زهرة مرعي
لا نبالغ في القول بأنه مع حلول الساعة الخامسة من مساء الاربعاء كانت كافة العيون العربية بأقل تقدير شاخصة إلى مصر، لمعرفة خريطة المستقبل التي بشرت بها قيادة القوات المسلحة. فبعد خطاب منتصف الليل للرئيس محمد مرسي والذي اثيرت حوله الكثير من علامات الاستفهام، كان السيل قد بلغ الزبى. خطاب هدد فيه الشعب: ‘الشرعية أو الفوضى والدم’. خطاب استل فيه سيف الشرعية 50 مرة بالتمام والكمال حسب الاحصاءات. وبعده بات واضحاً أن الجيش سيكون أمام حل البتر. وبعد ساعات من التسمر أمام الشاشات خرجت خريطة المستقبل التي وعدت بها قيادة الجيش المصري إلى العلن. تعطيل العمل بالدستور، ورئيس المحكمة الدستورية العليا يدير شؤون البلاد مؤقتاً. وهكذا بات مرسي رئيساً معزولاً.
ما أن نطق قائد الجيش ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بهذه الجملة حتى اشتعل ميدان التحرير بالهتاف. وزينت السماء الألعاب النارية. أما على الشاشات فكان وقع خريطة المستقبل متفاوتاً. في قناة اليوم وفي برنامج ‘القاهرة اليوم’ حيث كان عمرو اديب يصول ويجول منذ ايام هاتفاً بتأييد تمرد، سالت الدموع. بكى صحب عمرو اديب وضيوفه من شدة التأثر. أما عمرو بذات ‘نفسو’ فكان له موقفه الاستعراضي الجميل. التحف بالعلم المصري، وقال فيه شعراً غزلياً لم يقله جميل ببثينة. أما زميله في قناة اليوم فخرج عن طوره. فقد قال أحدهما دون سابق انذار: بعد اليوم مش حسمع حد يقول طز بمصر! وأردف: طز باللي بيقول طز بمصر! الانفعال في هكذا لحظة وطنية ممكن ومشروع، إنما لماذا الخروج عن آداب الاطلالة على المشاهدين في كل الوطن العربي؟
في المشهد التلفزيوني التالي مباشرة للحظة التاريخية في حياة مصر، كان أحد الناطقين باسم الاخوان ومن على شاشة العربية يقول معلقاً: هنيئاً للقوى اليسارية والليبرالية بعودة الحكم العسكري لمصر. أما شاشة العربية فكانت ‘منورة’ بالمفرقعات التي اطلقت على مدى زمني طويل في ميدان التحرير. أما حال الجزيرة فكان ‘مش ولا بد’. وجاء التعليق: فرحة عارمة في الاتحادية والتحرير. وغضب عارم في رابعة العدوية. أما التالي فهو: كانت الجزيرة أول من بث عاجلاً: انقطع بث قناة مصر 25 الناطقة باسم الجماعة الاسلامية بعد بيان قيادة الجيش. وهذا العاجل تلاه عاجل آخر للتأكيد: الجيش المصري يعزل الرئيس محمد مرسي.
لم تمض لحظات حتى دخلت الجزيرة إلى صفحة الرئيس مرسي على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيه كرر معزوفته عن الشرعية ودفاعه عنها حتى الموت. أما مراسل الجزيرة من القاهرة فكان يقول بفم ملآن: بعد بيان مرسي ورفضه للانقلاب العسكري لا يمكن أن نقول أن مؤسسة الرئاسة لم تعد موجودة.. فالقانونيون يقولون بدستورية القرار من عدمه. لم يطل الزمن طويلاً بعيد منتصف حتى عتمت شاشة الجزيرة مباشر على أرض مصر. وتبعتها الجزيرة ‘بذات نفسا’ إلى التعتيم. تماماً كما عتمت كافة الشاشات الدينية التحريضية التي ارهقت البشر متاجرة بالدين. والتي كان لها أمجادها في بث الفرقة بين المسلمين، ومعاداة اخوتهم في الوطنية الاقباط.
وفي المشهد المرئي الذي تقاطع طيلة الزمن التالي لبيان قيادة الجيش توالى على الكلام كل من شاركوا القيادة العسكرية في بحثها لشؤون البلاد. كان للجميع كلمته من رؤساء الطوائف إلى السياسيين، إلى ‘تمرد’. وكان للمرأة صوتها المميز من خلال الكاتبة الصحفية الرمز سكينة فؤاد.
إذاً هو النيل البشري الجارف في ساحات مصر كل مصر. مشاهد مهيبة توالت منذ 30 يونيو في ساحات التحرير والاتحادية، وبور سعيد، والاسكندرية والمنصورة ووباقي المحافظات. حشود لم يشهد لها تاريخ العالم الحديث مثيلاً قررت تغيير وجه مصر، وإعادته إلى صورته البهية المشعة، بعيداً عن التفرقة والشحن الطائفي.
رابعة العدوية أصل وفصل
بحثت قناة الجديد في تاريخ رابعة العدوية لتصل إلى تحديد أصلها وفصلها. فرابعة العدوية اسم يتكرر على الساحة المصرية منذ عشية 30 يونيو ويتصدر الشاشات التلفزيونية. إلى ساحة رابعة العدوية لجأ مؤيدو الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ليحشدوا جمهورهم، في مقابل جمهور تمرد. من هذا التحقيق بلغنا أن لرابعة العدوية مسجد يعرف باسمها في المحلة نفسها. أما عنوان التحقيق فكان مثيراً للغاية، وجاذباً كعمل مهني: رابعة العدوية من الملهى إلى التصوف. وفي سياق ما بلغنا أن رابعة العدوية وبعد تغيير طرأ على حياتها صارت مؤسسة مذهب العشق الإلهي. أحبت الله، وله شدت: أحبك حبين..حب الهوى.. ولأنك اهل لذلك. ورفضت الزواج.
وفي مسجد رابعة العدوية كذلك نزل الملاك جبريل لدعم مرسي كما قال الأخوان: أثبت اثبت يا مرسي. أحد أكبر وأهم مساجد القاهرة حوله مؤيدو مرسي لغير وظيفته الدينية. أما شيخ الأزهر فوجه دعوة للجميع لإبعاد المساجد عن الخطاب السياسي.
ليت جميع المسؤولين الدينيين يتمكنون من ابعاد كافة المساجد في الدول العربية عن الخطاب السياسي. فخطاب بعض المساجد لم يعد سياسياً وحسب، بل خطاب تحريض وتفتيت ودم.

زواج وولادة في ميادين مصر
أن يكون 33 مليون مصري ‘بحسب تقديرات المراقبين’ في الشارع منذ 30 حزيران يونيو، فهذا وحده كافٍ لتوليد ساعات بث تلفزيونية غنية ومثيرة. أن يكون في ميادين مصر هذا البحر الهائج من البشر، فنحن دون شك سنكون مع مئات الحكايات يصلنا منها عبر البث التلفزيوني ـ رغم تعدده ـ القليل القليل. تحاول قناة الميادين اثبات موضوعيتها الاعلامية في هذه المرحلة الدقيقة من حياة مصر. توزع شاشتها بين مختلف ميادين الحشد البشري. من ساحات القاهرة الموزعة بين جمهور الرئيس محمد مرسي، وبين جمهور ‘جبهة30 يونيو’. ولا تغيب تلك الشاشة مطلقاً عن الحدث المصري المحتشد في بقية المحافظات المصرية من الاسكندرية إلى أسيوط والصعيد وسواها.
ومن خلال شاشة الميادين الموزعة بين حال الشارع والحوار المباشر مع موالين ومناهضين للرئيس مرسي، استوقفت المذيعة ضيفها من مصر لتخبره بأن حراك الشارع يستدعي الاعتذار منه لبعض الوقت. والخبر مع الصورة جاء هذه المرة من الشاشة المركزة على جماهير رابعة العدوية. فجأة كبرت الشاشة لتكون مع هذا الحدث حده. فهناك وعلى المنصة انتصب عروسان. العروس منقبة. صاح أحدهم: الله وأكبر ولتحيا مصر.. احنا مش حزانى.. مش خايفين.. ومش مرعوبين..
أكيد هو يوجه كلامه للجيران في الشارع الآخر كي يسمع ‘النشرة النفسية والعصبية’ لشارع الاخوان. طلب من العريس أن ‘يشهر’ اسمه فكان عمر حسين آدم حسين من الصعيد. وطار الهتاف: الصعايدة وصلوا أهو. وكأنه بذلك يريد تخويف الشارع الآخر بالصعايدة. والحق يقال أنه تمّ ‘الاشهار’ باسم العروس لكني لم التقطه بالسرعة المطلوبة، فطار مني. المهم أن رابعة العدوية بكل ناسها والمتظاهرين في ساحتها عاشوا فرح عمر حسين آدم حسين. وفي المقابل، وقبل يوم من فرح رابعة العدوية كان ميدان التحرير يشهد ولادة طفلة. طفلة جنى عليها والدها وأسماها ‘تمرد’. وعندما أخبرت مذيعة قناة الميادين ضيفها من الاخوان بولادة في ميدان التحرير استنكر قائلاً: لا أدري كيف تمت الولادة في الميدان.. هو الخوف على صحة الأم ‘يعني’!
سلام الزعتري يضرب يميناً ويساراً
حلقة شي NN وان مان شو. قرر معد ومخرج ومقدم برنامج شي NN على قناة الجديد سلام الزعتري أن يضرب ذات اليمين وذات اليسار، معلناً أن برنامجه الساخر موجه للجميع.. ينتقد الجميع وصولاً ‘إلنا وللجديد.. بانتقادنا الساخر ندافع عن كل الحريات’. فعلى مدى نصف ساعة عصف سلام الزعتري بكل ما هو ‘مايل’ أي ـ أعوج ـ على الشاشات. وكان نصيب ‘الجديد’ القدر الأكبر من النقد. ففي وداع أمير قطر المتنازل عن العرش حمد بن جاسم آل ثاني كان للجديد ـ على ما بلغنا من سلام ولم نشاهد بأم العين ـ قصيدة زجلية من سبع دقائق بالإنجازات. وكان لهذه القصيدة وقعها في عين سلام الساخرة. لكنه قرر على طريقة مرغم أخاك ‘أوكي حسد بوزي’. فبين الجديد وقطر ـ عقد ود. وفي ضربته هذه كان لسلام أن يزور الكثير من الزملاء على الشاشات الزميلة. فقناة المنار سبقت دخول الجيش إلى مجمع الأسير كيف؟ ووزير الداخلية له ارشيفه ومعانقاته الودية الكثيرة للأسير في صيدا، كيف؟ أما مراسل الجديد إلى ساحات حرب صيدا مالك الشريف: متهور يكسدر بفرح أمام الرصاص، وزميلته في الأستوديو سمر أبو خليل تردعه.
جميعنا يحتاج إلى عين ناقدة موضوعية وغير متحاملة. بدون النقد تستمر مسيرة الخطأ الذي نظنه صواباً.
صحافية من لبنان
القدس العربي

حول الموقع

سام برس