بقلم/ عبدالكريم المدي
تحدثت مؤخرا مع الصديق / المناضل ،سليل واحدة من أعرق الأسر النضالية اليمنية الشيخ/ كهلان مجاهد أبوشوارب للإطمئنان عليه شخصيا ومواساة نفسي والتنفيس عنها مع شخص عرفته حكيما في إعطاء الآخرين جرعات معنوية بأساليب تُخلصهم من الهزائم والأحزان ،هذا أولا : وثانيا :للإطمئنان عن منزل الوالد العميد / المرحوم مجاهد أبوشوارب في حاشد الذي تعرض لغارات جوية بربرية دمرته بالكامل .

الحمد لله وجدته ،كالعادة متفائلا وصلبا وفي قمة العنفوان الوطني والنفسي قائلا: لقد نذرنا أنفسنا - يا صديقي - لخدمة هذا الوطن والتضحية في سبيله ،منذُ زمن بعيد ،ولا يُمكن أن يكسرنا التآمر والترهيب والقصف، ومهما كانت شدته وبشاعته ،فالوطن ،ثوابته وسيادته وحريته وكرامة أبنائه هي الثابت ومادونه متحول ،الغالي وما دونه رخيص ،المجد وما دونه الخيبة ، العزة وما دونه الذُّل.

لقد استهدفوا ودمروا كل اليمن ، ولعلهم من خلال هذا الاستهداف خدموا الجبهة الوطنية الداخلية وكسبوا عداوة الجميع ، لأن منزل الوالد العميد مجاهد (رحمه الله)، يحظى بمكانة خاصة ورمزية كبيرة وهامة لدى أبنا خارف وحاشد ، بل واليمن كلها،وهذه سياسة غير مجدية ولن تجلب لهم إلا الهزيمة.

عرفت الشيخ كهلان رجلا رصينا،عميقا في رؤيته وفي تحليله ،سألته ذات مرة ، لماذا تحب العمل بهدوء تام، قال: أنا لا أحبذا الكلام كثيرا، ولاتسليط الأضواء،أعمل بقناعة، وأقرأ بتأمل وروية ،ولا أطلق الأحكام السريعة ،ولعل هذه هي صفة من صفات والده المناضل المرحوم /مجاهد أبو شوارب.

لقد أدهشني صديقي الشيخ الأعز، بحيويته وأسلوبه الرائع في الفكاهة وإضفاء المرح في أحاديثه مع أصدقائه ، لكنه يظل مرح السياسي العميق ، والشخصية الأصيلة/ المنفتحة ، المتخرجة من مدرسة الوطن ومدرسة الحكيم مجاهد أبوشوارب.

وددت هذه المرة أن أعبر له عن تضامني جراء القصف الهمجي الذي استهدف منزل الوالد العميد مجاهد في حاشد ، فرد عليّ :سهل ،الحمد لله ، خيرة الله، لن يؤثر فينا أو يغير من قناعاتنا. تحب تشوف صور للمنزل ،كأول صديق أطلعه عليها ، قلت له : نعم ، فأرسل لهاتفي عددا منها للمنزل بعد القصف السعودي الهمجي له.

المهم قلت له الحمد لله على السلامة مرتين الأولى عن قصف منزل الوالد العميد، والثانية في أنك لم تكن في القاعة الكبرى يوم المجزرة لظروف الجميع يعرفها ( تواجدك خارج العاصمة صنعاء ) .

قال: المكتوب والمقدر،وأنا في كل الأحوال واحد من هوءلاء الناس الذين هم معرضون للاستهداف،ويشرفني أن أكون مستهدفا في وطني ومن أجل الدفاع عنه،وليس من أجل الدفاع عن المعتدي والأجنبي ،أو عن مصالح شخصية ضيقة.

قلت له : أرجو أن تعلم يا شيخ إنك اليوم ،زعيم القبيلة في حاشد ،وأنا شخصيا والكثير من الأصدقاء يوافقونني الرأي، نعتبرك شيخ مشائخ اليمن ووتد القبيلة،وتهمنا كثيراسلامتك.

رد عليّ: هذا لأنك تقدرني وتنظر لي بهذه النظرة التي أتشرف بها، لكن اليمن ولادة بالأبطال وبالرموز وتزخر اليوم بالمئات والآلاف من الأعلام ،ويكفيني إنني قد أكون واحدا منهم ، أو أقل منهم .

الشيخ كهلان ،شخصية لا يعرفها جيدا إلا من اقترب منها ،وحلق في مداراتها ، إنه شديد الإنتماء للوطن وحريص جدا على إرث أبيه وقبيلته ووطنه ،رمز قبلي كبير ،وداعم مخلص للمدنية والتسامح ، يختصم معك حد الاقتتال ،ويدافع عنك حد القتال عنك ، ابن قبيلة خارف وحاشد وابن قبيلة اليمن الذي ينتمي ،كأبيه ،لكل مناطقه ويعرف معظم العادات والتقاليد والموروث من صعدة وحتى المهرة ، قارىء مجيد ومجتهد للتاريخ ، وأنت تتحدث معه تجده يستدل في كلامه ،ما بين وقت وآخر بوقائع تاريخية معينة وبأبيات شعرية وحكم وأمثال .

وأكشف هنا سرا: ربما أنها المرة الأولى التي أحسه فيها محزونا، رغم حيويته وأسلوبه المتميز،لكن يبدو أن مجزرة القاعة الكبرى عملت فيه وفي كل يمني عملتها، ورغم كل هذا أكد على أهمية مواصلة السيرنحو الغايات النبيلة وأشواق النصروالحياة والسلام .

قال لي :إنه ومهما أشتدت الأحوال وتعاظمت البلايا ستفرج، وذكرني بقول الإمام الشافعي رحمه الله: ولرب نازلة يضيق لها الفتى # ذرعا وعند الله منها المخرج# ضاقت فلما استحكمت حلقاتها # فرجت وكنت أظنها لا تفرج .

هذه هو نزر يسير جدا من شخصية الشيخ كهلان الذي ،عهدته مقداما ، صاحب رؤية ، وصاحب مشروع ،ورجل المهمات الصعبة التي يرفض دوما أن يطلع الإعلام والآخرين عليها، ولو علم الجميع كم بذل من جهود في العام 2011 من أجل إيجاد أرضيات مشتركة وحماية للحمة الوطنيةوالدولة ، وكم بذل - أيضا - من جهود لنفس الهدف من بعد العام 2011وصولا إلى اليوم ، لمنحوه ،جائزة نوبل للسلام،جائزة اليمن للسلام ،لأنه حقا رجل بقدرما يحمل من الشجاعة والثبات على المبادىء والقناعات والاستعداد للتضحية من أجلها،بقدرما يحمل على كاهله قيم السلام والتسامح والبذل وكل محفزات ودوافع السعي من أجل الوطن وأمنه واستقراره..وحول قصف منزله ومجزرة القاعة الكبرى اضاف :والله لا يسوي منزلي الذي قصفوه ، شيئا أمام القاعة الكبرى :
( إذا سلمت رؤس الرجال من الردى# فما المال إلا مثل قص الأظافر)

حول الموقع

سام برس