سام برس
• حضور فاعل للوفد التونسي و مشاركة الجزائريين احتفالات الذكرى 62 لاندلاع الثورة ..

• عالم غردايا الجليل المحب لتونس الشيخ محمد كعباش يستذكر مسيرته مع منور صمادح و الفاضل بن عاشور و مفدي زكرياء و..جامع الزيتونة المعمور..

غرداية / الجزائر/ شمس الدين العوني

الشعر هذا الوجدان المبثوث في الكلمات و المعاني ..المسافر في الزمان و الأمكنة يمنح الكائن شيئا من سعة الترحال حيث اللغة فانوس في ليل الانسان لا سيما في هذه الأزمنة المربكة و الموحشة و الموغلة في الفجيعة التي ظن الناس أنها الى زوال زمن العلم و التخييل و التكنولوجيا و المعارف و الفنون..

اذن كان الشعر و من خلاله ثقافات الناس بشتى الأحوال من جغرافيا و لون و دين و تاريخ مجالا شاسعا و سيظل ازاء من يريد تحويل العالم الى متحف مهجور و الكائن الى روبوت بلا حواس ..و من هنا كانت عبر التاريخ تلك الالماعات التي أطلقها الشعراء و الفلاسفة و المفكرون و الفنانون لأجل أن تبقى الخصوصيات و الهويات فعل وجود و حياة و خصوصا الآن مع هذه العولمة المتوحشة التي ترنو الى نمط واحد لدى الانسان قصد تحويله الى رقم و سوق..في هذا السياق و ضمن احتفاليات الجزائر بثورتها المجيدة كانت الرحلة الممتعة و الناجعة بما منحته لنا من تعرف على ثقافة و تراث و ابداع لحيز من جغرافيا الجزائر ..جزائر مفدي زكرياء صاحب النشيد الوطني الباذخ و الكلمات العالية "...و عقدنا العزم أن تحي الجزائر "..هذا الشاعر الكبير الذي توفي في تونس سنة 1977 و نقل جثمانه الى الجزائر بعد مسيرة من الدراسة الزيتونية و النضال و الشعر ..هو ابن غرداية الجزائرية بالجنوب .

نعم كان السفر الى غرداية المدينة المخصوصة بمعمارها و حياة ناسها ضمن المجتمع و الدولة ..هي مدينة الألف عام ..المعمار الجميل و الثقافة القديمة المتجددة..و طيبة الناس و مبادراتهم الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و ما الى ذلك..

كانت جمعية امكراس للتراث و الفولكلور منظمة مهرجان " غرداية ... رسالة حب وأخوة وسلام " في الفترة من 28 أكتوبر الى 02نوفمبر الجاري و باشراف وزيرة التضامن و المديرة العامة للطفولة و الشباب و والي غرداية و عدد من المسؤولين و المبدعين و المثقفين و أعيان المدينة و برئيسها الأستاذ أحمد تازيري ضمن الحرص الكبير على أن تكون الدورة الأولى هذه شاملة للفنون معبرة عن التعاون التونسي العربي من خلال تنوع الفعاليات و البرامج و حضور تونس الثقافي و الوجداني..حيث حضرت الجزائر كضيف شرف من خلال السيد أحمد تازيري كرئيس وفد عن " امكراس للتراث و الفولكلور " الفعاليات الثقافية التي نظمتها جمعية " أحبك يا وطني " برئاسة الفنانة و الشاعرة زكية الجريدي ومن هنا بدأ التفاعل و التعاون وصولا الى التبادل الثقافي و قد كان للضيوف برنامج فيه زيارات للمدينة القديمة بغرداية و الى عدد من الجمعيات و المؤسسات المدنية و الثقافية و منها الاقامة العلمية فرب منتزه الزواحف حيث يتم تشييد ( في المراحل الأخيرة و بحسب الدعم و التطوع ) دار في مرتفع تخصص للعلم و الندوات و فيها مسجد بمواصفات معمارية خاصة و بطريقة محافظة على البيئة و فيها بئر و مكان للندوات و الحوار و التواصل الثقافي و هي بمثابة التحفة المعمارية و ذلك الى جانب زيارة دار القلم و المعرفة و حديقة و منتزه الزواحف و في الساعة الصفر لاندلاع الثورة الجزائرية كان هناك حفل بساحة مدينة غرداية بمشاركة الجمعيات و الجيش و عدد من المجاهدين الذين شاركوا و عاشوا سنوات الثورة و الكفاح و في تناسق بين التشكيلات الشبابية و غيرها و منها الكشافة الاسلامية بغرداية تم رفع العلم الجزائري كما حضرت الأعلام التونسية في مختلف الأنشطة ..و في لقاء مع شيخ منطقة العطف محمد بن ابراهيم بن سعيد الكعباش ببيته كان هناك حديث عن التاريخ و الثقافة و العلاقات التونسية الجزائرية حيث تحدث الشيخ كعباش عن سنوات الخمسينات و دراسته بالزيتونة و تتلمذه على العلامة التونسي الراحل الشيخ محمد الزغواني الى جانب المعاناة زمن الاستعمار و ذكر صلته بالشاعر مفدي زكرياء في حيز من الطرافة مشيرا الى القصائد التي لم ينشرها الشاعر كما تطرق الى معرفته بالشاعر التونسي الراحل و صديق الثورة الجزائرية منور صمادح و أهدى في نهاية اللقاء عددا من كتبه للضيوف قبل أن يقرأ قصيدة من شعره الذي كانت فيه الموعظة و العبر و الحماسة علما و أن الشيخ كعباش هذا الرجل الوقور و المثقف و صاحب الفكر المعتدل و المتسامح و الأب الروحي لغرداية و شبابها يجل الأدباء و المثقفين و هو محل تقدير الجميع كما أنه تتلمذ على يد الشيخ الراحل الفاضل بن عاشور قد أبلغ الوفد التونسي تحياته للخضراء التي يكن لها حبا هو من قبيل الدين و لكننا نقول له بحب و تقدير كبيرين لا دين بيننا و البلد بلدك و أنت المعلم و تونس أخت الجزائر و يحمي الله البلدين ..في الفعاليات أبدعت المجموعة الفنية لسيدي بالعباس و مجموعة " القرابيلا " بغرداية و كانت للوفد التونسي لقاءات اعلامية منها حديث للتلفزيون الجزائري عن المشترك الثقافي و الابداعي بين الجزائر و تونس...و غرداية المدينة العالمية الساحرة بخصوصية معمارها...و الأهل الطيبين..و في الندوة الشعرية و الثقافية للمهرجان كانت مداخلتي حول تجربتين في الشعر و الفن التشكيلي و العلاقة بالتراث ..تجربة الشاعر نور الدين بالطيب في ديوانه الأخير(صلوات للذكرى..و للرمل ) و تجربة الفنان التشكيلي عزالدين البراري.. و اهتم الشاعر سمير العبدلي بالثقافة و التراث و قدم مداخلة عن التراث و الثقافة في تونس و شفع ذلك بأمسية شعرية شارك فيها الشعراء سارة اللافي و زكية الجريدي و العبدلي و العوني وتم التكريم.. و حضر الفعاليات والي غرداية و وزيرة التضامن و مديرة عامة لوزارة الشباب و الطفولة...طبعا الشكر لأهالي غرداية و لجمعية امكراس و للجميع..عاشت الجزائر و تونس ..الثقافة و كان هناك تفاعل كبير من قبل الجمهور و الصحافة و التلفزيون...فالشكر لجمعيتي ( أحبك يا وطني ) و ( امكراس ) ...و للجزائر الكبيرة بمفدي زكرياء و سحرها و ثورتها الحقيقية و شهدائها رحمهم الله... و كانت ...نعم ..ان القصيدة....سفرمفتوج....و...المجد للمعاني الصافية..هكذا اذن ... قضينا أياما ثقافية جميلة و ممتعة خلال أسبوع في غرداية الجزائرية (من 28 أكتوبر الى 02 نوفمبر)......فقرات ثقافية ..و الى جانب القراءات الشعرية ضمن أماسي الشعر و ذلك ضمن التعاطي مع الابداع الفني و صلته بالتراث..كما كانت هناك فعاليات متعددة و شاركنا في احتفاليات الذكرى 62 لاندلاع الثورة الجزائرية فضلا عن الحضور الفني التونسي للفنانة و رئيسة جمعية " أحبك يا وطني " التونسية السيدة زكية الجريدي... التي قرأت قصائد من شعرها و تحدثت عن الفنون و التراث ..نعم الثقافة كانت العنوان الكبير بين البلدين..كما شارك قراقوز غرداوية بزي مزابي في مهرجان التبادل الثقافي بالعطف من خلال الأستاذين بن شميسة وعمي ميسوم من وهران في قافلة سيدي بلعباس .

مايسترو جمعية امكراس السيد زنقو Zingou استطاع أن ينال حب الجماهير وحب الشخصيات التي حضرت مهرجان التبادل الثقافي الشبابي مثل والي ولاية غرداية عز الدين مشري ووزيرة التضامن والأسرة مونية مسلم وكذا المديرة العامة لوزارة الشباب والرياضة بن مغسولة التي شرفت الحضور باختتام المهرجان كما كان لتعاون و تناسق و تضحيات شباب العطف ضمن جمعية امكراس الدور الأهم في نجاح المهرجان و قد تابع بالتغطية للمهرجان عدد كبير من القنوات التلفزية و الاذاعية و الصحف من ذلك تغطية قناة الخبر KBC للتظاهرة بالتنسيق مع المركز الثقافي العطف ومختلف الجمعيات الفاعلة تحت شعار "غرداية .... رسالة حب اخوة وسلام"..
و تقع بلدية غرداية شمال صحراء الجزائر، ومقر الولاية مدينة غرداية تبعد ب 600 كلم جنوب الجزائر العاصمة ، مساحتها الإجمالية تقدر ب 86105 كلم2، ويعبرها الطريق الوطني رقم 1 الرابط العاصمة الجزائرية بالجنوب الكبير الساحر..و بحسب ويكيبيديا أيضا يمتد تعمير هده المنطقة إلى آلاف السنين والدليل على دلك تلك النقوش البربرية على الصخور والتي تعود إلى 3 آلاف سنة قبل الميلاد وقد شهدت المنطقة قيام الكثير من القرى والقصور السكنية للقبائل الأمازيغية المعروفون باسم آت مزاب.

كما تطور النمو الديمغرافي للمنطقة بعد سقوط الدولة الرستمية وتخريب مدينة سدراتة حيث اعتنق سكانها المذهب الإباضي المعتدل الذي أضاف للمنطقة انعاشا علميا وشهدت المنطقة نزوحا بفعل الأمراض للبدو الرحل من القبائل العربية على المذهب المالكي وهم المذابيح وبني مرزوق والشعامبة الذين قدموا من القطاع الوهراني ومن مختلف أنحاء الصحراء الجزائرية وعاشوا حياة بدوية ثم استقر معظمهم في قصر متليلي وفي القرن السابع عشر الميلادي كثر عددهم فرحل قسم منهم لتأسيس مدينة المنيعة فسموا بشعانبة أي أما هؤلاء الذين بقوا في متليلي فقد سموا بشعانبة برزقة.

و بالنسبة الى مفدي زكريا (1908-)1977 فهو شاعر الثورة الجزائرية ومؤلف النشيد الوطني الجزائري «قسما» الذي تضمن أبدع تصوير لملحمة الشعب الجزائري الخالدة. هو الشيخ زكرياء بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى، و قد ولد يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 1326 هـ، الموافق لـ 12جوان 1908م، ببني يزقن، أحد القصور السبع لوادي مزاب، بغرداية، في جنوب الجزائر

لقبه زميل البعثة الميزابية والدراسة الفرقد سليمان بوجناح بـ: "مفدي"، فأصبح لقبه الأدبي مفدي زكريا الذي اشتهر به كما كان يوَقَّع أشعاره "ابن تومرت"، حيث بدا حياته التعلمية في الكتاب بمسقط رأسه فحصل على شيء من علوم الدين واللغة ثم رحل إلى تونس وأكمل دراسته بالمدرسة الخلدونية ثم الزيتونية وعاد بعد ذالك إلى الوطن وكانت له مشاركة فعالة في الحركة الأدبية والسياسية ولما قامت الثورة إنضم إليها بفكره وقلمه فكان شاعر الثورة الذي يردد أنشيدها وعضوا في جبهة التحرير مما جعل فرنسا تزج به في السجن مرات متوالية ثم فر منه سنة 1959 فأرسلته الجبهة خارج الحدود فجال في العالم العربي وعرف بالثورة وافته المنية بتونس سنة 1977 ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه فكان هو شاعر الثورة ..في بلدته تلقّى دروسه الأولى في القرآن ومبادئ اللغة العربيّة. بدأ تعليمه الأول بمدينة عنابة حيث كان والده يمارس التجارة بالمدينة ثم انتقل إلى تونس لمواصلة تعليمه باللغتين العربية والفرنسية وتعلّم بالمدرسة الخلدونية، ومدرسة العطارين درس في جامعة الزيتونة في تونس ونال شهادتها

انضم إلى صفوف العمل السياسي والوطني منذ أوائل الثلاثينات. كان مناضلاً نشيطاً في صفوف جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين. كان عضواًأساسياّ في حزب نجمة إفريقيا الشمالية. كان عضواً في حزب الشعب. كان عضواً في جمعية الانتصار للحريات الديمقراطية. انضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائري. سجنته فرنسا همة فعالة في النشاط الأدبي والسياسي في كامل أوطان المغرب العربي. عمل أميناً عاماً لحزب الشعب. عمل رئيساً لتحرير صحيفة "الشعب" الداعية لاستقلال الجزائر في سنة 1937م. واكب شعره بحماسة الواقع الجزائري، بل الواقع في المغرب العربي في كل مراحل الكفاح منذ سنة 1925م حتى سنة 1977م داعياً إلى الوحدة بين أقطارها.وهو شاعر ملتزم ..أثناء تواجده بتونس واختلاطه بالأوساط الطلابية هناك تطورت علاقته بأبي اليقضان وبالشاعر رمضان حمود، وبعد عودته إلى الجزائر أصبح عضوا نشطا في جمعية طلبة مسلمي شمال إفريقيا المناهضة لسياسة الإدماج، إلى جانب ميوله إلى حركة الإصلاح التي تمثلها جمعية العلماء انخرط مفدي زكريا في حزب نجم شمال إفريقيا ثم حزب الشعب الجزائري وكتب نشيد الحزب الرسمي "فداء الجزائر" اعتقل من طرف السلطات الفرنسية في أوت 1937 رفقة مصالي الحاج وأطلق سراحه سنة 1939 ليؤسس رفقة باقي المناضلين جريدة الشعب لسان حال حزب الشعب، اعتقل عدة مرات في فيفري 1940 (6 أشهر) ثم في بعد 8 ماي/أيار 1945 (3 سنوات) وبعد خروجه من السجن انخرط في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، انضم إلى الثورة التحريرية في 1954 وعرف الاعتقال مجدّدا في نيسان/أفريل 1956. سجن بسجن بربروس "سركاجي حاليا" مدة 3 سنوات وبعد خروجه من السجن فرّ إلى المغرب ثم إلى تونس أين ساهم في تحرير جريدة المجاهد إلى غاية الاستقلال. اشتهر مفدي زكريا بكتابة النشيد الرسمي الوطني "قسما"، إلى جانب ديوان اللهب المقدس، وإلياذة الجزائر ..أوّل قصيدة له ذات شأن هي "إلى الريفيّين" نشرها في جريدة "لسان الشعب" بتاريخ 6 مايو 1925م، وجريدة "الصواب" التونسيّتين؛ ثمّ في الصحافة المصريّة "اللواء"، و"الأخبار". واكب الحركة الوطنيّة بشعره وبنضاله على مستوى المغرب العربيّ فانخرط في صفوف الشبيبة الدستوريّة، في فترة دراسته بتونس، فاعتقل لمدّة نصف شهر، كما شارك مشاركة فعّآلة في مؤتمرات طلبة شمال إفريقيا؛ وعلى مستوى الحركة الوطنيّة الجزائريّة مناضلا في حزب نجم شمال إفريقيا، فقائدا من أبرز قادة حزب الشعب الجزائريّ، فكان أن أودع السجن لمدّة سنتين 1937-1939. غداة اندلاع الثورة التحريريّة الكبرى انخرط في أولى خلايا جبهة التحرير الوطنيّ بالجزائر العاصمة، وألقي عليه وعلى زملائه المشكّلين لهذه الخليّة القبض، فأودعوا السجن بعد محاكمتهم، فبقي فيه لمدّة ثلاث سنوات من 19 أبريل 1956م إلى 1 فبراير 1959م

بعد خروجه من السجن فرّ إلى المغرب، ومنه انتقل إلى تونس، للعلاج على يد فرانز فانون، ممّا لحقه في السجن من آثار التعذيب. وبعد ذلك كان سفير القضيّة الجزائرية. في سنة 1965 كان ضد الانقلاب العسكري أو بما يسمى التصحيح الثوري الذي قام به هواري بومدين وزير الدفاع آنذاك ضد الرئيس أحمد بن بلة يوم 19 جوان 1965. أين أستولى هواري بومدين على السلطة في الجزائر، فطرد مفدي زكريا من الجزائر ..رحمه الله توفي يوم الأربعاء 2 رمضان 1397 هـ، الموافق ليوم 17 أغسطس 1977م، بتونس، ونقل جثمانه إلى الجزائر، ليدفن بمسقط رأسه ببني يزقن ولاية غرداية ..



حول الموقع

سام برس