بقلم / أحمد الجار الله
لابد من وضع حد للشتات السوري، هذه حقيقة يجب ان يفهمها السوريون كافة، خصوصا بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب منع اللاجئين، ومواطني سبع دول عربية واسلامية من دخول الولايات المتحدة، وفي ظل الحملة الشعبوية التي تجتاح دول الاتحاد الاوروبي لوقف تدفقهم عليها، لا سيما السوريين منهم، وارتفاع حظوظ التيارات والاحزاب اليمينية المتطرفة في الوصول الى الحكم بعدد من البلدان الاوروبية بعد تسلحها بخطاب الكراهية والعنصرية، اضافة الى ان غالبية الدول العربية لم ولن تمنح تأشيرات دخول للسوريين، وحتى تلك التي اقيمت فيها مخيمات نزوح كانت نتيجة للأمر الواقع وليس رأفة بالنازحين.

بعد قرار ترامب كانت دعوة النظام واضحة لعودة النازحين واللاجئين الى بلدهم وتأمين كل سبل الحياة والامان لهم, وفي ذلك امتحان حقيقي ليس فقط للنوايا، انما ايضا لتنفيذ القرارات والقوانين التي اقرها النظام طوال الفترة الماضية في اعادة لم الشمل السوري، وان يعيش هؤلاء في وطنهم، بدلا من المخيمات في دول الجوار التي لا تتوافر فيها ابسط مقومات العيش، او الموت في البحار.

بات من الضروري ان يدرك السوريون ان “شهوة اوروبا” المقترنة بحجة الفرار من ويلات الحرب لن تستمر الى الابد، خصوصا في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية تجتاح بلدان اللجوء، ولهذا وجد من أملوا النفس بالقصور والمنازل الفاخرة والحياة الكريمة في تلك الدول خيما على شواطىء البحار او النوم في البراري والجوع والقهر والاذلال، وتبخرت الأحلام ليكتشفوا مرارة تلك الشهوة الكاذبة، ولهذا فإن خيمة موقتة في سورية افضل من قصر ذل خارجها.

لا شك ان التهجير أصبح صناعة رديفة للحرب المستمرة منذ ست سنوات، وهناك مستفيدون منها، اكان في النظام أو الفصائل المسلحة، وفيما يعمل امراء الحرب على توسيعها لزيادة جني الفوائد، أقله المالية، يبقى المواطن وحده الضحية، لأن في نزوحه وخروجه من أرضه يفسح في المجال ايضا لآخر يحل محله، اكان من اتباع قوات الاحتلال الايراني وميليشياتها، خصوصا بعد نشر العديد من الاخبار عن حملات تجنيس لغير السوريين، او عبر استيطان مقاتلي الفصائل المسلحة الاجانب، أو ضم مناطق سورية الى دول مجاورة كما راج قبل فترة.

اليوم، وبعد سلسلة طويلة من المؤتمرات والاجتماعات في عدد من عواصم العالم باتت الصورة اكثر وضوحا في ما يتعلق بالمستفيدين، دوليا واقليميا، من استمرار هذه الحرب العبثية البشعة، والتسويف المتعمد في منع الاتفاق بين ابناء البلد الواحد قبل تبلور المكاسب التي سيجنيها كل طرف.

لم يكن هذا المصير المظلم بعيدا عن الاذهان حين وجهت الدعوات لعودة النازحين والمهجرين الى بلدهم، بل كان ولا يزال الهدف منها منع هذه الكارثة التي جعلت من اللاجئين كرة تتقاذفها الدول.

اذا كان على السوريين قبل ست سنوات الا يصغوا للمرجفين الذين دفعوا بهم الى هذه الحرب، فاليوم عليهم أن يضعوا حدا لمعاناتهم بعودتهم الى ارضهم، فسورية ليست للأسد او “النصرة” أو “داعش” أو “القاعدة” او “حزب الله” وغيرها من الميليشيات انما هي للسوريين، ولن تستطيع كل هذه القوى مهما فعلت قتل الملايين، بل ان الشعب وحده قادر على فرض ارادته على الجميع اذا تخلى عن خوفه، واقفل اذانه عن اصوات المحرضين المستفيدين من استمرار عذابه, وفرض أمر واقع بعودته الى دياره.
أحمد الجارالله
*نقلاً عن السياسة الكويتية

حول الموقع

سام برس