سام برس / شمس الدين العوني
تشبّع بروح عناصر وتفاصيل الحمامات المدينة المنفلتة في البهاء التونسي الأصيل...

من يقول الحمامات...يذكر بالضرورة بساتين الألوان و دهشة المشاهد و حميمية الأمكنة و تعدد الحالات و ما الى ذلك..يذكر بالنتيجة الفنان الماهر ..دلفين الألوان و القماشة..

يذكر الطفل المسافر في الكاية الفنية التشكيلية..الفنان الهادي فنينة هذا الذي أخذته فكرة الرسم و ذهب به الشغف الى أمكنة متعددة مثلت رحلة الحياة التي منحته المهارة الفنية و الخبرة الجمالية و التجربة التي صار بعدها و من خلالها لا يبخل بالنصح للفنانين الشبان و الهواة في خصوص ما يمكن أن يفيدهم في بداياتهم و انطلاقاتهم مع الفن التشكيلي..

سافرنا في الحكاية التي تقول الكثير.. وتكشف شيئا من البورتريه الناعم للفنان..في البحر الساحر للمدينة.. يخرج الدلفين منتفضا من الأعماق الى ما فوق سطح الزرقة .. تتلاشى كتل المياه.. لتنبثق من الجسم الكبير أصوات وألوان .. هي الصورة التي تحمل البرج لتضعه هناك في المكان ملطخا بجملة ألوان ..هي ألوان الحمامات المتعددة والتي تختلط لتشكل علامات بإمضاء عم الهادي..الهادي ينثر الألوان في اللوحات منذ أكثر من نصف قرن، يعود للمياه البحرية الصافية، يستلقي على سطح مركب عملاق يطرح الأسئلة.. حاجة الانسان للفن التشكيلي.. وما الفن قبل ذلك.. وفي ما يفكر الفنان المبدع وكيف يسوق فنه وكيف يعيش.. والمتلقي للفن والجمهور و ... بحر آخر من الحيرة التي تبرز على شاشة عملاقة هي تونس..عندها يتأبط صاحبنا حزمة كتب يسافر معها.. روايات ياسمينة خضرا الذي يجنن بفرنسيته الباذخة.. ألباركمي بفتنة سرده.. غونتر غراس .. نيتشة.. وغيرهم.

التجربة التشكيلية في تونس عرفت بتميّزها من حيث تعدّد ألوانها وتياراتها وتجاربها، ذلك أنها نهلت من خصائص الحياة التونسية بشتى أطيافها وإنجازاتها إلى تيارات الحداثة الفنية التي عرفتها أوروبا والعالم بصفة عامة.
من بين هذه التجارب نذكر تجربة الفنان التشكيلي الهادي فنينة أصيل مدينة الحمامات الذي قضى فترة من مسيرته في أوروبا وخاصة بألمانيا حيث أقام عديد المعارض، كما أنه برز مع آخرين منهم عبد الرزاق الساحلي وعلي بن سالم ضمن تجربة الاحتفاء بالخصوصية الفنية والثقافية المحلية بالخصوص...

عرفت الرجل من سنوات يمضي مع الألوان منذ طفولته الأولى لا يبحث عن شيء سوى أن يغوص في كنه الأشياء والتفاصيل والعناصر وكل ما من شأنه أن يمنحه شيئا من زاد الرحلة والطريق.. الطريق الصعبة والمربكة التي سلكها الى عدة بلدان ومنها بالخصوص ألمانيا التي تلقى فيها ومنها الكثير.. الخبرة والفن والنظرة للأفكار والبرامج والمشاريع.

في معارضه الفردية و الجماعية و ضمن سياق نشاطه بورشته و معرضه بحيز من فضاء المركز الثقافي التجاري بالحمامات من سنوات ... عبر الفنان الهادي فنينة عن تمسكه بنهجه التشكيلي الذي يهب مدينة الحمامات شيئا من ألقها حيث يبرز البرج الشامخ المطلّ على البحر في عناق جمالي وتاريخي كثيرا ما لفت إليه زائر هذا المكان..

الى جانب ذلك عمل الفنان أيضا على ابراز اللون الأزرق في أعماله في إشارة الى البحر والسماء وألوان الأبواب والشبابيك، في فسحة من سحر المشهد وتشبّع الفنان بروح عناصر وتفاصيل الحمامات، هذه المدينة المنفلتة من البهاء التونسي الأصيل...عدد آخر من اللوحات مثّلت إطلالة الرسام على عوالم الجنوب التونسي حيث أبدع في رسم عدد من المشاهد منها النسوة بلباس الجنوب، وذلك اتقان لوني وجمالي فيه الكثير من بلاغة العبارة التشكيلية وتجلّياتها الفادحة.. عدد من الأعمال المستوحاة من أعمال أدبية لجبران خليل جبران و ياسمينة خضرا في فسحة بين الشعر و السرد ضمن فسحة من التأويل والخيال ..

الهادي فنينة يستعيد مع جمهوره وأحباء فنه تلك التلقائية التي تطبع فنّه وعلاقاته بالناس والفنانين والبسطاء والتي جعلت منه فنانا صاحب تجربة في الفن والحياة. الفنان الهادي فنينة عمل على حفظ أشياء من ذاكرة المدينة... الحمامات..و بعد رحيل عدد من مجايليه من الرواد بقي الهادي فنانا شاهدا على مدينة بتفاصيلها ووجدانها وجمالها، وهو بذلك يعتبر رمزا فنيا وإبداعيا ومن حقه على البلدية أو المسؤولين بالحمامات أن يكون له دعم و عناية من خلال اسناد تجربته لكي يبدع و ينجز أعماله بأيسر التكاليف ليواصل فنّه وحتى لا نخسر مبدعا آخر، وبالرجوع لما كتبه عنه العديد من السياح الذين زاروه نلمس أهمية هذا العطاء التشكيلي الذي أنجزه في مدينة تحضن الأحلام، كما يحضن بحرها شيئا من سحرها... في تجربته أطوار مسيرة لفنان كبير يحتفي بالناس ويتناغم مع ايقاعهم ويسعد مثلهم بالبهاء التونسي عبر العناصر و التفاصيل و الأشياء الجميلة و الفن هو هذا الذهاب عميقا في المغامرة الجمالية المعنية بالناس في شؤونهم و شجونهم..الهادي فنينة أحب الحمامات بناسها و بحرها و رباطها و عطورها و زرقتها و تاريخها و أكثر من ذلك بكونها قطعة من هذي البلاد الجميلة ..تونس...الفنان الهادي فنينة فنان و انسان حارس ذاكرة الحمامات الجمالية و الوجدانية..

حول الموقع

سام برس