بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
الانسان ليس " آلة " ، مخلوق له عواطف وأشجان ، رغبات ونزوات ، امال وطموح ، ولذلك لابد من التواصل الإنساني الذي يُعتبر مورداً للحياة ووقوداً للمعنويات والشعور بالسعادة ، وتسخير جزء من الوقت كبرنامج حياة ، لزيارة الارحام والأصدقاء واللقاءات الإيجابية لاكتساب علاقات ومعارف جديدة ، اسقاطاً للواجب الديني والأخلاقي وترويحاً عن النفس وتقوية للأواصر الاسرية والنسيج الاجتماعي وعملاً بنهج الإباء والاجداد في المحافظة على قواعد وعادات وتقاليد واعراف سامية حافظة على تماسك وتوازن المجتمع اليمني وجعلت منا أمة عظيمة ويمناً سعيد.

فالحياة ليست عمل متواصل ، والانسان ليس مجرد " مكنة " معطلة العواطف والقيم ومبرمجة على اللهو بلاحدود ، لاسيما وان للبدن حق في الراحة والاسترخاء وللإنسان حق نحو اسرته وجيرانه وأصدقاءه ، ولابد من إرادة لضبط النفس وكبح النزوات قدر الإمكان والعودة بالذاكرة الى " الزمن الجميل" الذي جسد خلاصة الخلاصة للاستقرار النفسي ، واختزل البساطة والسعادة والقناعة في كافة المدن اليمنية رغم المعاناة وشظف العيش .

مازلنا نتذكر الأيام الخوالي في المدن والبوادي وفي مقدمتها العاصمة صنعاء حاضرة اليمن التي تشكل لوحة " فسيفساء " بديعة لجميع اليمنيين التواقين لروح التعايش والتسامح والتماسك بكثرة بساتينها واشجارها ومنتزهاتها وجبالها وسهولها ، ولازلنا نتذكر أبنائها كخلية نحل في البيوت والاعمال والمساجد والمجالس والأسواق والحقول وترتيل آيات الذكر الحكيم والتواشيح والموالد والمغارد والزوامل ، قبل ان تتحول الى كتل اسمنتية وعقول شاردة وقلوب ضيقة بعد ان كان الجامع الفريد لتلك اللوحة اليمنية الفريدة والترابط الاجتماعي العجيب التربية الصالحة والتعاليم القويمة المتشربة من روح روح الإسلام الحنيف وماتوارثناه من السجايا وماغرس فينا من مبادئ الصدق والايثار والوفاء والتراحم والقناعة التي أوجدت مجتمع جدير بالاحترام.

ومازال شريط الذكريات يتذكر المبادئ والسلوكيات السامية والسجايا النبيلة والصور الجميلة والمشاهد العجيبة في الحياة اليومية والليالي اللطيفة التي كان الفانوس والنوارة " القزازة " والشمعة عنواناً وبريقاً لتلك الفترة بما تضمنته من القصص والحكايات الطريفة والحكم والامثال والبسمات في كل بيت واسرة ومحل وشارع ، بعيداً عن الهموم والوحشة والتوحش والحالات النفسية والانزواء والانطواء نظراً لثقافة التعايش والتسامح آنذاك ..

مأن يدخل وقت النوم حتى يستعد الجميع لفجر يوم جديد يبدأ بصلاة الفجر وتناول الفطور من منتجات اليمن السعيد ومن ثم الانتشار في أرض الله الواسعة طلباً للرزق ، ومان يرفع اذان الظهر حتى تغلق المحلات التجارية أبوابها في كل أسواق اليمن ايماناً وبقناعة تامة وخارج اطار التطرف والتشدد وتمتلئ المساجد بالمصلين من الشيوخ والسباب والأطفال ومن ثم العودة كل الى منزله لتناول لغداء الظهيرة ومان يظهر ضيف اوغريب حتى يتسابق الناس الى ضيافته ، لاسيما في شهر رمضان الكريم ووصل التكافل الاجتماعي الى ذروته ، ومجرد عدم تصاعد الدخان من احد بيوت الجيران أو الإحساس بمرض أوموت يسارع الجيران الى اخراج جزء من الطعام للأسرة الأخرى وتقديم العون قدر الإمكان ومأن يغيب شخص عن صلاة الفجر حتى يسارع الجميع للسؤال عن حالته ووصله وهكذا في الافراح والاحزان وطلبة العلم ، في حين يموت القريب والجار عطشاً وجوعاً ومرضاً وغالباً مفارقة الحياة دون علم الجار المجاور له إلا بسماع صوت القران الذي حوله السواد الأعظم منا الى تراث وايذاناً بوفاة عزيز لنا.

ومن الطريف ان مجالس المقيل للزمن الجميل كانت اشبه بالصوالين الأدبية كان على رؤسهم الطير من حالة الهدوء والاجلال للكبار والمشاركة في الحديث والحذر من مقاطعة الكلام حتى تحولت تلك المجالس الى منابر للعلم والادب والشعر والتاريخ والثقافة والفكر الإنساني .. وما ان يسافر شخص الى عدن اوتعز اوالحديدة أومكة ، الا وزاد الحنين والشوق والسؤال عنه ومجر عودته يسارع الجيران لاستقباله وتهنئته ومجابرته بسلامة عودته ، وما ان يقدم شخص على فعل عمل مشين حتى يسارع الجميع الى نصحة حتى لوادى الامر الى مقاطعته رغم وجود الدولة .

فهل آن الأوان لمراجعة النفس والعودة قدر الإمكان الى الزمن الجميل والاستفادة من سجايا الماضي الفريد ونعمة الحاضر بإفراد مساحة للتواصل الإنساني لنكون خير أمة ؟.. املنا كبير .
Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس