بقلم / عبدالكريم المدي
إلى المؤمنين بقيم السلام وحقوق الإنسان وحقّ الشعوب بالسيادة والحياة الكريمة وحرية التنقُّل والسفر عملاً لا قولاً ، مبادئاً لا شعارات، فضلاً وجّهوا رادارات ضمائركم المعطّلة عن العمل باتجاه محافظات الحديدة وعدن وحجة وتعز في اليمن، وغزّة والضفة في فلسطين والموصل والفلوجة في العراق وسرت في ليبيا والرقة وحلب ودير الزور في سوريا ، ففي تلك المناطق ما يكفي من مشاهد تحبس أنفاس العالم وتوقف الأرض عن الدوران … هناك الملايين من البشر الذين قتلتهم وتقتلهم كل يوم مطرقة السعودية وسندان إيران ، عقالات العرب وعمائم الفرس ، وبإشراف ورعاية واستمتاع للآخر من قِبل أميركيا وغربها المنافق.

هل تعلمون إن الأطفال وكبار السن ومرضى الكلى والسكري وضغط الدم وضيق التنفس في مناطق تهامة وعدن وغيرها من مناطق اليمن، إذا لم يموتوا بسبب القصف والحصار السعودي، فإنهم يموتون فوق الأرصفة وفي الأكواخ والبيوت اختناقاً، مردّه الإرتفاع المخيف في درجة الحرارة التي تزيد فيها عن الـ (40) درجة مئوية ، وغني عن البيان القول في هذا السياق: إن التيار الكهربائي منقطع عن محافظة كالحديدة على سبيل الذكر، لا الحصر منذُ (16) شهراً . ولإبداء حُسن النية في التخفيف من هذه الكارثة والمأساة الإنسانية من طرف تحالف (الأشقاء في عاصفة الحزم ) فإنهم يقومون بمنع رسو السفن المحملة بالمازوت في ميناء الحديدة التي ، إن مُكِنت من تفريغ حمولاتها من هذه المادة الهامة ،كانت ستحل جزءا من المشكلة، حيثُ سيتمّ تموين المحطات الكهربائية بما تحتاجه من وقود، علّها تُنقذ ما تبقى من أرواح بشرية وطفولة ذبحها هذا الصمت العربي والدولي المخزي تجاه ملف الصراع اليمني/ اليمني.. واليمني / السعودي .

سنلتمس العذر للمرة الألف ونقول : ربّما أن العالم لم يعلم أو يطّلع بعد على حقيقة ما يجري في مناطق الصراع المفتعل والإرهاب المختلق والعدوان الخارجي الممنهج على هذه الأمة،سواء في اليمن ،أوغيرها من أقطار العروبة المستباحة من قِبل وكلاء الشر وحلفاء شياطين الجن والإنس، وإن عَلِم ،بمعاناة الإنسانية هنا وهناك ،فليس الذي يعلم كالذي يرى ويعيش المأساة بتفاصيلها، أو أنه من قبيل ذلك الشخص الذي يرى الجرح في رأسك ،لكنه لا يشعربالألم الذي تعانيه ، أو أنه يُريد لك هذا وما يحدث لك ، قد وافق هواه وحقق أمانيه .

صدقوني – وأنا الذي أعيش في اليمن – إن الشرعية الشكلية التي تُزايد السعودية بها وتتوكأ على عكّازها، مدعية العمل من أجل إعادتها هنا لا تساوي مأساة ليلة واحدة يقضيها طفلان في حرّشديد في أي مدينة أومنطقة حارّة كالحديدة أو عدن ، اللتين تُشوى فيهما الأجساد النحيلة للأطفال والمرضى وكبار السن .

وصدقوني إن عذابات ساعات معدودة يُقضيها أحد مرضى الفشل الكلوي في أحد مستشفيات مدينة الحديدة التي تحرقُ الشموع في أقسامها وطواريدها ما تبقي من رطوبة وأمل، هي جريمة بحق الإنسانية ،وزرها عند الله ربما أكبر من جرائم التعذيب والتطهير العرقي التي قام بها الصرب في البوسنة والهرسك مطلع التسعينات من القرن الماضي ..

وصدقوني إن إنقاذ الأسر التي تحترق بحرارة الجو والحصار في هذا البلد هي أغلى وأقدس وأشرف وأهم من أي شرعية، ومن إعادة ألف رئيس دولة لكرسي الحكم ، ومن تحقيق مصالح ألف مملكة وألف إمارة وألف إمبراطورية مالية وإعلامية ونفطية وغازية قامت أساسا على الظُلم والنفي والقتل، وفي حالة غفلة من الزمن ، أوكصدفة من صدف الحياة.

يا عالم ، لو تكرمتم ،من يقنع لنا السعودية وأميركا إن الملف اليمني لا يُمكن أن يُحل بالحرب ، وإن جماعة الحوثي ، لا يُمكن أن تُشكل خطرا على الخليج أو الشرق أو الغرب ، لأنها أصلا لن تحكم بمفردها ولن تستمر في القصر الجمهوري في صنعاء لوحدها ..!

بلغوا الولايات المتحدة الأميركية والغرب بما تقوم به صديقتهم اللدودة وحليفهم الأبرز ، عسى يقوموا بسحب دروسهم من عقول وأدراج وطاولات صانعي القرارهنا الذين لم يأخذوا منها إلا أسوأ الدروس والسلبيات ، أم الإيجابيات كالحرية والبحث العلمي والديمقراطية والمواطنة المتساوية، فلا محل لها من الإعراب عندهم..

قولوا لأميركا التي نفخت بالون ومنطاد نظام المملكة السعودية، بغازات منتهية الصلاحية أوغير مناسبة، أن تتصالح مع قيمها، إن كان لها قيم إنسانية وديمقراطية حقيقية، وتُبادر إلى تقديم النصح الجاد لهذا الحليف الأعوج، المغامر بإستقراره واستقرار المنطقة ،كي يكفّ عن معاندة الحقائق، وقتل وحصار اليمنين والسوريين وغيرهم ، ونتمنى بهذه المناسبة من السيد أوباما – وكتكفير عن أخطائه وسياسات دولته في منطقتنا منذُ عشرات السنين – أن يقول لأصدقائه stop ( قف) خاصة وأنهم يُحاولون ،منذُ فترة قريبة، لعب دور بلاده في غرز الصحراء التي يتربعون عليها ومحيطاها القريب بأوتاد من القش وأعواد الأراك شديدة النحافة ، وفي المقابل يطلون علينا من خلال منطق القوي ، المتبجّح ، الذي قال عنه أوباما نفسه ، أثناء ترشّحه في إطار الحزب الديمقراطي ،تمهيدا للانتخابات الرئاسية قبل ثمان سنوات: ( الولايات المتحدة الأميركية تُعاني من سياسة خارجية تتسم بالتبجُّح واستعراض العضلات )..
طيب لاحظوا معي وبقليل من التأمل: أليست هذه المعضلة والعور السياسي والقيمي الأميركي ، هو نفسه العور السعودي اليوم ، بل قُلّ العمى السعودي، الذي يبدو أنه أبتلع دروس العم سام إبتلاعا ولم يستوعبها استيعابا ،وهاهو اخذ يتعامل مع الآخرين وفقا لثقافة وطريقة البلع التي تطغى عليها وتُسيرها الغرائز، بدليل أن أميركا بكل جبروتها وعظمتها وقوتها ، قد بدأت قبل سنوات تتخلى عن التبجح ومنطق القوة الصلبة منتقلة للقوة الناعمة والوكلاء ، فيما السعودية لسّه داخلة السوق بكل عنفوان، وهذا يؤكد أن الأوآدم هنا، من أصحاب العقول الصغيرة ، والبطون الكبيرة، التي تظل عقولها مع تقدم العمر تصغر وبطونها تكبر.

تخيلوا لو أن استعراض القوة والتبجُّح السعودي وُجِه منه مثلا (5%) كمساهمة لدعم فصائل المقاومة في فلسطين وغيرها من أجل تطهير المنطقة والمقدسات من الكيان الصهيوني ، كيف سيكون عليه الحال ، وكيف ستلتفّ الجماهير في الشعوب العربية والإسلامية والشرفاء في العالم كله حول النظام والدولة السعوديين ، خاصة وإن الإسرائليين أضعف بكثير مما يتخيله البعض. والأدلة على ذلك كثيرة ، منها افراغ المناطق الحدودية مع قطاع غزة والحدود الشمالية بل وفي العمق، من الإسرائليين مع بداية أي حرب تشنها إسرائيل على القطاع أو على جنوب لبنان، أما الدليل الثاني، فيتمثل بالعودة للعام (1991) أثناء الحرب الأميركية/ الغربية على العراق، التي اطلق خلالها الشهيد صدام حسين نحو الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل (39) صاروخ ( سكود )، والتي تكفلت حينها بإحداث رعب غير مسبوق ،من أهم نتائجه أن غالبية سُكّان المناطق التي كانت الصواريخ تسقط فيها أو المتوقع سقوطها فيها كمنطقة ( غوش دان ) كانوا يهربون منها حفاة ، لدرجة أن عددا كبيرا منهم بلغ به حال الذل والخوف إلى شرب بوله..عاصفة سعودية عربية نحو هذا الكيان الإستعماري ، الهزيل والقائم على الإشاعة والدعاية والتهويل ،كانت أشرف وأنبل بمليون مليون مرة من العاصفة التي وجهت فوق رؤس المدنيين اليمنيين ،وكان- أيضا – ستمكن الرياض من حكم نصف العالم واحترام النصف الثاني ..
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس