بقلم / د. أكرم العجي
لعل أخطر ما تواجهه بلادنا في هذه اللحظة الحرجة والدقيقة، إلى جانب الآثار الكارثية التى خلفتها وتخلفها الحرب كل يوم من تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن، و إهدارا للدماء وإزهاقا للأرواح. هو تردي مستويات التفكير لدى غالبية النخب السياسية والأكاديمية والإعلامية على اختلاف انتماءاتهم الأيديولوجية والفكرية - والاستثناءات محدودة-.

   وهذا ما أظهرته و تظهره خطاباتهم السياسية و الإعلامية  والأكاديمية  حول القضايا والأزمات المستفحلة بالوطن، خصوصا القضية الكبرى التي تشغل بال كل يمني تجرع ويلاتها،  الحرب التي يسعي كل طرف من أطراف الصراع  تحميل الآخر تبعاتها، والأكثر من ذلك سعي كل طرف من خلالها إلى أقصى الآخر، بل ونفيه من الوجود، ليحلوا له الجلوس على عرش السلطة.

المرحلة الحالية تستدعي من الجميع التفكير بعقلانية وتقديم التنازلات من أجل البسطاء الذين يموتون كل يوم مرات عديدة خصوصا بعد فشل مشروع الحرب في حسم الخلاف؛ وبغض النظر عن السبب والمسبب فجميعنا سيدفع ثمن الحرب.

     أكيد أن نخبنا الموقرة لم تدرك بعد  مآل الأمور و لم تتجرع مرارت الحرب كما تجرعها بسطاء هذا الوطن. وهي عادة الحروب فصناعها يحتمون من لهيبها ويجنون ثمارها.  البسطاء هم الوقود والحطب، لهذا فلا هم لتلك النخب  إلا حفظ مصالحها ومواقعها وبإسم الوطن،الذي يتشدق بإسمه الجميع وهو بريئ منهم كبرائة الذئب من دم يوسف، لهذا عمت الأبصار  وتبلدت العقول وتردت مستويات التفكير، مما أدى إلى سيادة  الانطباعات المغلوطة حول الوطن وقضاياه.

  وإلى  غياب الرؤى والأفكار المبنية على دراسات دقيقة ومعمقة لقضايا المرحلة، لصالح الشعارات الجوفاء والعمياء، التي شوهت العقول وأفسدت الحياة،  الميل إلى الطعن اللفظي واللغو السياسي والكلام الفارغ، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، النزوع إلى لغة الشارع التي تخاطب العواطف ولا تخاطب العقول،  إشاعة لغة العنف والكراهية  بين ابناء المجتمع الواحد و  نشر الفوضى وتشويه وعي الجماهير. هذه بعض من مؤشرات تردي مستويات تفكير النخب.

كل ما ذكرناه  يشير إلى أن النخب اليمنية لم تبلغ بعد سن الرشد والنضج حتى نعول عليها إخراج الوطن من أتون الازمة، وكما هو معروف فإن النخب هي العقل المدبر في أي مجتمع، إلا أن النخبة اليمنية استثناء من تلك النخب، حيث أضحت غالبية العقول النخبوية مدمرة أكثر من مدبرة.

ولهذا يمكن القول بأن النخب اليمنية اليوم أشبه بالطبل الفارغ الذي ملأ سماء الوطن ضجيجا وأصاب المواطنيين بالتشويش والصمم.

حول الموقع

سام برس