بقلم / عبدالكريم المدي
أكتبُ في هذه اللحظات وأصوات الطائرات الحربية السعودية التي تحوم منذُ ساعات طويلة فوق العاصمة صنعاء، تكاد تثقب طبلة الأذن.

لا يوجد دليل واحد يقول إن الأشقاء في الخليج وصلوا إلى قناعة تجعلهم ينهون هذه الحرب اللأخلاقية على اليمن ويدفعون بإتجاه وقف نزيف الدم والحياة في هذا البلد وإعادة تأهيل وترميم نفوس أبناء شعوب المنطقة برمتها ،إلى جانب تعويض الشعب اليمني والقبول به كشعب عريق غيرتابع بالطريقة التي يريدها البعض، وبالتالي يجب العمل معه واحترامه وفق مبادىء وشروط واقعية ومنطقية،بدون تعالي عليه،أوتعميم النمذجة الأميركية / الغربية / الصهيونية معه من خلال محاولة ترهيبه وفرض الإرادت عليه وكسره .

من الواضح أن الإخوة في السعودية وبعض حلفائهم في الخليج لم يستوعبوا حتى الساعة حقيقة إن معظم شعوب وحكومات العالم ،قد صاروا ينظرلهم ولسياساتهم وأموالهم وممارساتهم بأنها تثمثل خطرا على البشرية ومُضرّة بمصالح البشرية والأمن والسلم العالميين وبالجهود الدولية في محاربة التطرُّف، حتى أن كثيرا من العمليات والأفكار الإرهابية قد غدت وسائل الإعلام الغربية ومراكز البحوث والدراسات تُحمّل السعودية المسؤلية الأكبر حيالها بسبب مناهجها التعليمية ونظامها الديني وضخ وتوظيف الأموال بصورة سلبية وتبني وتصدير الأفكار المتطرفة ،مستندين في ذلك إلى كثيرمن المعطيات والوقائع ،لعل آخرها تلك المعلومات التي تناقلتها الوسائل الإعلامية بعد العملية الإرهابية الأخيرة في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية والتي قام من خلالها أميركي من أصل أفغاني اسمه ( عمر متين) بقتل ( 50) شخصا وجرح ( 50) آخرين ، حيثُ تؤكد تلك المعلومات – وبإعتراف الداخلية السعودية نفسها – أن الإرهابي كان قد زار المملكة مرتين خلال الخمسة الأعوام الأخيرة ، وهذا الربط يجب التوقف عنده وقراءته بعمق ووعي .

ما حصل ويحصل من تفويج للكراهية والصراعات المحلية والإقليمية التي يبرز فيها ويطل كرأس الشيطان المرض الطائفي والصيغة المذهبية تتحمل مسؤليته السعودية وإيران وقطر وتركيا، فسياسات أنظمة هذه الدول وإعلامها وممارساتها تقول إنها سلمت المنطقة وسمعة الدين والأمة بأسرها للمجهول ، وجعلتها منطقة تتشظى وتتفجر بخزانات الإرهاب والحروب المحلية والإقليمية وحروب الوكالة التي لا طائل منها ولا مبرر مقبول لها ، هذا من جهة ومن جهة ثانية : مكنت العالم من الانتقاص من حقنا والتقليل من إنسانيتنا ونوعية القيم التي نحملها.

نقرُّ : لقد دمرتنا هذه السياسات ،وحولتنا في نظر العالم ، إلى مجرد جهلة وآلات قتل تُعاني إلتواء أخلاقيا وفكريا ، ولا تؤمن بالعصر وثقافة ومبادىء الحوار، وربما إن ما يحدث يبعث برسائل للجميع مفادها إن هذه الأمة غير مستعدة لتغير واقعها ومعالجة القيم التي تشوهت والاستفادة من التجارب ..

لا نضيف جديدا حينما نكرر ونقول إننا ندمر كل القيم الجميلة ونستبدلناها بالسلبيات والنوافل الصغيرة، ودعونا هنا نضرب لكم بمثال حي من اليمن التي كانت نموذجا مشرقا للتعايش والتسامح والحب والقبول بالآخر ، واليوم غدت روائح الطائفية والمناطقية تنتشر على نظاق واسعفيها ، بمعنى أن ما بناه اليمنيون طوال مئات السنيين تبخر في أقل من سنة، بعدما اتت السعودية بإعلامها ومالها وسلاحها ونفوذها ودمرته ، ولا نغفل في هذا السياق – أيضا – الدور الإيراني الذي يحاول استثمار المشاكل بصورة إنتهازية لكي يوسّع إعلامه وبعض رجالات الدين فيه من بقع الزيت .

على أية حال، العلاقات الدولية والتحولات العميقة في الاستراتيجيات صارت واضحة للعيان ، ماعدا الإخوة في السعودية الذين ما يزالون يتعاملون وكأنهم الابن المدلل لواشنطن، ولم يدركوا إن زمن التدليل والحنان الأميركي الغربي لهم قد ولى، الأمر الذي يحتاج معه سياسات جديدة ، ورؤى جديدة ومفاهيم جديدة ، تكون قادرة على هضم عقيدة أوباما وربما من بعدة كارثة ترامب ، وموقفه من العرب والمسلمين ومن السعودية تحديدا .

في ظني إن سبب فشل العدوان السعودي على اليمن والتدخل في سوريا والعراق وليبيا ولبنان ، يعود لمفاهيم قاصرة جدا ، بعيدة عن العصر بدرجة كبيرة ، ومعتمدة فقط على النفط والكعبة والمدينة المنورة والاستثمارات في أميرك والغرب والصناديق السيادية التي تمتلك دول الخليج ما نسبته (50%) من إجمالي الصناديق السيادية في العالم وتحديدا الصندوق الاستثماري السعودي الذي يمتلك ترليونيّ دولار ، وصندوق أبوظبي الذي يمتلك (800) مليار دولار ويأتي من بعده الكويتي الذي يمتلك (700) مليار دولار.

ياأشقاءنا في الخليج ، اقتنعوا رجاء ، وافهموا بعد كل ما حصل ويحصل إن احتواء اليمن لايتم بهذه الطريقة التي تتبعونها أبدا ، وتأكدوا إنكم وبعضنا معكم – ايضا – لم تنجزوا ولن تنجزوا شيئا ذا بال في اليمن ، عدا أنكم تعملون ليل نهار وبمختلف الوسائل على تحويل المنطقة إلى مخزن بارود وتعقدون الأوضاع في اليمن وغيرها والتي صارت بالفعل، أعقد من بيانات مجلس خليجكم الموقر وقلق الأمين العام للأمم المتحدة وتحالفات السعودية وعواصفها ومناوراتها و كل أنشطتها ومشاريعها المعاصرة المتمثلة بدعم حركات التحرر والثورات والانتكاسات التي حصلت وتحصل في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وغيرها ، والقادم ربما أسوأ ؟

بكل أسف نعبر عن تشاؤمنا في حدوث جديد على طاولات اللاعبين الاقليميين ، وهذا ما يجعلنا نعيد التساؤلات الملحة والمحرجة :كم علينا يا أشقاءنا في الخليج وإيران وغيرهم أن ننتظر من السنين ونحفر من المقابر الجماعية حتى تقتنعوا بأن سياساتكم كانت وما تزال خاطئة ،وأن الاعتماد على الأمراض الطائفية واللعب على العقول باسم الدين ، لا تجدي نفعا ، مثلها مثل قفزات الهروب إلى الأمام ، وبناء عليه لا بديل لنا من نشر أفكار وثقافات الوسطية والإعتدال والتسامح والقبول بالآخر، خاصة وأن كل شيء في المنطقة والعالم يسير ضدنا ، بما في ذلك التغيرالعميق في التحالفات ما يفرض على الجميع إعادة النظر في ما يجري ، وطرح تساؤلات مشروعة وملحة ، تبحث عن حلول مقنعة وعلمية : كيف نواجه هذه الفوضى ،وإنحطاط الانحاط الذي صرنا غارقين فيه ، وكيف نُضمّد جراحات اليمنيين والسوريين والعراقيين وغيرهم ، وكيف نواجه بشكل جماعي – كأمة يجب عليها ان تأخذ مكانها اللائق بين الأمم – كل هذه الإنتكاسات والمآسي والإنكسارات النفسية والشعورية الراعفة ؟

نحن بحاجة لعواصف محبة وبناء وبردا وسلاما ، لا عواصف كراهية ودمار ، ونحن بحاجة لتحالفات نهوض وتعاييش ، وليس تراجعا وتباعدا ، ونحن بحاجة لمن يسعون لهداية الناس لعبادة الله وحده عبادة خالصة، وليس تضليلهم لعبادة طوائف ومذاهب وأشخاص وأنظمة ورغبات ..!

نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس