بقلم / سام الغباري
- في مثل هذا اليوم قبل سبع سنين ، ماتت أمي .. تركتني صغيرًا فلاحقني الشيب والتشرد ، أضعتها في منتصف العمر ، والحلم .. بعد سنة من وفاتها ، مات وطني ! ، بعد أربع سنين هربت شريدًا ، طريدًا .
 
- واليوم ها أنا ذا ، وحيدٌ مثل عصفور بلله المطر ، ، لا أعرف عدد الأيام والسنوات .. تغادر الشمس وتعود ، وأنا على حالتي بلا حراك .. افتقدت صورة الغيم التي تضللني في السماء ، بعيدٌ بضع كيلو مترات عن مدينتي ، كلما اقترب الجيش ، حملت أقدامهم فوق رأسي ومضيت أبللهن بالمساء ، أمسح ذرات العرق عن جباه الرجال ، وأطرب لسماع صوت الجندي وهو يسألني ، يفتشني ، يرتدي زيه الأخضر ، ويأمرني ، يمنعني ، يحقق معي ، وأنا أعرف من يكون !
 
- كانت أمي تحرس مدينتي .. تحميني ، تعويذتها المباركة لا تغادرني ، منذ ماتت على سرير معدني بارد ، خرج اللقطاء إلى الشوارع لإحتلال المدينة .. جيش من المجهولين ، قهروا كل الأصدقاء ، وأودعني السجن ، نهبوا سيارتي وطابعتي ، قتلوا رفاقي ، وأطلقوا أياديهم علينا ، فيما كان صديقي "علي عبدالله صالح" يتجول في منزله بخيلاء ، وبجواره طاووس مغرور يراقبه بهدوء !
 
- روح أمي لا يفارقني ، طيفها ، رائحتها ، يديها الجميلتين ، عينيها تتطلعان من نافذة المنزل لحظة عودتنا في المساء كباقي الصغار الذين يعشقون المبيت في منازل الآخرين ! .
 
لو لم تمت أمي لما هربت ، وما سجنت ، وما تعرضت للأذى وقهر المحاكم وذُل السجان الملثم !! .. سبع سنين بلا أم .. إنه العذاب ، والإبتلاء ، القهر والألم ، الخوف ، الإرتعاش في وسط النار من برودة الحنان ، وظمأ العيش ، ولعنة المصير .. لا وطن ، لا أم ، لا شيء يؤنس وحشتي سوى ضحكة أطفالي الذين يكبرون بهدوء مثل مكتبتي الجميلة .

- أين أمي يا الله ، أعدها إليّ ، أو خذني إليها .. فقد مللت من العيش وحيداً ، وجبانًا .. مللت من التحديق في فراغ غرفتي ، حيث الصمت والنوم والشيطان .

حول الموقع

سام برس