بقلم / أحمد عبدالله الشاوش
صعقت وانا اتصفح بعض وسائل الاعلام التي نقلت بالدليل القاطع سقوط ثلاثة صروح علمية تجسدت في جامعات القاهرة والاسكندرية والازهر الشريف بعد ان رفعت أسم مصر عالياً وجعلت منها منارة وقلعة علمية تخرج من قاعاتها وصروحها الشامخة قادة عظماء في كافة مجالات العلم والمعرفة والابداع والتميز والاخلاص .
وبعد هذه السيرة العطرة والمتميزة صرت وغيري أكثر حيرة واستغراباً لذلك السقوط المهين والسلوك المشين والانتقاص من قدسية تلك المنارات الشامخة واختراق المناهج التربوية والعلمية ، نتيجة للتبعية التي تحاول ان تلتف على مناهجها لتسويق وحشر قضية سياسية محل جدل ، لإغواء الاجيال القادمة من خلال تعمد قيادات الجامعات الثلاث طرح اسئلة " اختبار " للعام الجامعي 2015- 2016م تتعلق بقضية جزيرتي " صنافير وتيران " في اختبارات كلية التربية سنة ثالثة وكذلك امتحان الترجمة للفرقة الثانية بكلية الإعلام جامعة الأزهر وغيرها رغم ان مناهج تلك الجامعات لم تتضمن او تدرج أو تقر أو تتطرق لتلك القضية او الاسئلة من بعيد او قريب .

والغريب في الامر ان امتحانات الاربعاء الماضي ورد في إحدى فقراتها سؤال حول " ترجمة " نص من اللغة العربية الى الانجليزية عن قصة الجزيرتين السعوديتين محاولة التأكيد في أحد فقراتها أن جميع الوثائق والمعاهدات والمراسلات الصادرة بين الحكومتين المصرية والسعودية منذ عهد الملك فاروق تؤكد على أن الجزيرتين سعوديتان ، وأن لقاءات عقدت بين الملك فاروق والملك عبدالعزيز في مكة وأنشاص للاتفاق على وضع الجزيرتين تحت الإدارة المصرية لمواجهة أطماع إسرائيل فيهما.

ومما يثير السخرية والارتهان تأكيد الدكتور عبد الصبور فاضل عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر أن السؤال جاء في قطعة" ترجمة "صحافية باللغة الانجليزية من مقال للدكتور فاروق الباز وعدد من العلماء بصحيفة الأهرام وتعبيرا عن موقف الدولة المصرية.

وفي امتحان مادة الجغرافيا للفرقة الثالثة بكلية التربية جامعة الإسكندرية يوم الثلاثاء، جاء سؤال يؤكد ملكية السعودية للجزيرتين، وطلب السؤال من الطلاب الإجابة بالشرح والتحليل الظاهرات الجغرافية التالية، بالخرائط اللازمة إن أمكن : كما ورد في السؤال "يعد جسر الملك سلمان الذي يربط بين كل من مصر والسعودية والذي يمر بالجزر السعودية صنافير وتيران نقلة اقتصادية واستراتيجية لمصر والسعودية".

وضمن امتحان نهاية العام الدراسي لمادة الرأي العام للفرقة الثانية بكلية الإعلام جامعة القاهرة جاء سؤال يطالب بتوضيح الأسباب التي جعلت قضية جزيرتي "تيران وصنافير" من القضايا التي جذبت انتباه الشعب المصري في الفترة الأخيرة واعتبارها قضية رأي عام مع توضيح الخطاب الإعلامي لها في وسائل الإعلام المصرية.
لا يهمني هنا كمواطن عربي ان تكون جزيرتي "صنافير وتيران " مملوكة لمصر أو السعودية أو حتى اسرائيل أياً كانت الوثائق والمسوغات والتبريرات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والقانونية والمحللين والمثقفين من ذوي الدفع المسبق أو الشرفاء ، بقدر ما ننظر لحدث خطير تمثل في " اختراق اعلى هرم لـ " المؤسسات التعلمية والتربوية " في مصر الكنانة والقفز على مناهجها وقوانينها المرتبطة بأمنها القومي في محاولة للسيطرة على وعي وعقلية طلاب مصر بعد ان عجزت وسائل الاعلام المصرية والسعودية في اقناع المصريين بقضية الجزيرتين .
ومازلنا نترحم على السياسات التربوية والتعليمية التي انتهجتها قيادات مصر السابقة بدءاً بالزعيم الراحل جمال عبدالناصر ومروراً بالسادات وانتهاء بالرئيس حسني مبارك في تحييد التعليم واستقلاليته عن المساومة وحسابات الربح والخسارة الرخيصة، غير ان الجانب السلبي لمآسي الربيع العربي قد اسس لمراكز قوى سياسية استطاعت ان تضرب العملية التعليمية في العمق وان تشل استقلاله نتيجة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي جعلت القيادة المصرية تفرط في الجزيرتين ، في حين يحاول الشرفاء من المصريين خوض معركة للنأي بالعملية التعليمية عن أي ضغوط او تبعية للرياض وغيرها .
رغم ذلك فإن ما يدعو للالم والحزن ان تنحرف تلك الجامعات المشهود لها بالتميز والابداع عن الامانة العلمية وتصبح عرضة للسقوط والاختراق والارتهان بعد ان استمدت حضورها وشموخها واستقلالها وعنفوانها من ثقة المجتمع المصري والعربي والدولي في حفاظها حيناً من الدهر على ثوابتها الوطنية واخلاقيات المهنة ومكانتها العلمية الرفيعة ورفض التبعية بكافة اشكالها.

فهل آن الاوان لعلماء ومثقفي ومفكري وقادة وعمالقة مصر الذي درسنا على ايديهم وتزودنا من معارفهم ونهلنا من مشاربهم التربوية والتعلمية والفكرية الصحيحة ان يوقفوا ذلك العبث وتلك التجاوزات المشينة واعادة الاعتبار للعملية التعليمية ، انتصاراً لتلك المنارات واحتراما لعقلية طلاب العلم ، وهل آن للرئيس عبدالفتاح السيسي مراجعة النفس و النأي بالعملية التعليمية عن التسويق لقضايا سياسية هامشية محلها سوق النخاسة ، لامنارات وساحات العلم التي تنير دروب اجيال الحاضر والمستقبل ، وهل يتوقف نظام الرياض عن انتهازه للفرص والأزمات ويحد من ضغوطه واملاءاته في مناهج التعليم المصرية وغيرها حتى تؤدي العملية التعليمية رسالتها الإنسانية النبيلة ، وحتى لا تصبح مناهج الرياض عرضة للتغيير والتبديل عن بُعد؟.. أملنا كبير .
Shawish22gmail.com




حول الموقع

سام برس