بقلم / عبدالباري عطوان
تفجير الضاحية الجنوبية الانتحاري المزدوج فتنة ارهابية وحلقة من حلقات مخططات التفتيت الدموية التي بدأت بغزو العراق.. انه اختبار قاس آخر للبنانيين وصبرهم وحكمتهم فهل سيتجاوزونه؟

التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف مدنيين في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، عمل ارهابي مدان، ولا يمكن، بل لا يجب تبريره، او ربطه بأي اعمال اخرى، لان تداعياته خطيرة على ابناء جميع الطوائف الاسلامية دون استثناء.

نحن امام فتنة تهدف الى اذكاء سعير الاحقاد الطائفية، وترجمتها الى اعمال انتقام ثأرية، وبما يؤدي في نهاية المطاف الى حرف الانظار عن قضايا الامة المصيرية، واكمال مؤامرة تفتيتها، وتحويلها الى جيوب وامارات متقاتلة تذبح بعضها البعض.
***
ليس هناك اسهل من ارتداء حزام ناسف، او تفخيخ سيارة او دراجة نارية، وتفجير هذه العبوات القاتلة في مسجد، او فرن، او وسط حشد من المدنيين الابرياء، ولكن ما اصعب السيطرة على ردود الفعل الانتقامية، على هذا العمل الاجرامي، والانخراط في دوامة القتل، والقتل المضاد الدموية.
هذا المخطط الدموي جرى وضع تفاصيله في الغرف السوداء الامريكية، وبدأت اولى تطبيقاته بغزو العراق احتلاله، وتقسيمه على اسس طائفية وعرقية، وتهميش قطاع عريض من ابنائه، وبما يؤدي الى اغراقه والجوار العربي بحمام من الدم في نهاية المطاف.

نجح هذا المخطط في واحدة من اهم ثلاث بلدان عربية، ولهذا يجري نقله الى دول اخرى مثل ليبيا وسورية واليمن، ولن نفاجأ اذا ما انتقل الى مصر وتركيا وايران، ودول عربية واسلامية اخرى في المستقبل المنظور.
نعم.. نحن نؤمن بنظرية المؤامرة، ونملك الحق كل الحق في ذلك، ونحن الذين نكتوي بنيرانها منذ ان تصدينا لها في العراق، وادركنا اهداف الهجمة الامريكية في بداياتها التي اتخذت من غزو الكويت منصة للانطلاق في هذا المخطط الشيطاني، لتشمل دول عربية عديدة مثلما اسلفنا، وهل تتذكرون مسرحية اسلحة الدمار الشامل العراقية؟
لبنان بات يشكل الخاصرة الاقوى في هذه الامة في مواجهة الطائفية، ولهذا استهدف، وما زال يستهدف، بكل مشاريع الفتن، ولكن شعبه الذي اكتوى اكثر من غيره بنيران الحروب الاهلية، استطاع بوعيه ان يصمد في وجهها جميعا، ويتجاوزها الواحدة تلو الاخرى، ومرسخا قيم التسامح والتعايش والالتزام بأدب الخلاف واصوله، ورهاننا دائما على الحكماء من ابطال وقيادات المقاومة، الذين جعلوا من فلسطين بوصلتهم، وحرروا اراضيه من الاحتلال، وضربوا المثل في الصمود، واذلال جيش العدو الاسرائيلي وتحطيم اسطورته.
***
تفجير الضاحية هو احدث الاختبارات لهذه الارادة والصيغة المتميزة، والمشرفة، في محيط عربي واقليمي ملتهب، وليس هناك اي خيار آخر غير تجاوز هذه المحنة بالصبر وكظم الغيظ، والتمسك بالتعايش والتسامح، لان البدائل الاخرى التي يريدون جر لبنان اليها هي قمة الخطورة والدموية.
الادانات التي صدرت من مختلف انحاء العالم لهذا العمل الارهابي، وحالة التضامن غير المسبوقة مع ضحاياه من مختلف الطوائف، والاعراق، والوان الطيف السياسي العربي والعالمي، هي ابرز الادلة واقواها على درجات الوعي والتنبه بالمؤامرة المصيدة التي يريدون جر لبنان اليها، واغراقه في مستنقعها الدموي.

عزاؤنا الابرز والاهم ادراك الشعب اللبناني بكل طوائفه لهذه المؤامرة، هو الشعب الواعي والمثقف والمسؤول، ونحن على ثقة بأنه سيتجاوزها، وسيسموا فوق جراحه، ويقدم امن لبنان واستقراره وتعايشه على اي مصالح اخرى ضيقة، مثلما فعل دائما، فطوبى له، والله دره.
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس