سام برس
5 فصول بين السرد والشعر وبأسلوب أدبي رائع عكس فيه بساطة الكلمات وعمق الأفكار
يوسف غانم
أن أكتب، يعني ان اجعل قلبي غيمة تمطر على جروحي بردا وسلاما، أو تحمل عني تعب الأيام وعتبها وغضبها، وجعها وقسوتها، والفرح الممطر مثل شهد الكلمات.

أن أكتب، يعني أن أحيا كل يوم مرتين: مرة حين ينسكب الحبر الأبيض النقي فتقيم الأفكار. أعراسها، ومرة حين يهيم المعنى في الروح فتعلة وتعلة حتى تنال رضا السماء.

بهذه الكلمات قدم الكاتب اللبناني نضال محمد الحاج علي لكتابه الجديد «عذراء أيلول» في طبعته الأولى الصادرة عن دار الفارابي للنشر في بيروت، والذي رسم فيه خلاصة من تجربة حياة بحلوها ومرها بالشغف الدائر فيها كراقصة جذلى، او بالوجع الحائر كيف يجرعنا الأرق في الليالي، باللهفة التي يرسمها حضور امرأة على محيانا، أو بالفرحة التي يغزلها بين أيدينا طفل شقي، أو يزرعها على دروب العمر صديق وفي.

وقد جمع الحاج علي بين طيات كتابه الذي يقع في خمسة فصول بين السرد والشعر وبأسلوب أدبي رائع عكس فيه بساطة الكلمات وعمق الأفكار لينتج لنا من بستان كلماته رحيقا صافيا سهل المنال.

وكان الفصل الأول: حروفك نبض للعشق.. محاورة جميلة بين (هي) و(هو).. هو الذي لا يريد من أوراقه سوى جمع دموعه في مكان واحد، ويحب ان يرى حجم الندم الذي سبقت نفسه اليه، الذي لن يمنع عينيه من النظر الى جروحه، ولن يمنع روحه - وهو يغادرها - (من الاعتذار كل يوم وكل ليلة منك أنت.. أنت التي مازلت أكبر مني، وأعظم من كلماتي، وأطول من نخلة أحزاني، وأعمق - آلاف المرات - من بحر دموعي).

لترد (هي): هل تراك تذكرت مرة واحدة حماستنا الكبيرة لأن نغامر ونسافر؟ نرقص ونشرب الدنيا كخمر، ونمارس طقوس حياتنا كما نشاء، في كل شبر من هذا الكون؟.. كنا من عمق الحب وعنفوانه وغضبه قد توهمنا ذات مرة أننا سنكون أول عاشقين يفتحان نافذة الى السماء، ونمشي فوق القمر، فوق الزهرة، فوق كل أجرام الكون التي يفتحها العلم.

فلنأت معا، أنا وأنت، ونغطي كل ذرة منها بالحب، حتى يجد العشاق في كل زمان ومكان الجرأة على الزيارة والاكتشاف والمحبة.

فيقول (هو): نعم يومها مددت يدك وقلبك وقلت: (أحبك)، واختلط نورك بنور السماء.. لتستمر المحاورة الى ان يكون (هو) محطتها الأخيرة وتكون (هي) آخر المحطات.

وفي الفصل الثاني (دردشة مع قاتلي) يقول الحاج علي:

أيها القاتل الصامت..

كفاك تعذيبا لجسدي

فوالله لن تهزمني !

كفاك تمزيقا لأنفاسي

قلت لك لن أستسلم!

والفصل الثالث (خربشات عاشق من عالم آخر)

جمع فيه الكاتب عددا من الخواطر الجميلة والمتنوعة ما بين الاشتياق الى الحب والعشق، مع تساؤلات مشروعة لمشاعر لم تتغير مع دعوة ليعيش الحب بصمته، واعتراف مع طلب الانتظار، وكف التعذيب لحياته، فـ (أنت هي أنت) الى (ألف تحية لك) للوصول الى اعلان الهزيمة.

ويقول الحاج علي في (ألم أقل لك؟):

أنت يا من تسبح في بحر نفسك

ألم أقل لك ابق على الشاطئ كي لاتغرق؟

ألم أقل لك لا تصغ الى المدعين واستيقظ من غفوتك؟

ألم أقل لك لا تذهب بعيدا في الصراخ

ولا تتبجح وتنفخ في بوق غيرك

وابق على بر الأمان؟

ها أنت تقتل نفسك في اليوم عدة مرات

تشرب القهوة كمن ينتحر

تخسر ذاتك كمن يقامر

ولا تسأل: أولئك الذين كانوا ابواقا حولك

أين هم الآن؟

ليأتي الفصل الرابع بإبداعاته (عذراء أيلول)، والذي ما أن تبدأ فيه الا ويتملكك شعور حب الاستمرار الى النهاية، لتصل الى الفصل الخامس والأخير (تغريدات وطنية).. رسالة الى بيروت، صاحبة الوجه الحزين، سيدة البحار والسماء الزرقاء.

بيروت الأنثى التي تمنح الخصب وتعطينا الفصول

هي الحرية والرمز

هي الأرز

وهي هدية الرحمن ودرة الشطآن..

أيها العالم.. بيروت لا تطلب منك شيئا، كل ما تطلبه أن تحبها، ولو قليلا.

حول الموقع

سام برس