بقلم/ د كمال البعداني
بلغت مساحة دولة الأندلس الإسلامية في أوج مجدها وقوتها أكثر من ستمائة الف كيلو متر مربع (اسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا ) ثم تقلصت تدريجيا حتى وصلت إلى ثمانين الف كيلو متر هي مساحة مملكة غرناطة التي تأسست بعد هزيمة الموحدين على يد الإفرانج في معركة العقاب عام 1212م ثم سقوط قرطبة عام 1236م وظلت هذه المملكة صامدة لا كثر من 250 سنة لأسباب كثيرة أهمها الخلافات داخل الافرنج أنفسهم بالإضافة إلى موقعها الحصين المميز وقوة بعض الحكام الذي تولوا حكمها فقد اهتموا بها وتحصيناتها ومسالمة العدو ودفع الجزية له.

 واصبحت غرناطة هي المكان الآمن لكل المسلمين في الأندلس والذين يهجرون مناطقهم بعد سقوطها بيد النصارى ورغم هذه المدة لم يستفيد العرب هناك ممن سبقوههم بل ظلوا وخاصة في فترتهم الأخيرة ظلوا في خلاف داخل هذه المملكة فيخلعون هذا الأمير ويقتلون ذاك وينصبون آخر وكل ذلك عن طريق الاستعانة والاتصالات السرية مع عدوهم الجميع وكل ذلك على حساب الأرض فيسقط هذا الحصن ويلحقه آخر ومثلها المدن وهكذا حتى وجد العدو أن الفرصة اصبحت سانحة للتخلص منهم الجميع بما فيهم أصحاب الاتصالات السرية مع هذا العدو والذين كانوا يظنون انهم حلفاء له فقد امرا ملكا قشتالة (فرديناند وزوجته ايزابيلا ) بالهجوم على ما تبقى من مملكة غرناطة حتى تم حصار مدينة غرناطة نفسها عاصمة المملكة وملكها ابي عبد الله الصغير الذي كان على حظه العاثر أن يتحمل وزر وأخطأ من سبقوه من حكام الأندلس .

 تم محاصرة المدينة باربعين الف من جيش العدو ووسط مقاومة عنيفة من بعض الفرسان طلب أبو عبدالله الصغير والذي كان قد أجرى اتصالات سرية مع العدو طلب الصلح ووقع شروط التسليم والذي لم يلتزم بها العدو بعد ذلك رغم موافقته عليها وفي صبيحة الثاني من يناير 1492م تسلم الملكان مدينة الحمراء مدينة (القصور ) في غرناطة بصورة رسمية وأقيم القداس النصراني في الجامع الأعظم الذي حول من ذلك اليوم إلى كنيسة وكأني بالعصافير في حدائق غرناطة وقصرها الحمراء قد استيقظت في فجر اليوم الثاني على اسماع صوت الاجراس بدلا من الأذان الذي اعتادت على سماعه فعادت إلى أو كارها منكسرة حزينة وكأني بمئات الآلاف من المقاتلين المسلمين الذين استشهدوا من أجل إيصال الإسلام إلى الأندلس والدفاع عنه كأني بهم كذلك قد سمعوا في قبورهم اجراس الكنائس بدلا من صوت المآذن التي ظلت تصدح بصوت الاذان ثمانمئة سنة تقريبا ..

 سقطت غرناطة أجمل مدينة في العالم حينذاك سقطت مدينة العلم والتأليف والصناعة مدينة ابن البيطار وابن الرومية وإبن الخطيب وغيرهم مدينة قصر الحمراء والنقوش والزخارف سقطت آخر مدينة للمسلمين في الأندلس ..أما ملكها ابي عبدالله الصغير فقد خرج منها بموجب الاتفاق ومر في طريقة على تل يدعى (تل البندول ) فوقف عليها وجال ببصره على مدينة غرناطه فاجهش بالبكاء فصاحت به أمه ابك كالنساء ملكا لم تدافع عنه كالرجال وإلى اليوم يطلق الأسبان على هذا التل (زفرة العربي الأخيرة ) لقد كانت تلك الزفرة في بلاد الغرب فهل سيستفيد العرب من التأريخ أم ستتكرر الزفرة في الشرق وأمام العدو القادم من الشرق والمدعوم من الغرب؟.
* من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس