سام برس/ بقلم بكر السباتين
تم مساء الأربعاء الموافق ٢ ديسمبر ٢٠١٥ الاحتفاء بالشاعر اليمني جميل مفرح في صالون الشاعرة مريم الصيفي بعمان، في أمسية أدبية تنوعت فيها الأجناس الأدبية التي قرأت، ما بين القصة القصيرة والشعر..

وأدار الجلسة الدكتور المبدع راشد العيسى الذي أثرى الأمسية بقراءاته النقدية العميقة للنصوص المقروءة.. وقد استهلها العيسى بتقديم نبذة قصيرة عن الشاعر اليمني الضيف (المفرح) الذي جاء إلى الأردن بعد مشاركته في مهرجان( أثير) في مسقط، بمشاركة أردنية تمثلت بالدكتور راشد العيسى وصلاح أبو لاوي وأحمد أبو سليم.. ويعمل الان نائبا لرئيس تحرير جريدة( الثورة) اليمنية.

وتخللت الأمسية عدة قراءات استهلها الشاعر الضيف (المفرح) بأربع قصائد اتخذت الطابع السوريالي وهي: يجمعنا الماء، ليس حتى،يا شعر، السراب.. وتمتاز قصائد المفرح بكثافة الصور الشعرية والخيال المعربد الذي وصفه راشد العيسى بجني الشعر، وكان الشاعر قادرا على التلاعب باللغة كجني يخرج المعنى من طلاسم الوهم بالموسيقا الفطرية، فلا يخرج الشاعر من غيبوبة البوح إلا بعد استحضار رؤيته المحفوفة بالصور الشعرية المدهشة.

حيث وصف الشاعر القلق الإنساني في أجواء الحروب بطريقة صادمة، ورغم ذلك كان الماء ًوزرقة البحر مبعثين للأمل. والحالة هذه تكررت في قصيدة (نشيج العاصفة) التي قرأها الشاعر جميل أبو صبيح، إذ طاف بنا في أجواء سوريالية مليئة بالصور الشعرية المدهشة وخاصة حينما وصف القاذفات الحربية وهي تلهب أجواء المدينة بالموت الأحمر الذي تلونت به الغيوم؛ حتى انكتمت أنفاس الموسيقى الجوانية ( كما أوضح الشاعر ردا على تساؤلات صلاح أبو لاوي)، ورغم ذلك تبقى شجرة الحور مشرئبة إلى السماء كي يتسلقها العاشق المتعب، ليلتقي محبوبته التي أنهكها الانتظار، وهي مصلوبة بالخوف أمام نافذة الانتظار..

وقدم راشد العيسى شهادته عن تجربة أبو صبيح واصفا شعره بالعالمي لعمق المشهدية في لوحاته الشعرية.
وكان الشاعر سعد الدين شاهين قد أمتع الحضور برائعته (ورد) التي تتحدث عن الغياب الأبدي للطغل (ورد) ابن عجلون الذي فقد في ظروف غامضة.. وقد تم إهمال قضيته بعد يأس، فوصف الشاعر حال (ورد) بسقوط النبي يوسف غدرا على يد اخوته في الجب العميق؛ ليحرض المشاعر على احتوائه في ضمائرنا. القصيدة كما وصفها رئيس الجلسة مليئة بالصور الشعرية التي عبر من خلالها الشاعر عن عاطفته الجياشة في بعدها الإنساني، وقد تناص الشاعر في قصيدته مع القران الكريم في صورة يوسف لوجه الشبه بين غياب يوسف الذي انتهى به المطاف ليستأمن على خزائن مصر، وغياب الطفل ورد؛ على أمل أن يعود.

أما الشاعرة مريم الصيفي فقد قرأت على الحضور قصيدتها العموديةأشرقت) وهي رثائية مؤثرة في الشهيدة الفلسطينية أشرقت قطناني، والتي عبرت فيها الشاعرة بملئ عاطفتها الجياشة عن بطولتها المتفردة في بعدها الإنساني.. وكانت ذات العاطفة قد تفجرت في قصيدة(أسماء) التي قرأها الشاعر صلاح أبو لاوي، راثياً فيها والدته التي وصفها بالوجه اليوسفي المغتسل بالدعاء..

وهي قصيدة من الشعر الحر، كتبها على البحر المتقارب، ثم قرأ الشاعر العراقي محمد ناصيف الذي حصل على عضوية رابطة الكتاب الأردنيين مؤخراً، قصيدة عامودية كتبت على البحر الوافر بعنوان (معلمتي) وصف فيها حالة الشاعر الذي جاء يشكو معلمة ابنته ليذوب في هواها من أول نظرة..

وقد عبر عن هذه العلاقة البريئة بعاطفة صادقة طافت الموسيقا الخارجة والداخلية بالصور الشعرية المعبرة ليقف المتلقي على عمق هذه العلاقة الإنسانية العابرة.. أما الشاعر عيد النسور فقد أدهش الحضور بقصيدته التي ألقاها من معين ذاكرته متذوقاً حروفها التي تكونت منها الصور الشعرية المدهشة ليصف كيف يكون الغزل سياسياً. وكانت خاتمة الأمسية في سياقها الشعري مسكاً، حينما عربد جني الشعر في غياهب الخيال المجنح؛ ليرسم الدهشة في عيون الحاضرين، حين ألقى الشاعر الفذ راشد العيسى قصيدته الجديدة بطلب من الحضور(تعاطيت المكان).

وفي سياق القصة القصيرة جداً.. كانت هناك بعض القراءات التجريبية التي استهلها الروائي بكر السباتين بقصتين موفتين هما:الموت وحيدا، القط والحاوية. وقرأ القاص عبد الرحيم العدم قصته الموفقة سبعة وسبعة، ومحاولته الجميلة (المشهد الصباحي). ثم المحاولة الجميلة للشاعرة منتهى السفاريني التي أحيت فينا الوجع الفلسطيني من خلال تفاعل البطل ياسين مع مذبحة دير ياسين الفلسطينية الشهيرة..
الأمسية كانت ناجحة وقد أثراها الدكتور راشد العيسى بملاحظاته التي تنم عن مقتدر يمتلك أدواته ومبدع يحسن العوم في بحر الخيال.

كل الشكر لصاحبة هذا الصالون الذي تجاوز عمره السابعة والعشرين عاماً، وهو يثري المشهد الثقافي العربي بعطائه النوعي في مجالات الشعر والقصة والنقد، الشاعرة الكبيرة مريم الصيفي، وقد شارك فيه عبر مسيرته الطويلة نخب عربية وأجنبية، بإدارة قامات فكرية ونقدية، أدارت الصالون بدءاً بالأستاذين د. سمرين، د. الوحش، وصولا إلى الدكتور راشد العيسى. داعيا المؤسسات الثقافية لدعم توثيق هذا المشروع الضخم كي يبقى حياً في ذاكرة الأجيال كواحد من أعرق الصالونات الأدبية في العالم.

حول الموقع

سام برس