بقلم / ريم خليفة
اليوم تمر ذكرى خمسة عشر عاماً على اعتداءات (11 سبتمبر/ أيلول2001). وهي الاعتداءات التي غيَّرت الكثير ودفعت في الوقت نفسه إلى تبني أفكار ومفاهيم أكثر تعصباً وتطرفاً، جعلت من عالم اليوم غارقاً في صراعات بين ما هو مقبول كمعتقد، وبين الإسلام السياسي والطرح المتطرف الذي استخدم لتفعيل وتشكيل تنظيمات جهادية تكفّر وتقتل وتلعب عبثاً في الأرض تحت حجج وأعذار مختلفة.

ولقد جددت التنظيمات الإرهابية موقفها عبر التهديد الذي بثه زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري ووعد بتكرار اعتداءات سبتمبر الارهابية “آلاف المرات”، وقائلا: إن “الخلاص هو الدعوة والجهاد”.
بالطبع، الظواهري وغيره ممن يسيرن على الفكر المتطرف، سيحتفلون بهذه الذكرى؛ لكن هذا الطرح خسر وتسبب في تحويل بلدان العرب والمسلمين الى الخراب، هذا في الوقت الذي يشهد من يزور مدينة نيويورك (الهدف الاكبر لاعتداءات 11 سبتمبر) لم تتراجع ولم يؤثر ذلك على أهلها؛ بل بالعكس حولت هذه الذكرى إلى شيء جميل ومتحف تاريخي، وميدان عامر، يحمل في ذكراه مبادئ تدحر فكر الإرهاب والتطرف.

اعتداءات سبتمبر التي استخدمت كذريعة لبث الخوف والرعب في نفوس الأميركان لم تنجح بعد مرور خمسة عشر عاماً، فمدينة نيويورك ليست مكاناً مُحاطاً بنقاط تفتيش وشرطة، هذا على العكس من فنادق ومناطق سكن تمتليء منافذها بنقاط التفتيش من كل مكان. بعد 15 عاما تبدو المدن التي استهدف منها الارهاب اكثر عمرانا واكثر حيوية واكثر امنا من بلدان ومدن المناطق التي ترعرع فيها هؤلاء الارهابيون.

تزور نيويورك والمدن الاخرى التي استهدفها ارهاب 11 سبتمبر اليوم لتجدها أكثر أريحية على رغم ما حل بها، إذ تحولت اماكن الاعتداءات إلى متاحف وحدائق عامة تحتضن أكثر من نصب تذكاري تخليداً لضحايا الارهاب، ومراكز تجارية، بينما بلداننا ومنطقتنا باكملها اصبحت عكس ذلك وتم تدمير اهم متاحف الانسانية بعد تدمير الانسان . ببساطة تحولت نيويورك وغيرما من الاماكن التي استهدفها ارهاب 11 سبتمبر الى منبع حيوي لتجديد الانسان ودحر الارهاب، وتحولت الى مقصد سياحي اكثر من ذي قبل، بينما ترى الأمر مختلفا تماماً حتى في المنطقة العربية، الغارقة في صراعات تقسم المجتمعات بلغة الكراهية وبحمامات دم غير منتهية.

إنَّ العالم العربي والاسلامي انقسم على بعضه بعضاً، وأصبح في السنوات الأخيرة مختلفاً على مستقبله، وتحولات التاريخ المرتبطة بالعام 2001 اكثر الما لنا من الاميركان. لقد غيّرت هذه الاعتداءات وجه العالم حتى جعلت الصورة مختلفة في وقتنا الحالي واصبح العربي والمسلم متهما، وحتى ان قانونا جديدا في اميركا قد يفتح النار على حكومات وجماعات واشخاص بصورة لم تكن متخيلة من قبل. اننا اليوم نعيش مشاهد داخل مجتمعاتنا لم تكن موجودة من قبل، بدءاً من الحواجز وحصار المناطق ونزاعات وقتل واستغلال للنساء وللأطفال في أبشع صور، هذا في الوقت الذي يطالبنا العالم بالالتزام باساسيات الحضارة وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الانسان.

وعلى رغم وجود الأزمات في المجتمعات الغربية التي استهدفها ارهاب 2001، الا انها تخرج من تلك الازمات وتجدد نفسها، بينما نغرق في المنطقة العربية في وحل الفكر الذي يكره الحياة ويكره الانسان ويحارب التنوع، وهو فكر افسحنا له المجال لينتعش في اوساطنا نحن الان اكبر ضحاياه، وشباب المنطقة يهلكون بسببه. مازلنا نعاني من مشكلة الخروج عن مفاهيم الاقصاء والتكفير إلى غيرها من المفاهيم التي تجعل التفكير يتوقف عند حد لا يتقبل فيه الفرد معنى التفكير النقدي، وتقبل الرأي الآخر، ولذا فان مجتمعاتنا تضيق بالرأي الاخر ولا تسمح بالنقاش، ولذا ايضا تمتليء السجون بالمختلفين مع الرأي الرسمي. ان الإرهاب اشتد وازداد عنفاً وانتشاراً وتعددت تنظيماته وأنصاره في كل بلد، حتى بات بإمكان بعضها أن يسيطر على أراض شاسعة ليقيم دولته المتطرفة، ولينشر أفكاره إلى كل مكان خارج حدود البلاد العربية.

الإرهاب ليس في الواقع إلا تعبير عن حالة قلق عميقة أوجدتها مناهج لا تعترف بحق الانسان في العيش الكريم في بلده، بل انها افكار تنظر الى ابن البلد وكأنه عدو يجب القضاء عليه ماديا و معنويا عبر شطب كل حقوقه الاساسية… بعد 15 عاما من احداث سبتمبر، تعززت مكانة الانسان في كل مكان، الا في منطقتنا التي لازالت تهدر طاقاتها من القضاء على التعددية وعلى الفكار الداهية للمواطنة والعدالة والمساواة.
كاتبة بحرينة
Reemkhalifa17@gmail.com
*نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس