بقلم/د. فوزي ناجي
على الرغم من التطابق الكبير بين الديانات الابراهيمية الثلاث اليهودية و المسيحية و الإسلام التي تدعوا جميعها للمحبة و نشر العدل و السلام بين البشر كافة الا ان هناك من بين معتنقيها من يسعى و بشكل ممنهج لتصوير احداها كعدو يجب محاربته و الحد من نفوذه و مناطق سيطرته.

فما هي أوجه التشابه؟ و ما هي أسباب الخوف بين الأطراف الثلاثة؟
المبادئ المشتركة:
تتشارك الديانات السماوية الثلاثة بالمبادئ التالية:
الايمان بوجود الله سبحانه و تعالى.
الايمان بوجود الملائكة.
الايمان بوجود الكتب السماوية.
الايمان بوجود الأنبياء و الرسل.
الايمان بالحياة بعد الموت.
الايمان بوجود الجنة و جهنم.
تطالب جميع الأديان الابراهيمية بالعدل و المساواةبين أبناء البشر كافة دون أي استثناء. اذن يجب على انصار هذه الأديان البناء على ما يوحد و الابتعاد عن ما يفرق و عليهم ايضا بناء جسور المحبة و الاخاء بين البشر و تجنب استغلال الدين للحصول على مكاسب سياسية.

هناك العديد من الادباء و الشعراء الغربيين الذين حاولوا التقريب بين الشرق و الغرب. في هذا السياق اود ان اذكر ما قاله الشاعر الألماني الشهير يوهان فولفجانج فون جوته (1749 – 1832) قبل حوالي مئتي عام بانه إذا كان الإسلام يعني اطاعةالله فإننا جميعا نعيش و نموت في الإسلام.

كما ان مسرحيةجوتهولد افرامليسينج (1729 – 1781) بعنوانناتان الحكيم التي كتبها عام 1779 و عرضت أيضا في السنوات الأخيرة على خشبة المسرح في عدة مدن المانية كما عرضت قبل اكثر من عشرة سنوات في كل من مسرح رام الله و تل ابيب تشكل دعوة للتقارب بين الديانات الابراهيمية و جسرا للتواصل بين معتنقيها.

أسباب الخوف:

تتخوف الأجنحة اليمينية في المجتمعات الغربية ذات الأغلبية المسيحية و الأقلية اليهودية من سيطرة الإسلام على الغرب العلماني الذي تبنى نظرية فصل الدين عن الدولة. كما ترفض صبغ المجتمعات الغربية بالطابع الإسلامي الذي يتبناه بعض أبناء الجاليات الإسلامية الذين يرفضون العلمانية حيث تعتبر في نظرهم احدى نتائج تخلي الغرب عن الدين و المبادئ السماوية مما سبب استغلال التطور التكنولوجي الغربي في الحروب الاستعمارية و اضطهاد الشعوب.

اما اليسار الغربي الذي يناهض العنصرية و يدعم عملية دمج الأجانب في المجتمعات الغربية و احترام حقوقهم كباقي المواطنين فانه يطالبهم باحترام القوانين الغربية التي تتضمن احترام حقوق الشواذ جنسيا من الرجال و النساء. كما ينشغل بنقاش ارتداء الحجاب للمرأة المسلمة و أمور ثانوية تتناقض مع مبادئ الديمقراطية التي تطالب باحترام حقوق المرأة و لكن البعض يريد ان يحدد الملابس التي يجب عليها ان ترتديها.

فلماذا لا تترك للمرأة المسلمة حرية اختيار الملابس التي تنسجم مع معتقداتها و يطالب بها دينها؟

بعض الكتاب الغربيين يرون بانهمن الضروري الفصل بين الإرهاب و الإسلام، و يطالبون من يسعى لجعل الإسلام عدوا ان يتخلى عن ذلك لأن الخطر لا يأتي من الاسلام كدين و انما من الإرهاب الذي لا دين له. يرى ياكوباوغشتاين بان الأوروبيين يجب ان يثبتوا بان تصرفاتهم بعد الأعمال الإرهابية في اوروبا اكثرذكاء من ردة فعل الأمريكان بعد احداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001.و قد اكد اوغشتاين بان الإرهاب ليس مشكلة حربية و انما من الممكن ان يكون مشكلة ثقافية، دينية، إجرامية او مخابراتية، و يمكن الانتصار على الإرهاب بسلاح واحد فقط هو سلاح الكلمة.

ان الأخوين زارنايف منفذي العمليات الإرهابية في مدينة بوسطن الأمريكية عاشا و ترعرعا في الولايات المتحدة الأمريكية. كما ان اندرسبرايفيك منفذ العملية الإرهابية في جزيرة يوتاوا النرويجية بتاريخ 22 يوليو/ تموز 2011 هو نرويجي الجنسية. و على الرغم من ان منفذي العمليات الإرهابية في باريس بتاريخ 7 يناير كانون الثاني و بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام هم من أصول عربية و إسلامية الا انهم ولدوا و عاشوا طيلة حياتهم في فرنسا و بلجيكا. أي ان الإرهاب اصبح مشكلة أوروبية تشير الى خلل في المجتمعات الغربية تحتاج لبحث جذورها و دوافعها من اجل التمكن من إيجاد الحل الصحيح لها.

هناك من السياسيين الغربيين من يستغل الخوف من الإسلام في دعايته الانتخابية للوصول الى سدة الحكم في بلده كما يفعل المرشح الرئاسي الجمهوري دونالدترامب في الولايات المتحدة الأمريكية و زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية مارين لوبين في فرنسا.

منذ سنوات تدور نقاشات حادة في الوسطين السياسي و الشعبي في المانيا بخصوص الإسلام و هل يعتبر جزءا من المانيا ام لا. بينما ترى الكاتبة الألمانية مونيكا مارون بان هذا يجب ان يقرره المسلمون الذين يعيشون في المانيا لمعرفة متى تقبلهم لنظام الحكم الألمانيو احترامهم للعادات و التقاليد الغربية.

برنارد لويس الذي يرى بان المسيحية و الإسلام تتصارعان على السلطة و النفوذ يعترف بان محاولات الغرب لتغريب الشرق الأوسط أدت الى تفتيته و تقسيمه و فقدان شعوبه لهويتهم الأصلية. فبدلا من ان يبقوا مواطنين لدولة إسلامية عظمى عمرها الف عام اصبحوا مواطنين لمناطق محميات غربية ثم بعد ذلك مواطنين لدول حديثة تم اعادتها للحياة بأسماء اصطناعية.

لقد اشار صمويل هانتنغتون في كتابه صراع الحضارات بان ابتعاد الغرب عن الدين هو ما يقلق المسلمين و ليس الدين المسيحي، كما انه اثناء الحرب الباردة كانت الشيوعية عدوا للغرب اما بعد الحرب الباردة فقد اصبح الغرب الذي انفصل عن الدين يعتبر عدوا من قبل المسلمين.
فرانسيس فوكوياما يرى بان التطور الصناعي مع انحلال القيم و الأخلاق يلحق الضرر بالبشر، إذ ان الإنسانية و منذ هيروشيما تعيش في ظل اخطر انتاج صناعي و هو القنبلة النووية.

جاريكايشينجدو الباحث في جامعة هارفارد الأمريكية أشار في البحث الذي نشره عام 2011 الى ان السياسة الغربية في الشرق الأوسط تهدف الى:
أولا: السيطرة على المصادر الطبيعية البترول و الغاز و المياه في العالم العربي.
ثانيا: بيع الأسلحة لحلفاء الغرب للقيام بحروب في المنطقة بالإنابة عنه.
ثالثا: الحصول على مشاريع ضخمة لإعادة اعمار البنية التحتية التي دمرتها الأسلحة المشتراة من الغرب.

اوليفر روي يعتبر الإسلام الراديكالي كجزء و إرث لحركة حديثة تدافع عن مصالح العالم الثالث ضد السياسة الأمريكية، ليس لها علاقة بالإسلام و انما ترتبط بالقومية العربية.

اما ارنولد هوتينجر فقد ارجع بذور الراديكالية الإسلامية الى احتلال العراق عام 2003 و سياسة جورج بوش الابن.
جون اسبوزيتواكد الدور المهم للإسلام في تحمله الأعباء المترتبة عن القيام بمقاومة الاستعمار الغربي.

ان دفاع البابا فرانسيس و رؤساء الكنائس المسيحية المختلفة و رؤساء الجاليات اليهودية في الغرب عن الدين الإسلامي و المعارضة القوية التي ابدوها ضد الحركات العنصرية و تصرفاتهم التي تسيء للإسلام و المسلمين يدحض نظرية صراع الأديان و يشير الى ان التناقضات بين الغرب و العالم العربي و الإسلامي ليس دينيا و انما صراع مصالح و نفوذ.

في هذا السياق فان الدين هو العربة التي تركبها الأطراف المتصارعة و تقودها في اتجاهات متعاكسة مما يسبب التصادم.
*أكاديمي فلسطيني مقيم في المانيا
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس