سام برس
ثورة غضب شعبي في المغرب يمكن ان تمتد الى دول عربية أخرى.. “فرم” بائع اسماك معدم هو المفجر لاحتقان شبابي متضخم.. ورفع العلمين الامازيغي وجمهورية الريف ينطوي على “رمزية خطيرة”

ما يجري في المملكة المغربية من مظاهرات احتجاجا على “فرم” مواطن مغربي بسيط معدم في شاحنة للنفايات، بعد مصادرة الشرطة لتجارته البسيطة من الأسماك، هو ثورة غضب شعبية غير مسبوقة، تعيد التذكير بمثيلاتها التي اندلعت في اكثر من بلد عربي في عام 2011، ولهذا تستحق هذه “الثورة” الدراسة والتأمل واستخلاص العبر، لان احتمالات انتشارها، مثل مثيلتها التونسية، واردة، ان لم تكن مؤكدة.

مليون انسان تظاهروا في اكثر من عشرين مدينة مغربية، وبلغ طول صفوف المشاركين في جنازة الشاب الذي جرى اطلاق صفة الشهيد عليه اكثر من كيلومتر، وجرى رفع العلم الامازيغي الى جانب علم جمهورية الريف، التي تزعمها الأمير عبد الكريم الخطابي الذي قاد المقاومة ضد الاستعمار الاسباني، مما يعكس رمزية تستحق التوقف عندها.

سحق مواطن بسيط مطحون في بلد ضاقت فيه فرص العيش الكريم بالنسبة الى الفقراء، وارتفعت نسبة البطالة في صفوف الشباب، جريمة سياسية الى جانب كونها عملا جنائيا، تعكس مدى الاستهتار بأرواح المواطنين، وتغول أجهزة الامن في قمعهم.

نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” لا نجادل في الحجج القانونية التي استندت اليها السلطات الأمنية للنأي بنفسها عن اتهامات تورطها في عملية “الفرم” هذه، ومخالفة “الشهيد” للقوانين المرعية والمفروضة بمنع بيع نوعية معينة من الاسماك كانت في حوزته، وانما نجادل في خطورة التقصير، وربما المتعمد، في حماية حياة هذا الشاب من قبل رجال الشرطة الذين كانوا مرابطين في المكان.

الشعب المغربي الذي خرج بالآلاف في المظاهرات كان اكثر انضباطا ومسؤولية من الشرطة نفسها في حضارته وحفظه على الامن، وتجنب أي صدامات دموية، واحترامه للقانون، وتجنب أي اعمال للشغب، رغم حالة الاحتقان والغضب السائدة في صفوفه من جراء بشاعة تلك الجريمة.

العاهل المغربي استطاع امتصاص غضب مماثل عند اندلاع احتجاجات شعبية محاكية لثورات الربيع العربي عام 2011، عندما اقدم على إصلاحات للنظام السياسي، وتعهد بمحاربة الفساد، وتنازل عن بعض صلاحياته الدستورية، ودعا الى انتخابات برلمانية عامة اتسمت بالحرية والنزاهة، ولكن مهمته قد تكون اصعب في مواجهة الاحتجاجات الحالية، بسبب “رمزية” الجريمة وبشاعتها، وحالة الاحتقان المجتمعي السائدة، وتراجع الثقة في العملية السياسية الديمقراطية، وهو ما انعكس بوضوح في انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومن الشباب خاصة.

ايفاد وزير الداخلية لتقديم التعزية الى اسرة “الشهيد” محسن فكري باسم العاهل المغربي خطوة جيدة، تعكس الإحساس بالمسؤولية، ولكننا نعتقد انها ليست كافية، ويجب ان تتلوها خطوات أخرى تعالج أسباب الاحتقان الذي مثلت جريمة “الفرم” البشعة المفجر “الأول” له.

ما يحتاجه المواطن المغربي، مثله مثل أي مواطن عربي آخر، هو العيش الكريم، والحرية، والعدالة لجميع المواطنين، والمساواة، ومحاربة للفساد والتفاوت الطبقي، وهي مطالب تعكس جوهر أي حكم رشيد ومبادئه ومسؤولياته.

ثورة غضب المغرب الإنسانية، ربما تهدأ بعد أيام معدودة، وربما تستمر، ولكن المؤكد انها تقرع الجرس، وتحذر حكومات عربية أخرى، من مرحلة قادمة من الانتفاضات الشعبية ضد الظلم والفساد، وتغول الأجهزة الأمنية، وغياب العدالة الاجتماعية.
“راي اليوم”

حول الموقع

سام برس