بقلم / ريم خليفة
“فادو” هو لون غنائي برتغالي، يرجع ظهوره الى اوائل القرن التاسع عشر. وفادو تعني بالبرتغالية ( القدر والمصير) وصاحبت هذه الاغاني لونا من الشجن الحزين .اذ كانت اغاني الطبقات الفقيرة والمعدمة في حي “فاما” في لشبونة. وهي غالبا ما غنت عن الحب والوطن وعن هموم الناس اليومية، فكانت خيار الفقراء والمناضلين من اجل الحرية خاصة وانها حملت طابعا متميزا مع ثورة القرنفل في ابريل/ نيسان بالعام 1974.
ويلخص مفهوم المعاناة في فادو الذي نشأ بالعام 1820، بان هذا اللون من الغناء، دائم الذكر للفقر والبحر والحب ولكن هذا لايعني ان فادو لا تتكلم عن مواضيع اخرى.الا ان هذا اللون من الغناء تطور مع تطور المجتمع البرتغالي اجتماعيا وسياسيا ،اذ تاثرت موسيقى فادو بالافارقة الزنوج وبالموسيقى العربية الاندلسية المتاثرة بالطابع الاسباني . هكذا كانت فادو وهكذا تطورت متاثرة بجمع من الثقافات التي سكنت وعاشت في البيئة البرتغالية حتى اصبحت بمرور الوقت غناء الطبقات الشعبية.

هذا الغناء الذي جمع الناس لقضايا معينة وعبر العزف على الة الجيتار البرتغالية الصغيرة والتجاوب تارة بالتصفيق وتارة اخرى بالنحنحة. بدا اليوم ينتشر عالميا وحتى عربيا ، ليصل الى منطقة الخليج عبر المهرجانات الثقافية المختلفة ،كان اخرها امس الاول ( الجمعة ) في البحرين، اذ اقيم على وقع اجواء احياء المنامة القديمة حفلا لفادو ، الذي ذهبت فيه المغنية تشدو طوال الامسية، بحكايات الحنين ،عن وطنها البرتغال وسط منزل بحريني قديم تحول اليوم الى مركز ثقافي ونقطة ضوء. وايضا بحنين اخر للمنامة ، دغدغ ذكريات اهلها عن الحب والوطن من ” فريج العوضية وصولا الى فريج راس الرمان” من الطبقات المختلقة والتعددية في احيائها وفرجانها.

واليوم تعتبر فادو لشبونة ” سوداد” التي تعني بالبرتغالية ” الحنين” جزءا لا يتجزا من التراث البرتغالي الذي يحكي تاريخ البرتغال والثورات التي عايشتها وعلى راسها ثورة القرنفل التي وضعت فيها ازهار القرنفل في فوهات بنادق الجنود حتى كانت الاكثر سلمية على مر تاريخ البرتغال ودول الجوار الاوروبي، ضد الحكم الديكتاتوري لسالزار التي حدثت قبل اربعين عاما.وهو ذاته تكرر مع مطلع العام 2011 في ثورات الربيع العربي .وما افتقدته البرتغال في الماضي هو ما تفتقده المنطقة العربية حاليا وايضا التي لا تحظى بدعم حقيقي من الغرب لإفراز الديمقراطية الليبرالية على غرار البرتغال، إلى جانب أنها مازالت تعيش صراعاً بين من يطالب بالديمقراطية وأخر يعارضها لصالح الديكتاتورية التي تفرِّق المجتمعات لصالح الهيمنة على السلطة.

البرتغال كانت بعيدة في يوم عن تحولات ديمقراطية وحتى بوجود طبقة وسطى كبيرة لنيل مكاسب الثورة، فيما بدا الجيش، الذي تولى السلطة بعد سقوط النظام الديكتاتوري، ضائعاً لكن وعلى رغم ذلك، فإنه بعد بضع سنوات، خرج هذا البلد بحلة مختلفة، انضم لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي ليصبح واحداً من أكثر الديمقراطيات ليبرالية في العالم.

ان كان ” فادو ” اسلوبا ولونا يحاكي حكايا إنسان ومعاناة وطن، فهو دون شك سيظل لونا غنائيا له هيبة عند جمهور يفضل الإصغاء والاستماع الى الحكاية والعظة التي يراد منها.

وللبرتغال حكايات كثر قد نستفيد منها خليجيا وعربيا ونتعلم منها ومن فادو التي كانت صوت الفقراء والثوار في شوارع لشبونة و أغاني البحارة الحزينة . و مهما كان مصدر فادو فلقد التزمت مواضيع القدر، الخيانة ،اليأس و الموت، الحب والوطن وهي تروي الحكاية تلو الحكاية الاخرى على وقع موسيقى حزينة تبكي شجنا بحثا عن الحب والامان في وطن لايشعر اهله بالغربة…فكم حكاية بحرينية وعربية تكتظ في الماضي والحاضر لتقول ما تريد قوله لاجيال اليوم ؟…لربما نحتاج لفادو عربي او ربما اكثر من ذلك لنغني بطريقة شجن عربية تستنكر ما يحدث في المشهد العربي من تقلبات في المزاج السياسي منذ 2011 وحتى اليوم.
كاتبة وإعلامية بحرينية
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس