بقلم / بسام أبو شريف
عام 2017 هو عام انغماس إسرائيل في مغامرة دموية في المنطقة قد تكون بداية سقوطها : نتنياهو مرتبك وشخصية تنفصم


بعد متابعة لردود الفعل الإسرائيلية المتلاحقة على قرار مجلس الامن الذي يعتبر الاستيطان في الضفة الغربية غير قانوني ومدر لفرص السلام ، يمكننا وصف حالة الحكومة الإسرائيلية بالارتباك والقلق والانكفاء لدراسة الاحتمالات وكيفية الرد عليها.

جاء قرار مجلس الامن في زمن وصلت في الغطرسة العنصرية الإسرائيلية مستوى لم يسبق له مثيل ورافق هذه الغطرسة شعور بالنشوة العنصرية اعمت رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه عن رؤية تنامي عدم الرضى في المجتمعات الغربية التي تشكل دعم حكوماتها لإسرائيل عوامل استمرارية الحياة للدولة الصهيونية.

وتصرف جيش الاحتلال لعنصرية دموية وصلت في اجرامها الى اطلاق النار على الأطفال والجرحى ومحاكمة القصر والحكم عليهم وتدمير البيوت جزافا ومصادرة الأراضي ووصلت الى حد احراق الرضع ومهاتهم.
في ظل هذه النشوة العنصرية المجرفة ، جاء قرار مجلس الامن الذي لم تستخدم الولايات المتحدة حقها بالنقض لمنعه.
وشكل ذلك صدمة لتلك النشوة التي أوصلت رئيس وزراء إسرائيل وحكومته الى الاعتقاد بأن قرار واشنطن يتخذ في مكتب بنيامين نتنياهو.

لكن الصدمة التي تلقاها نتنياهو تفوق في نتائجها أي صدمة كبيرة له واي صدمة تزلزل لحكومته.
فالاندفاع غير المسبوق لغزو الضفة الغربية بالمستوطنات وصل الى حد الشروع في نقل نصف سكان إسرائيل الى الضفة الغربية، بحيث تكون الضفة الغربية يهودية وتسمى يهودا والسامرة وتشكل درعاً واقياً للهضاب والساحل الفلسطيني المسلوب.
وهذا ما يطلق عليه بنيامين نتنياهو في جلساته الحميمة مع مموله اديسلون – وعد بلفور الثاني – ونستطيع ان نصف شعور نتنياهو قبل القرار بأنه شعور القوة العظمى التي تتحكم بالشرق الأوسط وتفعيل ما تريد وتهيء نفسها وحلفائها الجدد في المنطقة لتوجيه ضربة مزلزلة لإيران.

ولم يكبح نتنياهو ووزراؤه نفسهم عن الخروج علنا لاعلان دورهم في الحرب الاستعمارية الإرهابية الدائرة على ارض سوريا بهدف تدميرها وتمزيق وحدتها.

لا بل يتبجحوا لفرض شروطهم لوقف تلك الحرب والتي كان بندها الأول – رحيل بشار الأسد ، واستند نتنياهو في شعوره بأنه المتحكم بالحرب في سوريا الى التحالف الوثيق القائم بين إسرائيل والنصرة وفصائل إرهابية أخرى ، لم تخفي هي الأخرى علاقاتها الحميمة بإسرائيل ولم تتردد في طلب مساعدتها علنا في حربها الاجرامية لتفتيت سوريا وضرب الجيش العربي السوري.
وزاد من شعور بنيامين نتنياهو بأنه السيد المطلق ، عدم تنامي انتفاضة الشعب الفلسطيني والمشاركة الفاعلة لأجهزة امن السلطة في منع ذلك والتنسيق لاعتقال القيادات الشابه التي برزت خلال المرحلة الأولى من انتفاضة القدس.
وعبر عن ذلك وزير العدل الإسرائيلي عندما قال علناً : سوف نستمر في ضربهم على رؤوسهم حتى يقرّوا ان السيادة لنا.
والحق ذلك بعد إقرار مجلس الامن الصهيوني بينت بقوله : شطبنا كلمة فلسطين.

هذا هو بالضبط ما كان نتنياهو وحكومته بصدد تحقيقه من خلال التخطيط والمشاركة في الحرب الدائرة بين الإرهاب والجيشين العربيين السوري والعراقي ، وهذا هو الهدف من وراء التمدد السريع لبناء المستعمرات ونقل المهاجرين اليهود اليها في الضفة الغربية .
شطب فلسطين.
قلنا ان هذه هي عوامل تنامي الغطرسة الصهيونية التي وصلت الى مستوى غير مسبوق عشية اتخاذ قرار مجلس الامن حول المستوطنات .

واتبع ذلك جون كيري في خطاب له بتفسير اهم ما جاء فيه :
” ان مواقف الحكومة الإسرائيلية سوف تقضي على السلام والحل السياسي وعلى الدولة الفلسطينية وإسرائيل”.
وهذا امر غير مسبوق أيضا فجون كيري الذي يودع السياسة بعد أيام يلخص تبعات الموقف الإسرائيلي على الإسرائيليين : سنقضي على إسرائيل !!، وهذا فعلاً غير مسبوق وارى فيها كلاماً صحيحاً واستنتاج منطقي ومستند لتصور تنامي المقاومة ضد إسرائيل وعدم قدرة إسرائيل على مواجهة حروب كالتي تدور على  الأرض السورية والعراقية.
الصدمة والخشية :
في حسابات نتنياهو المصدوم بالموقف الأميركي ، خشية كبيرة من الأمور التالية :
–          ” العب غيرها ” مع الغرب – لا يصدمه احد
–          مؤتمر باريس استمرار لكلام كيري ، سيحاول الغاءه باغراء السلطة .
–          عدم مقدرة تحديد توجهات ترامب
–          تنامي الشعور في الوسط الفلسطيني بضرورة احياء الانتفاضة.
–          وقف اطلاق النار في سوريا – سنحاول الاخلال به.
–          نمو الدور الروسي.
–          الخشية من الحرب الاهلية في إسرائيل – تمزق المجتمع الإسرائيلي.
يرتبك نتنياهو في مطلع هذا العالم (ويكاد يرتعد) من موضوعين استراتيجيين الأول هو بداية انهيار المخطط الذي قدمه هو لأول مرة عندما تسلم رئاسة الوزراء في عهد الرئيس كلنتون.

وهو مخطط تدمير القوى العربية التي مازالت قادرة على الدفاع عن نفسها وترفض التعامل مع إسرائيل وهي سوريا والعراق واليمن.
لكن كلينتون في حينها وضع المشروع جانباً لأنه ( حسب تعير كلنتون) قد يحرق يديه وليس فقط أصابعه.

جوهر المشروع كان اشعال حروب طائفية مدمرة تشطب العامل القومي العربي الذي تستمد منه الحركة الفلسطينية بعدا وعمقاً استراتيجياً وتحويل الصراع الى طائفي ينتج عنه إقامة اكثر من دولة طائفية في العراق وسوريا واليمن ، وهذا يعطي إسرائيل كدولة يهودية شرعية الوجود ويجعلها القوة الإقليمية المهيمنة على الشرق الأوسط .
بداية انهيار هذا المخطط في سوريا والعراق على يد الجيشين العربيين السوري والعراقي وقوى المقاومة يشكل مصدر ارباك و قلق وخوف لدى نتنياهو.

والموضوع الثاني هو الرسالة التي تضمنها قرار مجلس الامن حول الاستيطان في الضفة الغربية والرسالة الواضحة التي جاءت في خطاب جون كيري الذي خلص الى القول ان ما تقوم به الحكومات الإسرائيلية لن يدمر حلم الدولة الفلسطينية فقط بل إسرائيل ايضاً.
ففشل المخطط لا يعني فقط هزيمة مشروع الدويلات الطائفية في بلاد العرب ، بل يعني اكثر بكثير من ذلك ، ومن ضمن الأمور الهامة التي تعنيها هزيمة مشروع نتنياهو ، هو خروج الجيشين العربيين السوري والعراقي اكثر تدريباً واحدث تسليحاً واقدر على خوض حرب متنوعة التكتيكات ميدانياً ( حرب الجيوش وحرب المدن والشوارع والانفاق واستخدام احدث تكنولوجيات السلاح فيها.

ولا تتحدث إسرائيل عن هذا بل تستعيض عنه بالحديث عن خطورة انتقال أسلحة متطورة لحزب الله وتنظيمات المقاومة العربية.
لهذا السبب سوف يبذل نتنياهو كل جهوده لابقاء الحرب مشتعلة بهدف مزيد من اشعال القوى العربية بمعارك داخلية وابعادها عن خطوط المواجهة كي يستمر نتنياهو فيما وعد الصهاينة العنصريين به وهو ضم الجولان والضفة الغربية لإسرائيل وشطب فلسطين كما اعلن قبل يومين ليبرمان وعدة وزراء في الحكومة العنصرية الإسرائيلية.
وجهود نتنياهو سوف تأخذ شكلاً اكثر هجومية من حيث دعم قوى إرهابية داخل سوريا اقامت علاقات تعاون وتنسيق مع إسرائيل منذ سنوات.

وسوف تعطي هذه التنظيمات الإرهابية غطاء جوياً محدداً وتستخدم قصف الصواريخ من الجو من مسافات بعيدة ، حسبما تفيدنا معلومات وصلتنا وقد لا تكون كاملة او دقيقة فان تركيز الدعم العسكري الإسرائيلي سيكون في جنوب سوريا في المنطقة التي تمتد من الحدود الأردنية الى السويداء مروراً بالقنيطرة والشريط الحدودي.
اما مصدر الارتباك والقلق الأساسي الثاني فهو عدم معرفة إسرائيل كيف سيتعرف الرئيس الأمريكي الجديد ترامب إزاء مشاكل الشرق الأوسط.

فالمعلومات المتوفرة لدى إسرائيل لا تزيد عن المعلومات المتوفرة لدى أي مخابرات متابعة لما ينشر.
اذ ان تقارير المخابرات الإسرائيلية اثناء الحملة الانتخابية (والتي استندت على تقارير ايباك جزئياً – وجهاز الموساد المكلف بالعمل في واشنطن) وكانت تتوقع فوز هيلاري كلنتون والتي كانت قد جهزت لائحه فريقها الذي يضم عدداً من كبار مؤيدي إسرائيل ، وادى هذا الى ارتخاء في أوساط الحكومة الإسرائيلية مما حول انتصار ترامب الى فشل مخابراتي إسرائيلي ذريع .

وتماماً كما امر نتنياهو أعضاء حكومته بعدم الادلاء بمواقف اثناء الحملة الانتخابية الامريكية سارع الى الزام الجميع باستخدام كافة الوسائل والعلاقات للتعويض عما خسرته إسرائيل بموقفها المستند لتوقعها نجاح هيلاري كلنتون ، وذلك بعد تقديم الدعم لمرشحين (مؤيدين لإسرائيل ) للانضمام لفريق دونالد ترامب.

رغم هذا فان اليقين يبقى بعيداً حول مواقف ترامب المستقبلية خاصة ان الواضح حتى الان من سياسة ترامب في الشرق الأوسط هو رغبته في التعاون مع موسكو لايجاد حلول سياسية بعيداً عن الحروب لمشاكل الشرق الأوسط.

وجاء تعليق ترامب على تأجيل بوتين القيام بالرد على العقوبات التي فرضها أوباما على روسيا ، يثير فرحاً في نفس ترامب، الذي عبر عن سعادته بموقف بوتين في تعليق ادلى به عبر التويتر(Twitter).

وفي ظل الموقف الذي أكده لافروف مخراً في تصريح للصحفيين في موسكو والذي اكد فيه ان المرجعية في حل الصراع العربي الإسرائيلي هي قرارات الأمم المتحدة فان أي بحث بين ترامب وبوتين حول حل النزاعات في الشرق الأوسط سوف يعيد البحث في تطبيق قرارات الأمم المتحدة.

وهذا ما لا تريده الحكومة الإسرائيلية التي تسابق الزمن في التمدد الاستيطاني وتهويد القدس لخلق وقائع جديدة تصعب تطبيق قرارات الشرعية الدولية ، ووضع نتنياهو هدفاً له الأولية لابعاد بحث الموضوع الفلسطيني عن جدول بوتين – ترامب وهو إبقاء الحرب مشتعلة على ارض سوريا وتصعيدها بتوجيه ضربات مباشرة لحزب الله واصدر الأوامر برفع مستوى نشاط الموساد في لبنان وسوريا والعراق والأردن.
وهذا يشير الى نوايا إسرائيل بشن عمليات تفجير واغتيال في اكثر من مكان.

ويزداد قلق نتنياهو داخلياً في إسرائيل لتنامي الشعور بان المستوطنين والاستيطان سيجلبون الكوارث للإسرائيليين ولم يعد خافياً على المتتبعين تنامي الجفاء بين من يطلقون على انفسهم تعبير إسرائيليين ويميزون انفسهم عن المستوطنين.
ويعود الشعور هذا لاعتقاد عدد كبير من الإسرائيليين بان المستوطنين يزعزعون استقرارهم!!.
وتضاف هذه المشكلة لمشاكل الممارسات العنصرية الواضحة بين اليهود الشرقيين والغربيين والسود والبيض والتي تفوقها بالطبع ممارسات العنصرية اليهودية ضد العرب اجمالاً.

وسيس الاستيلاء الصهيوني على وادي عارة تفجيراً شعبياً قوياً لأنه يضيف الى عمليات النهب الإسرائيلية لأراضي عرب 1948 نهب جديداً ويبرز التصرف العنصري المعادي للعرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ومن المفترض قانونياً ان تكون حقوقهم متساوية مع حقوق الإسرائيليين اليهود ،.
نتنياهو يقف مرتبكاً امام الاحتمالات:

فتجميد الاستيطان سيقود الى انهيار الائتلاف الحكومي وسقوط الحكومة.
وعدم التوقف عن الاستيطان سيزيد عزلة إسرائيل ويدعم الحملات لمقاطعتها ويثير ردود فعل شعبية فلسطينية .
ويزداد ارتباكه من احتمال عقد المؤتمر الدولي في باريس الشهر القادم، فعقد مؤتمر دولي سوف يعني انتكاسة لمحاولات شطب موضوع فلسطين من جدول الاعمال رغم انه لن يخرج بقرارات تلزم إسرائيل ، وهذا سوف ينقل الموقف الأوروبي بالضرورة الى مستوى اعلى من معارضه أوروبا لممارسات إسرائيل.

عندما يرتبك نتنياهو يبدأ بارتكاب أخطاء فادحة ستزيد من خسارته وخسارة إسرائيل.
ان جهل نتنياهو بالمنطقة العربية هو شبيه بجهل من يطلقون على انفسهم في الولايات المتحدة خبراء في الشؤون العربية او خبراء شؤون الشرق الأوسط.

فهم يجهلون ان مايكروسفت لا يستطيع ان يدلهم على طرقات العالم العربي والعوامل المؤثرة الكامنة والغائرة.
ولذلك نتوقع لبنيامين نتنياهو المرتبك ان يتخذ قرارات بعيدة عن العقل والعقلانية ونتوقع ان يشهد عام 2017 انهياره وانهيار حكومته وسقوط تدريجي لبرنامجه الداخلي.
سياسي فلسطيني
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس