجها النووي. كما وظفت انهيار حكم طالبان في أفغانستان لزيادة نفوذها.

لكن الجائزة الكبرى كانت بانتظار إيران مع إسقاط الرئيس صدام حسين، واضطرار واشنطن إلى "تسليم" العراق لقمة سائغة لطهران مقابل الخروج من مستنقع الحرب التي ثبت لاحقا بطلان أسبابها، فاستطاعت إيران التصرف بسرعة لسد حالة الفراغ عقب قوانين حل الجيش، واجتثاث البعث للتحكم عبر حلفائها وميليشياتها بمفاصل الحكم والقرار في بغداد.

"الربيع العربي" يلهب الصراع

وكشفت مواقف البلدين من ثورات "الربيع العربي" التباين الكبير في نظرة الطرفين للأحداث، وكيفية العمل لتوظيفها في معركة الزعامة الاقليمية.

فمواقف السعودية واضحة في رفض أي حراك جماهيري يمكن أن يؤدي إلى تغيرات سياسية مع أخذها بالحسبان أن نظامها ليس أفضل حالا من الأنظمة التي ثارت الشعوب عليها في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين، وربما يكون أسوأ بكثير في ملفات حقوق الإنسان، والحقوق السياسية.

وذهبت السعودية إلى التدخل عسكريا لوقف الحراك الشعبي في البحرين، تجنبا لانتقال الشرارة إلى المناطق الشرقية، وأمطرت السعوديين بمساعدات ومنح مالية مباشرة بنحو 40 مليار دولار، وخصصت عشرة أضعاف هذا المبلغ لمشروعات استثمارية، ودعم قطاع الأعمال.

وفي المقابل فإن الجمهورية الإسلامية انطلقت من أن الحراك هو تراجع كبير لـ "الشيطان الأكبر" خاصة أن الثورات بدأت في تونس ومصر، وأنها "صحوة إسلامية" تعد امتدادا للثورة الإسلامية في عام 1979، وانتصارا لمحور "الممانعة" والمقاومة.

ودعمت طهران بقوة الحراك في البحرين، وعندما وصل قطار التغيير إلى سوريا اعتبرت أن ما يجري هو مجرد مؤامرة على محور المقاومة، لكسر "الضلع" السوري.

وتطورت مقاربات الطرفين لحلول الأزمات المنبثقة عن الربيع العربي، فبعد فشل المبادرة الخليجية في احتواء الأزمة اليمنية، وسيطرة الحوثيين المدعومين من إيران، شكلت السعودية تحالفا عربيا، وبدأت حربا جوية تلاها تدخل بري في مسعى مزدوج الأهداف للقضاء على الحوثيين وقوات صالح، ووقف التمدد الإيراني في اليمن.

وفيما تلوح السعودية باستخدام القوة العسكرية لإسقاط الأسد، تكرر إيران أنها لن تتخلى عنه، وتنطلق السعودية من أن إسقاط النظام السوري الحالي سوف يفتح على انحسار الدور الإيراني في المنطقة، وبقاء حزب الله وحيدا في لبنان من دون حدود مفتوحة لدعمه، فيما تسعى طهران إلى الحفاظ على استثمارات سياسية واقتصادية عمرها عقود في سوريا ولبنان، سمحت لها بالدخول بقوة على خط الصراع العربي الإسرائيلي.

وواضح أن الظروف الدولية الحالية تساهم في تأجيج الصراع بين الطرفين وانتقاله إلى مرحلة جديدة ربما تكون أشد من المراحل السابقة. فبعد الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 تشعر إيران بفائض قوة، خاصة أن الاتفاق يفتح على رفع الحصار، وإبعاد شبح الانهيار الاقتصادي عنها، ويسهم في زيادة قدرتها على تمويل حروب إضافية بالوكالة، ودعم حلفائها.

ورغم التباين في تأثير التدخل الروسي في سوريا على دور إيران المستقبلي لجهة زيادته أو انحساره، تبدو طهران واثقة من تحالفها مع موسكو ومحور "الممانعة". فيما تجد السعودية ذاتها مضطرة لاشتقاق وتطوير سياسات جديدة تعوض عن القرار الاستراتيجي الأمريكي لإدارة باراك أوباما بالانسحاب من المنطقة التي تعيش على صفيح ساخن من اليمن إلى سوريا مرورا بالعراق وفلسطين والبحرين، من دون استثناء السعودية وإيران.

روسيا اليوم

حول الموقع

سام برس