بقلم / عبدالمؤمن الزيلعي
بعد الهدنة الاقتصادية بين أطراف الصراع في اليمن منذ بدايته والقاضية بتحييد البنك المركزي في صنعاء وتوريد الأموال إليه من جميع المحافظات والتي توافقت عليها دول الصراع متمثلة بأمريكا وبريطانيا وأدوات كل منهما المحلية والإقليمية، إلا أن تلك الهدنة قد أعطت الحوثيين الفرصة تلو الفرصة ليستحوذوا على الأموال ويتلاعبوا بها لدعم مجهودهم الحربي، فكانت الهدنة الاقتصادية عامل قوة بالنسبة للحوثيين حيث أظهرتهم أمام الشعب أنهم هم من يديرون البلاد ويسلمون المرتبات لجميع المحافظات مع ما في إدارتهم للرواتب من تعسفات؛ فقد أظهرهم ذلك على أنهم الطرف القوي في الصراع والمتنفذ فيه، إلا أنه مع مرور الأيام بدأت الأموال في النفاد في ظل نهم الحوثيين في الاستيلاء على الأموال وعدم التزامهم بالهدنة الاقتصادية التي تقضي بحيادية البنك المركزي عن الصراع، مما حدا بالرئيس هادي وحكومته لتدارس الأمر مع دول التحالف وكذلك مع بريطانيا الراعية لمؤتمر المانحين لليمن منذ ما قبل ثورة الربيع العربي...

وهكذا فقد كان هادي وحكومته يذمون الهدنة الاقتصادية ويحاولون التخلص منها حيث استغلها خصومهم الحوثيون لصالحهم، ورغم أن بريطانيا كانت تدرك مخاطر ما يريده هادي وحكومته من إلغاء للهدنة الاقتصادية ونقل البنك المركزي إلى عدن فقد كانت تظهر مسايرة لأمريكا التي كانت تعارض أي إجراء يتخذ حيال ذلك من طرف هادي وحكومته مما أجبر بريطانيا على مسايرة أمريكا، ومع تزايد النهب من قبل الحوثيين لاحتياطي البنك المركزي طوال الحرب واستحواذهم على أمواله لدعم مجهودهم الحربي مما جعل البنك عاجزا عن الوفاء بالتزاماته في دفع المرتبات للموظفين وخاصة الدفاع والداخلية، مما ينبئ بامتعاض ضد الحوثيين في وسط العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات التي يسيطرون عليها وخاصة أن عيد الأضحى مرّ وكثير من الموظفين في حالة يرثى لها جراء عدم استلام رواتبهم.

في ظل تلك الظروف أتى قرار الرئيس هادي بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وتغيير محافظه السابق مستغلا الوضع الاقتصادي وعجز الحوثيين، ومصوّراً القرار بنقل البنك على أنه منقذ للاقتصاد من التدهور مما جعل أمريكا توافق على قرارات هادي بنقل البنك المركزي إلى عدن وهي ترى في ذلك رفعا للحرج عن الحوثيين وإنقاذا لهم بعد عجز البنك المركزي في صنعاء الواقع تحت سيطرتهم عن تسديد الرواتب للموظفين.

في أول رد من البنك الدولي على قرار الرئيس هادي بنقل مقر البنك المركزي إلى عدن، أعرب البنك الدولي عن تأييده لكل الخطوات التي تهدف إلى استقرار اليمن اقتصاديا، التصريح جاء على لسان نائب رئيس البنك الدولي لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم خلال لقائه بالرئيس هادي في نيويورك بحضور محافظ البنك المركزي الجديد منصر القعيطي، وأعرب غانم "عن دعم البنك الدولي لكل الخطوات التي تهدف إلى استقرار اليمن اقتصاديا وتنمويا لتحقيق تطلعات الشعب اليمني التواق إلى السلام والتطور والعيش الكريم"، بحسب وكالة سبأ التابعة لـ(شرعية) الرئيس هادي.

وقد كشف محافظ البنك المركزي اليمني ناصر القعيطي الذي عينه هادي قبل أيام عن السبب الحقيقي وراء إقالة محافظ البنك السابق محمد بن همام مشيرا إلى أن الأخير بعث خطابا من البنك لشركة روسية متخصصة في طبع الأوراق النقدية طلب فيها طباعة أوراق نقدية يمنية بقيمة "300" مليار ريال دون إشعار الحكومة (الشرعية).
وأوضح محافظ البنك المركزي اليمني ناصر القعيطي، غداة تعيينه في المنصب، أن السحوبات النقدية غير القانونية من قبل الحوثيين من خزائن البنك في صنعاء والحديدة بلغت نحو (450) مليار ريال يمني، أي ما يعادل (1.8) مليار دولار أمريكي، خلال فترة الـ 18 شهراً الماضية.

وذكر القعيطي أن الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي بالعملات الخارجية، بما في ذلك الوديعة السعودية، على وشك النفاد، حيث انخفضت من (5.2) مليار دولار أمريكي عشية دخول المليشيات الحوثية إلى صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، إلى أقل من (700) مليون دولار في نهاية آب/أغسطس 2016 وهي ما تبقى من الوديعة السعودية.

رغم ذلك هل تستطيع حكومة هادي إدارة البنك المركزي من مدينة عدن التي تعج بالفوضى والاغتيالات والاختلافات بين الأطراف المختلفة خاصة مع تسلم محسوبين على الحراك الانفصالي لإدارة المحافظة وإدارة أمنها؟!!

تعول حكومة هادي على دعم الإمارات المتسلمة لملف جنوب اليمن وعلى قواتها هناك، حيث تقوم الإمارات بأعمال سياسية واقتصادية من شأنها احتواء الحراك الجنوبي الانفصالي عن طريق العمليات الأمنية أو القروض ودعم المشاريع الخدماتية وهذا ربما يحرج الحراك الانفصالي الذي سيخفف من نبرته وأعماله التي ربما أفشلت هادي وحكومته كونها ستحرجهم أمام أهل الجنوب وستكشف نواياهم وعدم جدارتهم في إدارة مدينة عدن واستغلال الفرصة لإبرازها كمدينة آمنة وقادرة على إدارة الدولة متجاوزةً الأزمات.

إلى متى سيظل أهل اليمن تحت رحمة هذا الصراع الدامي والذي أنهك البلاد والعباد في جميع المجالات فالخدمات معطلة والأسعار في ارتفاع مستمر والركود الاقتصادي يعم البلاد، علاوة على انعدام الأمن وانهيار البنى التحتية، أما الموظفون فهم يركضون ركضا في البحث عن الراتب الذي يأتي في الرمق الأخير ولا يسد الحاجات الأساسية لهم.

إن أهل اليمن الذين يقرؤون قوله تعالى ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ جدير بهم أن يقفوا عند آيات الله البينات وأن يبادروا للعمل من أجل الخروج من واقعهم السيئ على أساس الإسلام وأحكامه ومعالجاته في جميع شؤون الحياة فذلك عبادة لله أيما عبادة، وكل ذلك لن يكون إلا بالعمل من أجل التمكين لهذا الإسلام في ظل دولة راعية جامعة ومانعة؛ ألا وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي في ظلها يعيشون مطمئنين على حاجاتهم الأساسية للفرد والمجتمع فلا يخشون جوعا ولا خوفا...

* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

حول الموقع

سام برس