بقلم / محمد ح. الحاج
أثبت التاريخ أنّ أغلب الحروب كانت تشنّها قوى طامعة بالآخر بعد أن تمتلك أسباب القوة، وفي أحيان أخرى فإنّ فائض امتلاك القوة مع شيء من الغرور والغطرسة يدفع إلى شنّ الحروب، الأمثلة كثيرة، وليس آخرها الثورة الصناعية في ألمانيا وامتلاك قدرات عالية وأسلحة حديثة دفعت بهتلر إلى التفكير باحتلال أغلب الدول المحيطة ليحكم العالم انطلاقاً من القارة الأوروبية.

نتجاوز الموقفين الاستعماريين – الأوروبي القديم، والأميركي الحديث، وأطماعهما في ثروات العالم، وتسخير النظام الأميركي لبعض ثروات وطاقات دول تتحالف معه لتحقيق مصالحه وشنّ الحروب على الآخرين، لنصل إلى تحليل الاندفاعة السعودية في شنّ الحرب على دول شقيقة بعد أن شاركت دول الغرب في التآمر والتواطؤ على دول بعينها خدمة لمصالح هذا الغرب، وبعيداً عن مصالح شعب نجد والحجاز المصادر والمسجل في الشهر العقاري – لاسم عائلة بني سعود . ويبدو أنّ القدرة المالية لهذا النظام وتراكم الأسلحة التي يشتريها بفائض الأموال بدلاً من أن يرفع بها من شأن عامة الشعب، أو كما يدّعي «تطوير وحماية الدول الإسلامية…»

بني سعود ومن منطلق غرور امتلاك القوة يشنّون الحرب جهاراً على اليمن الشقيق، وقبل ذلك مداورة على كلّ من العراق والشام، والذريعة هي حماية حقوق مذهب بعينه أو الانتصار لطائفة، وهو مجرد ادّعاء يستخدم ستاراً لتغطية الهدف الحقيقي وهو إضعاف القوى المحيطة بفلسطين المحتلة، والتي ما زالت تتمسك باسترداد الحقوق الفلسطينية، أما الدافع لذلك فهو تعهّد قدّمه مؤسّس العائلة عبد العزيز لحماية اليهود والموافقة على منحهم أرضاً لا يملكها هو ولا الدول التي تعهّد لها بذلك، كما أوصى بمنع أيّ تواصل أو تقارب يمكن أن يؤدّي إلى وحدة قوى الأمة في المنطقة، أما الخط الأحمر فهو اللقاء بين جناحي الأمة… العراق والشام.

رغم امتلاك أكداس من الأسلحة، ورغم الفارق في القدرة المالية بين مملكة بني سعود وبين اليمن فإنّ هؤلاء لم يتجرّأوا على شنّ الحرب على الأخير أو إعلانها إلا بعد إنشاء تحالف من دول عدة أهمّها مصر والسودان وربما باكستان التي لم تنخرط فعلاً، لكن قوام جيش المملكة أغلبه من أبناء الدولة الباكستانية، مع ذلك فإنّ اليمن لا يشكل لقمة سائغة وجاءت التقديرات خاطئة بالمطلق، فلا اليمن رفع الراية البيضاء بعد تعرضه لهذا الهجوم الواسع والقصف العنيف، ولا انفرط عقد اليمنيين ورابطتهم الوطنية على القاعدة المذهبية، العدوان – المأساة دفع بهم إلى تلاحم أوسع، جاء معاكساً لرياح سفن بني سعود وحلفهم الذي بدأ عقده ينفرط وقد لا يبقى معهم سوى الإمارات ومشيخة قطر، وهؤلاء لا ظلّ قــوة لهم على الأرض عدا أسراب طائرات أغلبها يقودها مرتزقة أجانب، وما كان لهم مصلحة في الصدام أو إعلان الحرب على دولة شقيقة بحجم اليمن، أو بنوعية شعبه الأصيل المتماسك الذي لا يتسامح مع العدوان ولا ينسى ثأره، وهو رغم إمكاناته المتواضعة ألحق بالمعتدين ضربات موجعة، وما زال، وانتقل إلى مرحلة اختراق الحدود ومهاجمة معسكرات ومواقع بني سعود الذين بدأت قواتهم بالفرار أمام الهجوم اليمني، وبات على تحالــف المملكة البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه.

غرور وغطرسة القوة عند هتلر ارتكز إلى قوة ذاتية وإنتاج محلي داخلي، مع ذلك لحقت به الهزيمة – في حين تستند هذه الغطرسة عند السعوديين إلى اعتماد مصادر خارجية، وفي حال توقفت هذه المصادر عن تزويدهم بالذخائر فإنّ كلّ أسلحتهم تصبح بلا فائدة وخصوصاً الطيران، ومن تابع مجريات الحرب تأكد له خروجها على المألوف في مثيلاتها من الحروب وخرقها القانون الدولي، إذ ومنذ بداياتها اتجهت إلى إلحاق أكبر الخسائر وأفدحها بالبنية التحتية، والعنصر البشري. والمضحك في الأمر أنّ الولايات المتحدة الأميركية مارست ضغوطاً هائلة في الندوة الدولية لتكون المملكة على رأس لجنة حقوق الإنسان، والنظام الصهيوني على رأس اللجنة القانونية، وعلق أحدهم قائلاً: ما عاد مستغرباً أن نرى البشر يمشون على أيديهم وأرجلهم مشرعة إلى الأعلى…!

يبدو أنّ بنك الأهداف وصل إلى الإفلاس بعد شهر من بداية الحرب، بعدها أطلق العنان للطيارين… ويُقال في مثل هذه الحالة الصيد… حر فهاجم الطيارون المدارس، والأحياء السكنية، ودور العبادة، والحافلات على الطرق العامة، وأحياء الفقراء وكانت ثالثة الأثافي قصف قاعة ضخمة للعزاء في صنعاء، ويمكن لبني سعود الردّ بقولهم لسنا الوحيدين فهذا التحالف الأميركي قصف دار عزاء للنساء في كركوك… نعم السعوديون استهدفوا رجال الدولة في قاعة العزاء ولم تكن العملية بالغلط… الأميركيون… لماذا…؟

ليس صحيحاً أنّ نظام بني سعود لا يدعم الإرهاب، فهو يدعم جبهة النصرة المصنّفة عالمياً إرهاباً من الطراز الأول، والسعودي المحيسني هو مرشد جبهة النصرة فتح الشام بلبوسها الجديد، وهم يدعمونه ويمارسون ضغوطاً بواسطة الإدارة الأميركية لتجنيبه الخطر حيث يتواجد سواء في حلب أو إدلب، ويعاونهم النظام التركي في هذا الأمر رغم أنه يعمل المستحيلات لحماية داعش بطريقة مكشوفة، ولأنّ السعودية تدرك أنها ستكون الخاسرة مع من تحالفهم على الساحتين السورية والعراقية فإنها قامت بشنّ الحرب على اليمن معتقدة بذلك أنها تشاغل ايران بعد تخفيضها أسعار النفط وتعويم السوق بكميات تزيد عن الطلب للإضرار بها، لكن العملية انقلبت عليها وحق عليها القول… من حفر حفرة لأخيه… الآن تحاول السعودية التعويض ورفع الأسعار قليلاً، ولهذا تطالب الدول بتخفيض كميات إنتاجها دون أن تلقى تجاوباً، وتتراكم الاحتياجات السعودية، تتوقف شركات كبرى وتعلن إفلاسها، وتبدأ الحكومة بممارسة التقشف، الأهمّ هو العمل على وقف الحرب التي ابتلعت المدخرات، وتفغر فاها طالبة المزيد… ومؤكد ستتأثر دويلات الخليج في محيط نجد والحجاز لارتباطها بالوضع السعودي جذرياً، من هنا نلمس الموقف المتضامن تجاه قانون «جاستا» الأميركي… الذي تقف ضدّه إدارة أوباما وقد تفشل في وقف تطبيقــه إلى مدى أبعد… فإنْ طبقه مجلسا الشيــوخ والنواب فإنه سيدفع بالنظــام السعودي إلى هاويــة سحيقة.

الانهيار على ساحة نجد والحجاز بشقيه السياسي والمالي سيودي بالعائلة الحاكمة حتماً، وإذ حافظ كبارها على أنفسهم باتباع سياسة براغماتية على مدى طويل، ممسكين بالعصا من وسطها، فإنّ الجيل الشاب وفي نهاية عهد الأبناء اندفع إلى المغامرة دون تفكير، والإعلان عن علاقات متجذّرة بالصهيونية العالمية من تحت الطاولة، وهو ما يزيح الستار عن سياسة تناقض ما يتبناه من عروبة تحافظ على الإسلام ومقدساته، وغطى على اتهامات الخصوم بامتلاكه قدرات إعلامية ومالية وظفها في سبيل ذلك، وهذا ما لم يعد متاحاً في المراحل المستقبلية القريبة، وها قد بدأت رائحة الحريق الداخلي تنتشر مع روائح احتراق الطبخة العائلية ليبدأ البحث جدياً في مستقبل المنطقة، إما تقسيماً طبقاً لخريطة وضعها البنتاغون، فيقوم اليمن الكبير، والأردن الكبير، وجمهورية علمانية في المنطقة الشرقية نجد مع خروج بني سعود/ وإمارة اسلامية في الغرب والوسط الحجاز .

ما معنى إعلان المملكة عن رغبة في المشاركة بتحرير الرقة…؟ هل أعلنت رغبة ممائلة في تحرير القدس والمسجد الأقصى، أم لأنّ في الرقة سعوديين لا تريد أن ينكشفوا… أو يسقطوا في الأسر…؟

هل سيعود بني سعود إلى بداوتهم في جانب من صحراء الكويت، أو منطقة محايدة جنوب العراق باعتبارهم من جذور عراقية كما ورد على لسان بعض المؤرخين…؟

يقول متنبّئ إنّ أموالهم سوف تتمّ مصادرتها في بنوك أميركا والغرب لسداد أحكام المحاكم والتعويض على متضرّري تفجيرات مبنيــي التجارة، رغم أنّ أميركا لم تعوّض على أيّ ممّن تضرّروا من حروبها أو ممارســاتها وخصوصاً ضحايا الطائرات المدنية التي أسقطتها، وأذكر مقابلة مع بوش الابن… تعرّض خلالها لسؤال كيف ستعوّض إدارتكم على الضحايا المدنيين في العراق… صمت، لكنه رفع إصبعه الوسطى.

الإدارات الأميركية المتعاقبة تنتهج ثقافة ثابتة في التعامل مع أدواتها عبر العالم، والأرجح ستطبّقها تجاه بني سعود كما طبّقتها مع مشاهير قادة دول حليفة ومنهم شاه ايران والسادات وصدام وكثيرين، عند سقوط بني سعود وفي حال مطالبتهم بالحماية أو الحصول على أموالهم… ستكون الإصبع الوسطى الأميركية بانتظارهم.
* نقلاً عن البناء

حول الموقع

سام برس