عبد المجيد التركي
المساء الذي لم يعد شقياً كما كان..
المساء الذي يريد أن يلبس جلباب التقوى..
المساء الذي يغيِّر جلدَه كأفعى جريحة..
المساء الذي ينهضُ كميِّتٍ ينفضُ الترابَ عن بقايا عظامه..
هو نفسه ذلك المساء الذي أشعلتُ فيه قصيدة أتدفأ بها من زمهرير الكآبة،
وأتَّقي بها ذكرياتٍ وأكفاناً منشورة على حبلِ غسيلٍ طويل..
هو نفسه ذلك المساء الذي هجَمَ عليَّ راكباً سيارة مجنونة
وأنا أغسل قدميَّ الصغيرتين بمياه السماء الطازج..
أمدُّ يدي إلى شاشة اللاب توب لأقنع نفسي أنني أمسحُ عنها الغبار فقط،
هل أتعامل معك في اللاوعي على أنكِ لستِ أكثر من غبار!!
أقفل الصورة بسرعة كما لو أنها لأحد قتلى سراييفو
الذين كانت تفوح منهم رائحة العطور الفرنسية!!
حسب ما كان يؤكد لنا خطيب المسجد.
أيُّ جدوى لرائحة العطر حين تنبعث من جثة متفسِّخة!!
ما أقسى أن تتحدَّث وأنت تتوهَّم أن هناك من يصغي إليك.
كجنديٍّ يحدِّث نفسه بالخروج من حقل ألغام
ويتوسَّل بآلهة لم يتَّصل بهم من قبل!!
كغريقٍ يرى الشمس من تحت الماء ويمدُّ لها يده التي كانت تـُطبق على فمه كي يتوقف عن الثرثرة.
كإمامٍ يـُصلِّي بالفراغ رغم خشوعه الذي يكاد يقتله..
كسمكةٍ تلفظ آخر أنفاسها وتتوسَّلُ الصياد أن يخرج السنارة من فمها كي تقول أمنيتها الأخيرة.
بي من الضيق ما يكفي لإغراق باخرة..
سأضع شريطاً لاصقاً على فمي كي لا أقول شيئاً..
كما لو أنني في اعتصام لنقابة الصحفيين أو نقابة الفلاحين لا فرق، المهم اعتصام..
ليت أن الكهرباء تنقطع الآن كي لا أكتب حرفاً..أفكر بالصعود إلى السطح لأصرخ كأنَّ لصاً في المنزل..
أحسدُ الذئبَ الذي يتسكَّعُ في الغابة ويعوي ليستأنسَ بصوته كلَّما شعر بالوحشة..
سأصرخ في الصباح،ولن أنسى أن أفتح زجاجَ السيارة كي ألفت نظر واحدٍ من المارة لأهمية هذا العمل..

حول الموقع

سام برس