بقلم/ عبدالكريم المدي
لقد أرتبطت ذكرى ما يُسمّى بـ  (  الربيع العربي عامة وثورة 11فبراير2011 في اليمن خاصة) بشقاء الشعب اليمني وتوزُّعه بين المنافي والأمكنة..وسقوط دولته ومعه عدد من الدول العربية التي أنهارت مؤسساتها وتبدُّد تعايشها وأمنها وفُخّخت بالفوضى والطائفية والحروب والإرهاب والفقر..

 ليصحّ لنا القول من دون أي مبالغة : إن ما عُرِف بـ الربيع اليمني والعربي ، كان خدعة كبرى جعلت الناس يذهبون إلى الجحيم من خلال طُرق مُبلّطة بالنوايا الحسنة، تقودهم شعارات وهمية ،برّاقة سرعان ما ذابت كالشموع ومعها القيم والأعراف والثوابت والأمل والأحلام..

سؤال مركزي يفرض نفسه : بماذا يحتفل البعض ، ما هي الفضيلة الوحيدة التي حققتها لنا ثورات ( الربيع ) ؟
هل هناك جُرم أكثر من الجُرم المتعمد الذي يُنسيك نفسك ووطنك وثوابتك وواقعك.. وهل هناك أفدح من جُرم يستهدفك كي يلهيك ويلهي أمة بكاملها عن عدوها الحقيقي ويفصلها عن قضيتها الأولى والعادلة كـ ( القضية الفلسطينة) التي يجب أن تبقى ،ما ظلّت مظلوميتها وعدالتها، قضية كل عربي ومسلم وإنسان سوي ؟

من يقنعنا – إذن – بالمبرر المنطقي الذي يجعل البعض يُصرّون على الاحتفاء بهذه الذكرى التي حوّلت أبناء شعب كالشعب اليمني إلى جوعى ومشردين،مفككين وغرباء في وطنهم،غارقين بالصراعات ،مستهدفين من الداخل والخارج ،القتل يُحاصرهم من الجو والبرّ والبحر ،أمعاء أطفالهم ورجالهم ونساؤهم فارغة ،الأمراض والحرمان والمخاوف تُضبّبُ واقعهم ،حياتهم تشظّت وصار ملمحها وعنوانها الأبرزهو الدماء والدموع والجنائز؟

من يجيبنا بحياد، بماذا سيحتفل المحتفلون في اليمن : هل ببلاد محطّمة ومفرغة من كل شيء، أم بالموانىء البرية والبحرية والجوية التي أغلقت أمام القادمين والمغادرين ،أم بالوحدة الوطنية التي غدت لعنة وتهمة تُطارد الناس وتُهدر دماءهم وتسلبهم حقوقهم المادية والإنسانية وتقطع أرزاقهم وأعناقهم أم بالحريات التي لم يعد لها أي أثر؟

هل من العدالة والانصاف مكافأة وتمجيد هذا التاريخ، لأنه سلخ لنا من الحكومة الواحدة حكومتين ومن البرلمان الواحد برلمانين ومن العاصمة الواحدة عواصم ومن العلم الوطني الواحد أعلام .. ومن قناة فضائية رسمية قنوات ومن قاعدة واحدة للإرهاب إلى قواعد وتنظيمات ومن مذهبين دينيين بارزين إلى مذاهب عدة وشيع متصارعة ومتناحرة؟

هل هذه ثورة حرية وكرامة ونهوض وتجدُّد تستحق حقّا أن نتغنّى بها، وهي التي جعلت الملايين يعيشون في الظلام منذُ ست سنوات بعد أن حوّلت ( 2000) ميجا وات كهرباء عمومية، إلى ألواح شمسية وبطاريات سيارات متهالكة لا تتواجد إلا  في أسطح بيوت علياء القوم؟

افيدونا: كيف نحتفل بثورة أغلقت المستشفيات وطردت مئتي شركة نفطية من البلاد ، ونصبت البراميل على مستوى المُدن والمحافظات ،وحولت الجيوش الجرارة والمدربة إلى ميليشيات ، ومعظم أفرادها وضباطها إلى عاطلين عن العمل؟

بالله عليكم ..كيف للناس أن يحتفلوا بثورة حوّلت المدارس إلى أهداف عسكرية والمصانع إلى رُكام ،والطلاب والمسافرين في الخارج إلى عالقين،متسولين ،إرهابيين، منبوذين، ممنوعين من الدخول إلى بلدان الأشقاء والأصدقاء، أو حتّى مغادرة المطارات ومعسكرات التوقيف إلى بلادهم ؟

على الذين يكابرون،أويعتبرون هذه المأساة الوطنية والقومية سُلّاما مكّنهم من الوصول إلى أنقاض السلطات كي يحققوا ثروات هائلة، ويتزعّموا ميليشيات يخضعون بها من ارادوا ويعقدون الصفقات والتحالفات السرية والعلنية مع الشرق والغرب والقريب والبعيد لتدمير أوطانهم وقتل أبناء جلدتهم، عليهم أن يلتفتوا إلى واقع الناس وما آلت إليه أوضاعهم المعيشية وحياتهم ، وكيف قتلتهم هذه الثورات وقتلت فيهم الشعور بالانتماء والهوية والمواطنة والثقة بالذات وبالقدرات وغيرها .

الخلاصة: 11 فبراير خاصة والربيع العربي عامّة كان وسيظل التجسيد الأمثل لانسحاق القيم والأخلاق تحت أنانية بعض نُخبنا التي عيّشت البسطاء في نعيم من الأوهام ودفعت بهم للقيام  بتدمير أوطانهم تحت شعار المظلومية والحقوق الاستثنائية التي يمتلكونها ، ليصحو الكثير منهم في الأوقات الضائعة ويكتشفون حقيقة ما جرى وحقيقة تلك الشعارات التي لم تكن إلا مفتتح للفوضى وصيحة في غير محلّها وجسر للعبور نحو المجهول.
كاتب يمني
* نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس