سام برس
إعداد: محمد ناصر

نادرة هي الكتب التي ترصد احوال اليهود في العالم العربي فكيف والحال في الكويت التي تعاني من شح واضح في هذا الجانب، وهو ما يواصل الزميل حمزة عليان
نادرة هي الكتب التي ترصد احوال اليهود في العالم العربي فكيف والحال في الكويت التي تعاني من شح واضح في هذا الجانب، وهو ما يواصل الزميل حمزة عليان سد الثغرات فيه عبر البحث المتواصل والرصد المتأني لتقديم مادة توثيقية مؤرخة تشكل مرجعا هاما عن اليهود في الكويت وهجرتهم عبر كتاب «اليهود في الكويت.. وقائع وأحداث» الصادر عن منشورات ذات السلاسل والذي يتطرق ايضا لهجرة يهود بعض الدول العربية.
فالكتاب عبارة عن دراسة جامعة لتاريخ اليهود في الكويت اتبع فيه منهج الرصد والتجميع للحوارات مع الروايات المختلفة للواقعة الواحدة، وتم التعامل مع الاحداث بأسلوب البحث الموضوعي والحرص على ان ينسب اي استشهاد او اقتباس لصاحبه، ليقدم الكتاب حقبة من التاريخ تم عرضها بأمانة ودقة في التوثيق دون الانزلاق الى متاهات أخرى.
اليهود الأوائل
يبدأ الكتاب برصد البدايات لوفود اليهود الى الكويت مع التأكيد على ان المصادر، على ندرتها، لا تتفق على تاريخ محدد لقدوم اليهود الى الكويت، الا انه وبالعودة الى رصد عدد السكان قديما، يتبين ان الاحصاء التقديري الذي اعده الجغرافي الفرنسي فيتال كينيه في العام 1890 يقدر عددهم بنحو 20 الف نسمة والى جانبهم 50 يهوديا، وهي تكاد تكون بحسب الكتاب الاشارة الوحيدة الى وجودهم ضمن احصاءات او تقديرات عدد السكان، واذا كانت نتائج هذه الاحصائية لا تتعدى كونها مجرد ارقام تقديرية لم تبن وفق أسس علمية، غير انها تعطي على الاقل مؤشرا على تاريخ تواجدهم، خصوصا ان الوثائق التاريخية في مراحل لاحقة تكشف عن تتناقض واضح، ففي الوقت الذي يذكر فيه المقيم السياسي البريطاني لويس بيلي الذي زار الكويت في ذلك العام 1865 ان سكانها بمن فيهم اليهود يتمتعون بحرية العبادة والشعائر، ما يرجح قدومهم في وقت سابق على هذا التاريخ اي في اوائل عهد حاكم الكويت الثاني الشيخ عبدالله الصباح، لم يرد في تقرير والي بغداد مدحت باشا عن الاحوال السياسية في منطقة الخليج والمرفوع الى السلطات العثمانية بعد زيارته للكويت في العام 1871 اي اشارة الى اليهود، حيث يذكر في وصفه لحال الكويت: «يعيش سكانها في حالة استقرار حتى الآن، رغم انها محاطة من الناحية البرية بكثير من مواطنيها من العشائر والقبائل البدوية الذين يشتركون في ادارتها» ثم تطرق الى الانتماء الديني لسكانها بالاشارة الى ان اكثر الاهالي فيها «.. على المذهب الشافعي، وقليل منهم على المذهب الحنفي، وكثير منهم على المذهب المالكي»، اما الاشارة الاهم فهي قوله: «ان سكانها لا يوجد بينهم يهود او مسيحيون».
تحولات القرن العشرين
ويذكر الكتاب أن مرحلة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، شكلت بداية التحولات الجذرية فيما يتعلق بتواجد اليهود في الكويت، ومنذ تلك الفترة اخذت الوثائق والتقارير التاريخية تذكرهم بصورة مستمرة، ففي العام 1903 زار المبشر المعروف وقائد الارسالية الاميركية صموئيل زويمر الكويت، (يوسف علي المطيري يذكر في كتابه ص 56 ان زيارة زويمر كانت في العام 1895) قادما من البحرين بحرا التي تركها في 14 فبراير من ذلك العام.
فريج اليهود
ويعرج الكتاب على تجارة اليهود إذ يعتبر أنه من المنطقي ان يتركز تواجد يهود الكويت في منطقة شرق قرب اسواق الكويت القديمة سكنا وعملا نسبة لخلفيتهم التجارية، فأطلق على حيهم «فريج اليهود» وهو الذي يشكل حاليا سوق «البوالط والصفافير» وكان يقع في شارع الغربللي، قرب سوق الصاغة بمحاذاة المقر الرئيسي للبنك التجاري الكويتي حاليا، وفي هذا يؤكد الباحث محمد عبدالهادي جمال في الكتاب انه يقع بالقرب من فريج الشيوخ وبراحة مبارك في الوسط، وكان من اشهر من ولد في هذا الفريج «صالح وداود بن عزرا» المشهوران بلقب «الكويتي»، وينقل عن الشيخ عبدالله الجابر الصباح حول موقع سكنهم تحديدا قوله: «كان موقعه (أي فريج اليهود) عند الكاركة» (والبعض يكتبها الكركة) عند مسجد السوق ومنه الى بيت الصانع وبيت مراد بهبهاني، اما د.صالح العجيري فيحدد الموقع بوصفه أنه: «كان من مسجد السوق قبل وصولنا للحي الشرقي ناحية فريج الجناعات وبيوتهم كانت قريبة من محلاتهم»، وعلى مقربة من فريج الشيوخ كان يقع «حمام اليهود» وكان يتفرع من احدى تلك البراحات سكة اليهود، علما ان هذا الفريج كان اول احياء الحي الشرقي واكتسب هذا الاسم نسبة لساكنيه من الاسرة الحاكمة، ويبدو ان قلة منهم قطنت ايضا في فريج الشيوخ نفسه كان من بينهم شخص يعرف بعبده شامون، ولم يعرف ان اليهود قطنوا اي منطقة اخرى بخلاف منطقة شرق حتى بدء تاريخ رحيلهم في ثلاثينيات القرن الماضي.
الشعائر الدينية
أخذ يهود الكويت كما هو حالهم اليوم من يوم السبت عطلتهم الاسبوعية يذهبون فيه الى الكنيس للصلاة ويتناولون القربان، قبل ان يعودوا فيجتمعوا كعوائل في المنازل، اما رأس السنة عندهم فيسمونه «روش هشانا» ويبدأ تقريبا في بداية اكتوبر وهو الذي خلق فيه الله عزّ وجلّ الكون، كما كانوا يصومون يوم كيبور اي يوم الغفران، فيما كان كتاب التوراة عندهم ملفوف على قضيبين واحد للفتح والآخر للف، فيما العبارات فيه مكتوبة بالعبرية على رق غزال في لفافات اسطوانية، وكان الكتاب يوضع في خزائن على الجدار الشمالي باتجاه القدس وفقا لأحكام شريعتهم او ما يعرف بالمشنا، في حين ان الصلاة لا تتم إلا بحضور 10 رجال بالغين وهذا النصاب يطلق عليه «منيين» ومن المعروف انه كان في الكنيس ركن خاص للنساء، والصلاة في الكنيس كانت تتم وفق النمط التقليدي القديم او ما يعرف بـ «بيلادي» وهو مختلف عن ذلك السائد في مصر او بلاد الشام.
تسامح البيئة الكويتية
يتابع الكاتب رصد حال اليهود فيقول: عاش اليهود في الكويت شأنهم شأن الشرائح الأخرى في بيئة من التسامح، ويذكر المقيم السياسي البريطاني لويس بيلي بعد زيارته للكويت في العام 1865 ان اليهود فيها كانوا يتمتعون بتسامح ديني كامل ولم تكن تفرض عليهم الضرائب، وعلى الرغم من هذا التأكيد فإنه من البديهي القول انه لم يكن هناك اي عوامل خاصة تسترعي معاملة اليهود او سواهم معاملة استثنائية سواء لمنحهم ما يشبه الامتيازات او الضمانات او لفرض شروط وقواعد خاصة عليهم لتقييدهم، حتى ان هؤلاء وبحكم موقعهم التجاري عرفوا علاقات مع الاسرة الحاكمة كما مع المواطنين الآخرين، وتؤكد زيارة صموئيل زويمر الى الكويت والتي هي كما ذكرنا محل تضارب في تاريخها بين من قال انها تمت في العام 1895 وآخرين نسبوها الى فبراير العام 1903 الطابع التسامحي للبيئة الكويتية آنذاك اذ يقول منذ الايام الاولى لإقامتي في الكويت شعرت براحة شديدة تامة ولم احس (اشعر) بأي مضايقات لكوننا نسكن كمسيحيين بقرب عائلات مسلمة على الاطلاق، وفي كثير من الاحيان كان يأتي إلى بيتنا زوار كثر وأحد هؤلاء حاخام يهودي.
هذا الواقع يعيد التأكيد على بيئة التسامح كما على وجود حد أدنى من التواصل بين تلك الفئات عندما يشير في سياق حديثه الى قدوم الزوار.

صالح وداود

يرصد الكتاب الاخبار واللقاءات التي تطرقت لحياة الأخوين صالح وداود ويوضح أن العائلة عاشت «عزاز» اي عائلة الاخوين صالح وداود في الحي اليهودي في شارع الغربللي في منطقة شرق وقدموا الى الكويت من البصرة، فقد حمل عزرا ماله وأهله وأحلامه وهاجر مع خمسين عائلة اخرى، مع نهاية القرن التاسع عشر، ليكون والآخرين نواة لأول مجتمع يهودي في الكويت، على حد تعبير الكاتب احمد الصراف، يومها لم يكن احد ليدرك ان هذه الخطوة ستؤسس لولادة مدرسة موسيقية متكاملة من خلال صالح بن يعقوب بن عزرا المولود من اب من اصول يهودية ايرانية، ومن ام من عائلة حبوشة وهم من رجال الدين المنتمين الى لاوي «ليفي» احد الاحبار والكهنة، واذا كانت الظروف والتطورات قادت الاخوين الى طريق الفن، فإن من المهم الاشارة الى ان الوالد اي عزرا يعقوب البحريني والذي كان معروفا بين التجار، كان يجيد العزف على آلة القانون، ما يعني ان البذور الفنية الأولى كانت موجودة لدى العائلة.

هجرة على مراحل

ويوضح الكتاب ان هجرة اليهود من الكويت تمت على مرحلتين اساسيتين وان كانتا متقاربتين زمنيا، الأولى في العام 1918، مع تسلم الشيخ سالم المبارك كرسي الامارة واتخاذه سلسلة من الإجراءات في ظل تفشي ظاهرة تقطير وتجارة الخمر على أيديهم، أما الثانية فقد كانت تتكون بصورة أوضح في العام 1939، مع تصاعد ظاهرة الحركة الصهيونية التي أصبحت معروفة في الأوساط العربية.

بدء الرحيل

تعددت الروايات عن تاريخ بدء رحيل اليهود عن الكويت، فمنهم من اعتبر انه في العام 1936، لم يتبق أحد منهم في الكويت، في حين ان البعض الآخر ذهب الى القول ان خروجهم النهائي كان في العام 1947، علما ان هذه الواقعة تبدو راجحة اكثر من عدة مصادر كما سيتضح فيما بعد، في حين ان هناك من اعتبر ان عائلات بقيت في الكويت ولم يعرف مصيرها بعد ذلك، وبغض النظر عن تضارب المعلومات في هذا السياق، هناك من نظر الى العام 1930، بأنه مرحلة مفصلية في بدء هجرة اليهود استنادا الى عدة وقائع من بينها ان هذا العام شهد ابعاد اول يهودي من الكويت، وفي ضوء هذه الحادثة ومعطيات أخرى شرع اليهود في بيع منازلهم، فيما بدا ان هذه الواقعة كانت سببا لبدء رحيل شريحة واسعة منهم في ذلك العام.
بالمقابل يقول يوسف علي المطيري في تلك الحقبة: «انتفت جميع الاسباب التي دعت الاقلية اليهودية الى الهجرة من الكويت في ثلاثينيات القرن العشرين، ما عدا ما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي استمرت مسببة توترا في علاقة الاقلية اليهودية بالسكان والسلطات المحلية حتى هجرتهم نهائيا من الكويت..».

عائلات اليهود الكويتية

يعرض الكتاب أبرز العائلات والشخصيات اليهودية ويبين ان الذاكرة القديمة لم تحتفظ إلا بعدد قليل من الأسماء، ويبدو ان الشخصيات التي اشتهرت في المجال التجاري هي التي بقي اسمها يتردد بين الناس، وكان من هؤلاء التاجر صالح ساسون محلب الذي قدم الى الكويت في بداية القرن العشرين، كما عرف من فئة التجار أيضا ساسون بن ياقوت الذي امتلك دكانا في سوق اليهود، وكان منزله بالقرب من منزل الشيخ جابر الصباح والتاجر من أصل إيراني عزرا علفي، منشي الياهو وعمل في الصرافة والتجارة، كما اشتهر التاجر اليهودي يوسف الكويتي الذي أسس مع أحد تجار الكويت وبمشاركة أحد اليهود الأفغان شركة مقاولات.
يضاف إليهم بطبيعة الحال أسرة يعقوب بن عزرا التي ولد منها كل من صالح وداود الكويتيين، كما ان عائلة عزرا من اليهود القلائل الذين عملوا في شركة النفط في الأحمدي، وعائلة يحيى الأفغاني الذي عمل تاجر جلود، ومن أبرز العائلات اليهودية التي كانت مقيمة في الكويت عائلة الروبين، خواجة، محلب، ساسون، شامون، كوهيل، حزقيل، ساؤل، عزرا، يعقوب، الياهو، جماعة صالح، شاؤول، في حين ان عائلة صموئيل بقيت محل شك فيما اذا كانت تنتمي الى المسيحية أو اليهودية.

مقبرة اليهود

بقي موقع مقبرة اليهود ملتبسا حتى قبل سنوات قليلة، اذ انه وحتى العام 2008، كان الجميع يعتقد ان المقبرة تقع خلف مجمع «الخليجية» في منطقة شرق، ليتضح فيما بعد ان موقعها الحقيقي كان مكان عمارة تعرف بعمارة الأسماك في شارع الهلالي مقابل مركز الإطفاء.
ويرجح ان هذه المقبرة قد أزيلت في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي وبالتحديد في العام 1945، وينقل عن شاهد عيان هو فاضل خلف قوله: «كنت مع مجموعة من أولاد الحارة «نحبل» فيها لصيد الطيور في أوائل الأربعينيات بين العامين 1940 و1944، وعندما نزلنا الى بيتنا في تلك المنطقة عام 1946، وبالتحديد في شهر يونيو، لم نجد المقبرة وهي اليوم تقع تحت عمارة الأسماك في منطقة الشرق».
يمكن القول ان اللغط الذي صاحب موقع المقبرتين بين عمارة «الأسماك» أو خلف مجمع «الخليجية» والذي استمر وقتا طويلا، مرده في حقيقة الأمر الى وجود قبر في المقبرة خلف الخليجية، نقش عليه رسم يجسد «عنقود عنب»، ما دفع المؤرخين الى ترجيح انه ضم رفات أحد اليهود، على اعتبار ان مثل هذه الرسوم شوهدت خارج الكويت وقد استخدمها فنانون يهود «توالى تكرارها دائما على رسوماتهم القديمة كما تكررت على شواهد قبورهم»، ومن الوقائع التي زادت كفة الترجيح على ان القبر يعود إلى يهودي وجود كتابة مدونة عليه باللغة «السريانية» وهي لغة استخدمها اليهود في العصور القديمة، كما ان تاريخ هذه المقبرة يعود الى ما قبل العام 1901، أي ما جعلها تلي وتتزامن مع فترة تواجد اليهود في الكويت.

التحول إلى الإسلام

في تلك المرحلة سجل مزيد من التقارب الاجتماعي المرحلي على الأقل، بين اليهود ومختلف المكونات الأخرى، حتى ان شريحة منهم اندمجت مع المجتمع المحلي، الى حد ذهب البعض منهم الى اعتناق الدين الحنيف، وينقل بدر يوسف النقي عن والده قوله ان يهوديا دخل المسجد وشوهد يصلي مع المسلمين فسأله: «أنت يهودي لماذا دخلت المسجد؟»، فقال «أصبحت مسلما والكويتيون طيبون وعلى سجيتهم».
وتكمن أهمية هذه الرواية في كونها تؤكد واقعتين، الأولى ان اعتناق بعض من اليهود للإسلام كان أمرا شائعا أو على الأقل معروف بين الناس، اذ يظهر من خلال استكمال هذه الرواية ان وجود يهودي في قلب المسجد لم يثر أي استغراب لدى المصلين في المسجد، كما انه وفي مؤشر على ان التحول الى الدين الإسلامي أصبح يشبه شيئا من الظاهرة نتج عنه تأسيس الجمعية الخيرية في العام 1913، والتي احتضنت معتنقي الدين الحنيف، ما يعني ايضا ان الحادثة حصلت قبل هذا العام أو خلاله في أقصى تقدير، اما الاستنتاج الثاني فهو يعيد التأكيد بشكل واضح الى ان الكويتيين في تلك الفترة تعاطوا مع اليهود بقبول تام لا بل أعانوهم وقدموا لهم المساعدة، ما يعني ان ثقة المواطنين بهذه الشريحة كانت حتى تلك الفترة متينة.

حول الموقع

سام برس