بقلم/ عبدالعزيز شمسان
كنا في السابق نتباهى بأننا وان كنا شعب فقير، فنحن أغنياء بمكارم أخلاقنا التي امتدت يوماً لتنتشل من عباب المأساة مليون لاجئ من الصومال! بالنفس الإنساني الذي استطاع حمل هذا العبء وتحمل أثقاله القاصمة للظهر! وعن طيب خاطر.

واليوم المرآة تعكس الصورة بشكل مختلف وغريب ومناقض لمشهد سلوكنا وأخلاقنا! مشهد لا يشبهنا في شيء ! مع ان المأساة تخصنا هذه المرة؛ ونحن من ننوس بين كارثتين؛ كارثة النزوح من الحرب،وكارثة النزوح من كارثة السيول بالملف المثقل بالهم والمترع بفصول مأساة تتجدد يوماً بعد يوم،خصوصاً وان الملف- كما يجلي لنا المشهد- ليس أكثر من مجرد حافظة،تراكم عليها غبار الإهمال ،رغماً عن أكثر من مليوني نازح يرسفون تحت اغلال اليأس،من دونما زاد ولا سند ولا صاحب ولا يد تربت على أكتافهم!!

وانتبهوا معي، فأنا لا اتحدث عن الأجهزة الحكومية المعطلة ولا عن مالية الدولة الفارغة ، بل اتحدث عن شيء آخر كان بمقدورنا ان نقدمه للنازحين ولم نفعل!!

صحيح ، ربما تكون الدولة ترزح تحت وطأة الإفلاس!ولكن هذا لا يعني ان الدولة قد جُردت من مفاصل قوتها المادية والمعنوية،بحيث تقف إزاء هذا الملف موقف المتأمل العاجز!! صدقوني تستطيع الدولة ان تواجه ملف النازحين بشقيه، نازحي الحرب،ونازحي كارثة السيول، متى انتوت ذلك، وإذا انتوت ذلك ،فلن يعوزها حينها أكثر من مجرد تفعيل ادوات وأجهزة وتطويعها في خدمة هذه الغاية.

هنا اتحدث عن تسخير وسائل الإعلام الرسمي،وتشجيع انخراط الإعلام المحلي الخاص ،بكل وسائطه ؛مرئي ومسموع ،ومقروء، لاستنفار وتحفيز الجهد الشعبي في هذه القضية الأخلاقية والإنسانية والوطنية بامتياز.

الطاقة الشعبية طاقة جبارة إذا وجدت من ينظمها ويوجهها ، وهي قادرة على التفاعل والإسهام بإيجابية في هذه القضية.

تأطير الوعي الجمعي للمواطن بالقضايا والأزمات الوطنية الأكثر إلحاحا،على شاكلة أزمة النازحين لن يحتاج إلا إلى ترفيع هذه القضية وهذه الأزمة-رسمياً- إلى مصاف القضية الوطنية،حتى يجري تبنيها شعبياً.

اتحدث عن تدشين حملة إعلانية توعوية تذكيرية مستمرة وتوظيف مختلف الوسائط الحاملة للإعلان وتحريض الشركات الفاعلة على تبني هذا الملف كجزء من نشاطها الاجتماعي ،وحثها على التبرع بسخاء،وهذا سيعزز من فرص النجاح في استقطاب المواطن وتركيز وعيه على مأساة النازحين.

و اتحدث عن استحداث مراكز تبرع توضع في منافذ حيوية ،واتحدث عن دعوة المساجد للإسهام في تسليط الضوء على هذه المأساة ،واستدعاء الكتاب أيضا للإدلاء بدلوهم في الموضوع،بالإضافة إلى تشريع صندوق خاص بالنازحين، أسوة بصناديق أخرى استطاعت ان تؤمن مليارات الريالات،كصندوق تحسين الطرق،وصندوق دعم الشباب ،وصندوق النظافة وغيرها.

اتحدث عن المنظمات والجمعيات الخيرية والإغاثية العالمية المهتمة والمعنية بقضية النازحين ،وهي كثيرة ومنتشرة في كل أرجاء العالم ،ولا تحتاج إلا إلى تقديم دعوة لها للمشاركة في هذا الجهد،بالإمكان هنا الاستفادة من إدارة الجمعيات في قطاع التعاون الدولي بوزارة التخطيط والاعتماد على خبرتها ودرايتها في هذا الجانب،وهناك أشياء أخرى كثيرة ،من ذات الطبيعة الغير مكلفة، يمكن ان يلهم إليها حديثي هذا.

ملف النازحين لا يتطلب منا إلا نوايا صادقة، وجهود مخلصة حتى نستطيع ان ننفض الغبار عنه.

ودعونا نتذكر ان حاجة النازح لا تقتصر على توفير سلة غذائية أو فراش وغطاء للنوم،بل هي واسعة لتشمل احتياجات أخرى كثيرة مثل التوعية والتعليم ومتابعة الحالة الصحية والنفسية للنازح ، وتحصين أطفاله من الأمراض،وتوفير المياه وادوات النظافة الصحية لهم ،وتوفير الملابس أيضا ،خصوصاً وإننا على أبواب العيد ،بالإضافة إلى تعيين وفرز مختلف الاحتياجات التي تخص المرأة النازحة والفتاة النازحة،بما يأخذ في الاعتبار خصائصنا الاجتماعية المحافظة.

هذا فيض من غيض ،احسبه كفيل بفتح نافذة تطل على مشهد النازحون من جوانب كثيرة ،لتبقى جوانب أخرى يحتاج الوقوف عليها إلى فتح نوافذ إضافية ،محاولة لنفض الغبار عن هذا الملف!! اتمنى أن أكون قد شجعت عليها.

azizshamsan30@gmail.com

حول الموقع

سام برس